15 يوليو/تموز المحاولة الانقلابية مسألة إعادة فتح الله غولن إلى تركيا

مسألة إعادة فتح الله غولن إلى تركيا

sn.
النقطة الأساسية: عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا ليلة 15 يوليو/تموز 2016 تقدمت تركيا بطلب رسمي إلى الولايات المتحدة من أجل إعادة فتح الله غولن، زعيم منظمة غولن الإرهابية إلى تركيا. وفي الوقت الذي عادت إلى السطح مرّة ثانية المناقشات حول إعادة غولن بعد هروبه إلى الولايات المتحدة، وذلك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، كان أبرز طلبات تركيا هي إعادة غولن في أقرب وقت ممكن.

مسألة إعادة فتح الله غولن إلى تركيا

استهدفت منظمة غولن الإرهابية، التي أقدمت على تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15 يوليو/تموز 2016، إنزال ضربة قاصمة إلى الديمقراطية والحكومة المنتخبة في تركيا. ولقد استشهد 248 مدنيًا وشرطيًا وعسكريًا معارضًا لمحاولة الانقلاب نتيجة الهجمات التي نفذها الانقلابيون المنتسبون إلى منظمة غولن الإرهابية، كما أصيب ألفان و195 شخصًا آخر. وقد اعترف الانقلابيون الذين اعتقلوا عقب المحاولة ليلة 15 يوليو/تموز، في أقوالهم التي أدلوا بها في النيابات العامة، بأنّ منظمة غولن الإرهابية هي من وضعت مخطط محاولة الانقلاب. ويظهر الدور الذي لعبه فتح الله غولن، زعيم منظمة غولن الإرهابية، في محاولة الانقلاب بفضل الدور الذي لعبه عدد كبير من الشخصيات المنتسبة للتنظيم في محاولة الانقلاب، والمراسلات بين أعضاء المنظمة عبر تطبيق "بايلوك" Bylock، والمحادثات التي أجراها عادل أوكسوز مع غولن بعدما كان من بين الذين ألقي القبض عليهم ليلة محاولة الانقلاب في قاعدة أكينجي الجوية الرابعة لكنهم أطلق سراحهم خلال فترة قصيرة، وكذلك الأقوال التي أدلى بها الشهود السريون "كوزغون" و"شابكا" بشأن تخطيط غولن لمحاولة الانقلاب. كما أظهر التحقيق الذي أجرته النيابة أن عادل أوكسوز، الذي اتضح أنه إمام في القوات الجوية وفق خطة الانقلاب، سافر إلى الولايات المتحدة مرّتين قبل ليلة محاولة الانقلاب، وأنه عاد مؤخرًا إلى تركيا يوم 13 يوليو/تموز حيث انتقل إلى العاصمة أنقرة يوم 14 يوليو/تموز وعقد اجتماعًا مع الانقلابيين. وتكشف علاقة أوكسوز بغولن أنّ؛ من خططوا لتنفيذ محاولة الانقلاب يتنسبون لتنظيم غولن والكيان الذي أسسه.

الكشف عن سفر أوكسوز إلى الولايات المتحدة يوم 11 يوليو/تموز واجتماعه بالانقلابيين عقب عودته إلى تركيا (النقطة الجانبية – الجانب الأيسر)

كان أهم ما تقدمت به تركيا إلى الولايات المتحدة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 يوليو/تموز 2016 هو إعادة فتح الله غولن زعيم التنظيم الإرهابي الذي يحمل اسمه؛ إذ طلب رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم من الإدارة الأمريكية إعادة غولن عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. وخلال هذه الوتيرة قدمت تركيا الأدلة اللازمة إلى المسؤولين الأمريكيين من أجل إعادة غولن، ومن ناحية أخرى أجرى المسؤولون الأتراك محادثات مباشرة مع الإدارة الأمريكية للغرض نفسه.

تسببت مطالبة الحكومة التركية بإعادة فتح الله غولن عقب محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 يوليو/تموز في إثارة الكثير من النقاشات، بيد أن هذه النقاشات تعود إلى سنوات خلت؛ إذ كان غولن قد هرب إلى الولايات المتحدة قبل تاريخ دعوى رفعت ضده عام 1999، وطرحت حينها فكرة إعادته إلى تركيا. كما طالبت الحكومة التركية الإدارة الأمريكية بإعادة غولن بالطريقة ذاتها عقب أحداث 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. ولقد صار طلب إعادة غولن إلى تركيا هم أهم مادة للنقاشات اليومية عقب تقدم السلطات التركية هذه المرة بطلب إعادته عبر القنوات الرسمية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة. وتستند تركيا في طلبها هذا إلى أهم مستند قانوني وهو اتفاقية إعادة المتهمين والتعاون المشترك في تنفيذ العقوبات التي وقعتها الدولتان عام 1980. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن النقاشات الدائرة حول طلب إعادة غولن تعتبر أهم نقطة في العلاقات التركية – الأمريكية خلال السبعة عشر عامًا الأخيرة.

كواليس نقاش طلب إعادة غولن إلى تركيا

رفعت أولى الدعاوى ضد فتح الله غولن من جانب مدعي محاكم أمن الدولة في أنقرة نوح مته يوكسل عقب استلام النيابة تقرير بعنوان "فتح الله غولن وطريقة إيشيق" أعدّه جودت صارال وعثمان آق عام 1999. وكان غولن قد هرب إلى الولايات المتحدة قبل فترة قصيرة من تسليم التقرير سالف الذكر إلى النيابة.

وأفاد يوكسل في لائحة الاتهام التي أعدها عام 2000 بأنّ فتح الله غولن يتزعم تنظيمًا إرهابيًا، وتحدث عن المنتسبين إلى تنظيمه بقوله "يهدفون بهذه الطريقة أن تكون لهم الكلمة العليا داخل القوات المسلحة التركية في غضون 10 سنوات". (نقطة تأكيد)

هرب غولن إلى الولايات المتحدة بعدما حصل على تأشيرة سياحية، ثم استقر بولاية بنسلفانيا وتقدم بطلب للحصول على تصريح إقامة. وشهدت تركيا ظهور فضيحة "Telekulak" المعروفة باسم "عصابة الطابق الثامن". وثمة ادعاء مفاده أن الفريق الذي ضم كلا من جودت صارال وعثمان آق معدي التقرير، هو الذي تسبب في هرب غولن إلى الولايات المتحدة، كما تنصّت بشكل غير قانوني على 963 شخصًا كان من بينهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس هيئة أركان الجيش، وكان وزير الداخلية آنذاك سعد الدين تانتان قد عزل بأمر موافقة حمل تاريخ 8 يونيو/حزيران 1999 العديدَ من المسؤولين الأمنيّين الذين كان من بينهم مدير أمن أنقرة جودت صارال ورئيس دائرة الاستخبارات بمديرية الأمن العام صبري أوزون ومساعد مدير أمن أنقرة عثمان آق. وجاء في البيان الرسمي أن إبعاد كل من جودت صارال وعثمان آق قد تمّ بتعليمات من الوزير.

فيما ظهر ادعاء بوجود "تسجيل" يتعلق بمدعي محاكم أمن الدولة في أنقرة نوح مته يوكسل الذي رفع دعوى ضدّ فتح الله غولن وكتب في لائحة الاتهام التي أعدها أن غولن يتزعم تنظيمًا إرهابيًا. وقد فرض مجلس القضاة ومدعي العموم الذي عقد اجتماعًا بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2002 عقوبة إدانة على يوكسل في إطار التقرير الذي أعده المفتشون. وعقب هذا القرار ترك يوكسل منصبه في نيابة محاكم أمن الدولة، ما أضاف غموضًا إلى الدعوى المرفوعة ضد غولن.

وخلال تلك الفترة رفضت الطلبات التي تقدم بها غولن للحصول على التأشيرة بمختلف أنواعها. وعقب رفض جميع طلباته، تقدم غولن في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 للحصول على تأشيرة "عامل أجنبي" المخصّصة للعمل الدائم والمسماة بـ"I-140". وللتقدم بطلب الحصول على هذه التأشيرة كان يجب أن يكون حاملًا لهوية أستاذ أو باحث متفوق أو عامل ماهر. وخلال تلك الفترة صدرت براءة غولن من الدعوى المرفوعة ضدّه في تركيا.

محامي غولن يدعي أن حصول موكله على إذن إقامة سيكون "في مصلحة الولايات المتحدة" (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)

رفضت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 هذا الطلب الذي تقدم به غولن. وللحصول على إذن إقامة في الولايات المتحدة، قدم غولن يوم 4 يونيو/حزيران 2008 إلى المحكمة أدلة من 30 خطاب تزكية، وتقدم بطلب جديد. وكان من بين الذين كتبوا خطابات تزكية من أجل غولن مسؤولين بوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه) وأكاديميون أمريكيون وشخصيات من أشهر المدافعين عن مسألة الحوار بين الأديان. ومن بين أبرز تلك الشخصيات نذكر مدير تحليل الاستخبارات المركزية في جهاز سي آي ايه جورج فيدس، ومسؤول وكالة الاستخبارات الأمريكية وعضو مجلس الاستخبارات في الولايات المتحدة غراهام فولر، والسفير الأمريكي الأسبق في أنقرة مورتون أبرامويتز الذي كان يعرف غولن عن قرب. ودافع محامي غولن خلال المذكرة التي تقدم بها عن أن حصول موكله على إذن الإقامة "سيصب في صالح الولايات المتحدة". وفي نهاية المطاف رفضت محكمة الاستئناف اعتراضات وزارة الأمن الداخلية بتاريخ 16 يوليو/تموز 2008، وفتحت الباب أمام حصول غولن على تأشيرة إقامة دائمة في الولايات المتحدة بحجة أن "لديه الحق في الحصول على تصريح إقامة بصفته عالم سياسة ودين".

نقاش إعادة غولن إلى تركيا

عقب حصول غولن على تصريح الإقامة في الولايات المتحدة، انتقل للعيش في الفيلا الموجودة في ولاية بنسلفانيا. وأما تركيا فقد شهدت إصلاحات في مجال القضاء؛ إذ أضيف بتاريخ 5 مايو/أيار 2006 شرط "ارتكاب جريمة وعملية مسلحة" إلى تعريف التنظيم الإرهابي من خلال تعديل تمّ إدخاله على المادة الأولى "تعريف الإرهاب" من قانون مكافحة الإرهاب رقم 3713. وقد تقدم محامو غولن إلى المحكمة عقب إقرار التعديل المذكور، وادعوا أن موكلهم بريء من التهم المنسوبة إليه.

وجاء في التقرير الذي طلبته محكمة الجنايات الحادية عشر في أنقرة من مديرية الأمن أن فتح الله غولن لم يرتكب أي جريمة تتضمن القوة والعنف. وتوصلت المحكمة إلى أنه لا يوجد جريمة بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، فأًصدرت حكمًا ببراءة غولن، وذلك بعدما اتخذت التقرير الذي أعدته مديرية الأمن كمرجع لها. ولقد صدقت دائرة العقوبات التاسعة بالمحكمة العليا في مارس/آذار 2007 على الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات الحادية عشر في أنقرة. وعقب سقوط الدعوى التي كانت مرفوعة ضد غولن، أجلت نقاشات إعادته إلى تركيا. ولقد رفض غولن العودة إلى تركيا متحججًا بمشاكله الصحية في تلك الفترة. غير أنه لم يقطع علاقته بالكيان الذي أسسه، وتابع إدارة الكيان وتوجيهه من مقر إقامة في بنسلفانيا.

غولن يحاول تنفيذ انقلاب ضد الحكومة

بدأت فعاليات المنتسبين إلى منظمة غولن الإرهابية في التسرب إلى الجهات الأمنية والقضائية والقوات المسلحة والجهاز البيروقراطي في تركيا اعتبارًا من نهاية ثمانينيات القرن الماضي بتشجيع وتعليمات من غولن، كما بدؤوا بامتلاك تأثير كبير على جهازي القضاء والأمن في سنوات الألفية الثالثة. واستطاعوا بفضل القوة التي حصلوا عليها خلال فترة تجاوزت الثلاثين عامًا التحرك دولة موازية داخل الدولة منذ عام 2010، كما بدؤوا تصفية الحسابات مع كل من عارضهم من خلال جهازي القضاء والأمن. ولقد حاول أعضاء منظمة غولن الإرهابية تنفيذ عملية ضد الدولة بعدما حازوا القوة في الجهاز البيروقراطي وسائل أجهزة الدولة الأخرى.

حاولت منظمة غولن الإرهابية اعتقال رئيس جهاز الاستخبارات التركي حاكان فيدان بتاريخ 7 فبراير/شباط 2012، وبهذه الطريقة سعوا لتوجيه ضربة قاصمة للدولة. كما استهدف أعضاء التنظيم الإرهابي الحكومة في الفترة اللاحقة على ذلك التاريخ بعدما فشلوا في الوصول إلى هدفهم بعد التعليمات التي أصدرها رئيس الوزراء آنذاك أردوغان لفيدان كي لا يذهب للإدلاء بأقواله، وكذلك التعديل الذي أدخل على قانون جهاز الاستخبارات. ولقد شرعت منظمة غولن الإرهابية في استهداف الحكومة التركية من خلال عدد من وسائل الإعلام والمؤسسات التي يمتلكونها، وذلك بعدما نزع فتيل النقاش حول مراكز الدروس الخصوصية في عام 2013، وحاولوا بعد هذه الواقعة توجيه ضربة للحكومة من خلال مؤامرة كبيرة؛ إذ استهدفوا الحكومة تحت مسمى "تهم الفساد" بتاريخ 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، وأطلقوا عملية كبيرة بالتعاون مع جهازي الأمن والقضاء.

حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية اتخاذ تدابير مؤثرة لمواجهة المؤامرة التي نفذها المنتمون إلى منظمة غولن الإرهابية تحت مسمى "فضيحة الفساد"، فجرى تعيين نواب عموم جدد مكان نواب العموم المنتمين للمنظمة من الذين كانوا يحققون في الواقعة مثل زكريا أوز وصدر الدين صاريكايا، كما أدخلت تعديلات على بعض المناصب في الجهاز الأمني. وقد استهدفت وسائل الإعلام التابعة لمنظمة غولن الإرهابية الحكومة بالهجوم عقب هذه العملية، كما بدأت بالدفاع عنه نوّاب العموم، والموظفون الأمنيّون المنتمون لمنظمة غولن؛ حيث بدأت المنظمة عملية تضليل واسعة النطاق من خلال وسائل الإعلام، واستهدفت رئيس الوزراء آنذاك أردوغان وحكومته داخل تركيا وخارجها. وعقب كل هذه الأحداث ظهرت إلى السطح من جديد مناقشات حول إعادة غولن إلى تركيا. وفي البداية ظهرت نداءات تطالب غولن بالعودة إلى تركيا.

فطن الجميع إلى الأبعاد التي وصل إليها تهديد منظمة غولن الإرهابية عقب رفض زعيمه غولن نداءات العودة إلى تركيا ومتابعة أعضاء المنظمة ممارسة الأعمال التي تستهدف تركيا. وعقب هذه التطورات، بدأت تركيا مطالبة الولايات المتحدة بإعادة غولن لمواجهة تهديد الدولة الموازية (منظمة غولن الإرهابية) ضد الدولة التركية. وقد تناول أردوغان في اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مسألة إعادة غولن إلى تركيا، وكان ذلك بتاريخ 19 فبراير/شباط 2014.

وقد أعرب أردوغان عن أن بلاده تشعر بالانزعاج جراء إقامة غولن في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وطلب إعادته إلى تركيا. وكانت مسألة إعادة غولن إلى تركيا من بين أهم القضايا قبل وبعد الانتخابات المحلية والرئاسية اللتين أقيمتا في شهري مارس/آذار وأغسطس/آب 2014 على التوالي.

كرر الرئيس أردوغان مطالبته لأوباما بإعادة غولن إلى تركيا خلال قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي استضافتها ويلز في سبتمبر/أيلول 2014؛ إذ طلب من الرئيس الأمريكي إما إعادة غولن أو ترحيله خارج الولايات المتحدة، وأطلعه على ما توصلت إليه السلطات التركية بشأن "الكيان الموازي". وقال أردوغان خلال لقائه نظيره الأمريكي "هذا الكيان يهدد الأمن القومي التركي، وإقامة زعيم هذا الكيان في الولايات المتحدة يزعجنا". ويوم 23 سبتمبر/أيلول زار أردوغان نيويورك، وقال في تصريح أدلى به عقب اجتماعه برئيس مجلس العلاقات الخارجية قال فيه إنه يجب على الولايات المتحدة مراعاة اتفاق إعادة المتهمين، مشددًا على ضرورة إعادة الإدارة الأمريكية لفتح الله غولن إلى تركيا. ولقد أظهر موقف إدارة الرئيس أوباما إزاء طلب الإعادة التي تقدمت به تركيا أن هذا الطلب يعتبر طلبًا قانونيًا. وقد تعرض أوباما للانتقاد في تركيا لفترة طويلة بسبب انتظاره وصمته أمام طلب إعادة غولن.

لقد أثرت الدعاية التي نفذتها المؤسسات والهيئات التابعة لمنظمة غولن الإرهابية داخل تركيا وخارجها ضد تركيا وأردوغان بالسلب على طلب تركيا بإعادة غولن. (نقطة تأكيد)

لقد أدلت الإدارة الأمريكية بتصريحات تنتقد تركيا في قضايا مثل حرية الصحافة واستقلال القضاء، لكنها آثرت الصمت إزاء طلب إعادة غولن وما يتعلق بالكيان الموازي. ولقد حاولت وسائل الإعلام التابعة لمنظمة غولن الإرهابية خلال تلك الفترة تشويه سمعة تركيا في الخارج من خلال عبارات من قبيل "ثمة رغبة في تركيا لتأسيس نظام الرجل الواحد" و"ممارسة ضغوط على الصحافة" و"القضاء فقد استقلاليته". ولقد أثرت الأعمال التي قام بها لوبي منظمة غولن الإرهابية ضد تركيا في الخارج إلى التأثير بالسلب على مطالبات تركيا بإعادة غولن.

أرسلت تركيا في شهر مايو:أيار 2006 إلى الولايات المتحدة ملف اتهام بحق غولن شمل 8 تهم مختلفة. (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)

التقى الرئيس التركي رجب طيب أدرغان نظيره الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة الدول العشرين التي عقدت في مدينة أنطاليا التركية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وقد أبلغ أردوغان الرئيس الأمريكي بالأضرار التي ألحقها غولن بتركيا، مؤكدًا على ضرورة ترحيل غولن من الولايات المتحدة أو إعادته إلى تركيا. كما بدأت تركيا في تلك الفترة إطلاع الإدارة الأمريكية على الملفات التي أعدتها بشأن الجرائم التي ارتكبها منظمة غولن الإرهابية في تركيا. هذا فضلًا عن رفع دعوى ضد غولن في الولايات المتحدة. وبحلول شهر فبراير/شباط 2016 أرسلت وزارة العدل التركية خطابًا إلى الولايات المتحدة بشأن إعادة غولن، فيما شهد شهر مايو/أيار من العام نفسه إعداد ملف اتهام شمل 8 جرائم مختلفة متعلقة بغولن زعيم منظمة غولن الإرهابية. وتضمن الملف الشامل الذي أعدته النيابة العامة في أنقرة بشأن طلب إعادة غولن من الولايات المتحدة تُهم "الغش الاحترافي، التزوير في أوراق رسمية، الافتراء، تبييض قيم ممتلكات ناشئة من جرائم، الاختلاس، التنصت على محادثات جرت بين عدة أشخاص وتسجيلها، انتهاك سرية الحياة الخاصة وتسجيل البيانات الشخصية بشكل يتعارض مع القانون". ولقد طالبت تركيا الولايات المتحدة بإعادة غولن بشكل قانوني، مستندة إلى اتفاقية إعادة المتهمين الموقعة مع واشنطن.

محاولة الانقلاب الفاشلة 15يوليو/تموز: طلب إعادة غولن والولايات المتحدة

أسرعت محاولة الانقلاب الفاشلة التي أقدم عليها منظمة غولن الإرهابية من وتيرة مكافحة الحكومة التركية للتنظيم، وجعلت من مسألة إعادة غولن إلى تركيا أهم قضية تشغل الرأي العام في البلاد. ولقد استطاع الشعب التركي مقاومة محاولة الانقلاب وإفشالها بعدما تسبب أعضاء منظمة غولن الإرهابية في استشهاد 241 مواطنًا، كما قصفوا مراكز مهمة مثل البرلمان، وجهاز الاستخبارات، وقمر توركسات، ومركز غولباشي للعمليات الخاصة، والمجمّع الرئاسي (القصر الرئاسي). وقد طلبت تركيا بلغة صريحة من الولايات المتحدة إعادة غولن زعيم التنظيم عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفت النيل من تركيا والديمقراطية والحكومة ورئيس الجمهورية المنتخب. وقال أردوغان في خطاب ألقاه في إسطنبول إن بلاده تنتظر من الولايات المتحدة أن تقدم على خطوات جادة في هذا السياق.

وأضاف أردوغان في ذلك الخطاب "أوجه ندائي إلى الولايات المتحدة من موقعي هذا، أخاطب سيادة الرئيس الأمريكي، أقول له إنني قلت لك ذلك يا سيادة الرئيس، قلت لك إما أن تُرّحل ذلك الشخص المقيم في ولاية بنسلفانيا على مساحة 400 فدان أو تسلمه إلينا، قلت لك إنهم يحاولون تنفيذ انقلاب ضد دولتنا، لكن لم يسمعني أحد. أقول لكم مرة ثانية اليوم بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، سلموا ذلك الشخص المقيم في بنسلفانيا إلى تركيا".

وأما رئيس الوزراء بن علي يلدريم فقد أفاد في تصريح له بشأن إعادة غولن يوم 16 يوليو/تموز بقوله "لا أستطيع أن أرى أي دولة ستقف خلف ذلك الرجل زعيم هذه العصابة ورأس ذلك التنظيم الإرهابي عقب ما حدث مساء أمس. فأي دولة ستقف خلفه ليست حليفة لتركيا، بل إنها في حالة حرب معها".

نداء أردوغان للشعب في كيسيكلي
التشغيل 00:02:12
نداء أردوغان للشعب في كيسيكلي
يني شفق
كان الرئيس أردوغان ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة قد عبر من مرمريس إلى دالامان أوّلًا، ومن ثمّ توجه إلى مطار أتاتورك في إسطنبول. ثمّ أمضى ليلة حتى الصباح في دار الضيافة داخل المطار ومن ثمّ اتجّه إلى بيته في كيسيكلي. وهناك كان قد خرج لاستقباله الآلاف من الناس، وخاطب أردوغان المحتشدين ملعمًا إياهم أنّ الانقلابيّين لن ينالوا مبتغاهم كما أجاب بشكل إيجابيّ على المطالبين بتطبيق عقوبة الاعدام.

حافظت الإدارة الأمريكية على صمتها في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا، ولم تصدر تصريحًا يتعلق بالأحداث سوى بعد 3 ساعات من اندلاعها، وطلبت "دليلًا" من أجل إعادة غولن إلى تركيا. وقال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري في تصريح له "أتمنى أن يسود السلام والاستقرار في تركيا"، فيما أفاد في اليوم التالي لمحاولة الانقلاب الفاشلة بأن بلاده تنتظر من تركيا أن تقدم "دليلًا مشروعًا" تصل إليه نتيجة التحقيقات، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة "ستقبل هذه الأدلة وستفحصها وتتخذ القرار المناسب بعد ذلك". وتضمنت التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض كذلك الكشف عن موقف مشابه لموقف كيري؛ إذ جاء في تلك التصريحات أن الإدارة الأمريكية تنتظر من تركيا تقديم "أدلة".

أعلن البيت الأبيض يوم 19 يوليو/تموز 2016 أن تركيا طالبت رسميًا بإعادة غولن. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)

اتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنظيره التركي رجب طيب أردوغان يوم 19 يوليو/تموز، أي عقب 3 أيام من محاولة الانقلاب الفاشلة، وقدم إليه – متأخرًا – رسالة مفادها أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب تركيا. وجاء في التصريح الصادر عن البيت الأبيض بشأن الاتصال الهاتفي "تقدمت تركيا بطلب رسمي لإعادة غولن. من جانبنا سنقدم كل أنواع الدعم من أجل التحقيق في محاولة الانقلاب". وأما وزير العدل التركي بكير بوزداغ، الذي أدلى بتصريحات يوم 20 يوليو/تموز، فقال "طلبنا من الولايات المتحدة حتى اليوم إعادة غولن من خلال 4 ملفات مختلفة كما أفاد بذلك رئيس وزرائنا. ولقد أرسلنا هذه الملفات إلكترونيًا إلى الجهات المختصة والمسؤولية في الولايات المتحدة وكذلك وزارة العدل الأمريكية".

وفي اليوم نفسه قال غولن في تصريح أدلى به إنه يطالب الإدارة الأمريكية بعدم إعادته إلى تركيا. وأفاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في تصريح له يوم 25 يوليو/تموز، إن "العلاقات التركية – الأمريكية ستتأثر سلبًا إن لم يعد غولن إلى تركيا". وفي اليوم التالي، أي يوم 26 يوليو/تموز، قال غولن في تصريح جديد بشأن اعتراضه على إعادته إلى تركيا "لقد وقفت أنا ورفاقي داخل حركة الخدمة إلى جانب الغرب خلال الفترة التي احتاجت فيها الديمقراطيات الغربية إلى المسلمين المعتدلين". وفي مقال كتبه وحمل اسمه في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية خاطب غولن الإدارة الأمريكية، وأضاف "يمكن أن نفهم رغبة أردوغان في أن يأخذ ما يريد، لكن ينبغي لأمريكا أن تقاوم هذه الرغبة".

أجرى وفد من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان التركي زيارة إلى الولايات المتحدة يوم 2 أغسطس/آب 2016؛ إذ أطلع الوفد المسؤولين الأمريكيين على الدور الذي لعبته منظمة غولن الإرهابية في تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة، وطالب بإعادة غولن إلى تركيا. وفي اليوم ذاته أرسلت تركيا وثائق وملعومات جديدة إلى الولايات المتحدة طالبت من خلالها باعتقال غولن حتى إتمام إجراءات إعادته إلى تركيا. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستفحص تلك الوثائق، لكنها لم تقدم على أي خطوة في سبيل اعتقال غولن.

وفي تصريح أدلى به يوم 5 أغسطس/آب قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونير إن تركيا تواصل إرسال الوثائق المتعلقة بطلب إعادة فتح الله غولن إلى تركيا، غير أنهم لن يعتبروا الوثائق التي دققوها حتى الآن "طلب إعادة رسمي". وأضاف تونير "تأتينا الوثائق تواليًا، نفحصها كلها، لكننا لم نتوصل إلى قرار بعد". (نقطة تأكيد)

تسبب الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة من محاولة الانقلاب الفاشلة في حالة من النقد الشديد في تركيا، كما قال رئيس الجمهورية أردوغان في تصريحات له حول الموضوع "سيكون على الولايات المتحدة أن تختار عاجلًا أو آجلًا، إما تركيا أو منظمة غولن الإرهابية، إمّا التنظيم الإرهابي الانقلابي أو دولة الديمقراطية تركيا".

لقد أفضى طلب إعادة غولن إلى حدوث توتر كبير في العلاقات التركية – الأمريكية، وقد أكدت واشنطن أن مسألة إعادة غولن هي "مسألة قضائية". وصف غولن محاولة الانقلاب الفاشلة بأنها "مسرحية"، وأدلى بتصريحات تستهدف تركيا والرئيس أردوغان. وفي مقابل ذلك، شددت تركيا على ضرورة إعادة غولن المخطط الأساسي لمحاولة الانقلاب، وذلك بمقتضى اتفاقية إعادة المتهمين الموقعة بين البلدين. وقد أقدمت الولايات المتحدة هذه المرة على خطوة جديدة بعد التحذيرات التي أطلقتها أنقرة، وأعلنت عنها وزير الخارجية كيري، حيث صرّحت واشنطن بعد ذلك أن نائب الرئيس جو بايدن هو الذي سيزور تركيا، كما أنّ مسؤولي وزارة العدل الأمريكية سيزورون تركيا. ولقد وصل مسؤولو وزارة العدل الأمريكية إلى تركيا للتشاور حول مسألة إعادة غولن، والتقوا نظراءهم في وزارة العدل التركية الذين زوّدوا المسؤولين الأمريكيين بمعلومات مفصّلة حول الجرائم التي ارتكبتها منظمة غولن الإرهابية ومحاولة الانقلاب ومسألة إعادة غولن إلى تركيا.

زار نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن تركيا يوم 24 أغسطس/آب 2016 والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم. وأدلى بايدن بتصريح عقب لقائه يلدريم قال فيه إنّ إعادة غولن إلى تركيا هو قرار بيد المحكمة، وأضاف "ليست لدينا أدنى نية لحماية أي شخص بأي شكل، خصوصًا لو كان هذا الشخص يشكل تهديدًا لدولة حليفة لنا". وأما خلال لقائه برئيس البرلمان التركي فقد أدلى بتصريح قال فيه "يا ليت غولن لم يكن يقيم في الولايات المتحدة".

لقد أصبحت مسألة إعادة غولن إلى تركيا واحدة من أهم القضايا على أجندة العلاقات التركية – الأمريكية خلال السبعة عشر عامًا الآخيرة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)

فيما صرح أردوغان خلال لقائه بايدن "أولويتنا هي إعادة غولن إلى تركيا"، فيما أفاد بايدن "ليس لدينا أي سبب لحماية غولن". وقال بايدن خلال اللقاء إن إعادة غولن إلى تركيا هو قرار بيد المحكمة. وعقب هذه اللقاءات، جددت الإدارة الأمريكية دعمها لأنقرة، موضحة أنها ما زالت تفحص الوثائق التي أرسلتها تركيا. ولقد تواصل انتقاد الولايات المتحدة في تركيا بسبب الموقف الذي اتخذته من قضية إعادة غولن.

لقد تناول وزير العدل التركي بكير بوزداغ مسألة إعادة غولن مع المسؤولين الأمريكيين خلال تواجده ضمن الوفد التركي مع الرئيس أردوغان إبان زيارة الولايات المتحدة يوم 20 سبتمبر/أيلول 2016 للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وقد أدلى البيت الأبيض بتصريحات عقب اللقاء الذي جمع أردوغان وبايدن في نيويورك أكد فيه أن واشنطن تقف إلى جانب تركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، كما أشير في التصريحات إلى أن خبراء القانون الأمريكيين مستعدون للتعاون مع نظرائهم الأتراك لحل هذه الأزمة.

اختلاف وجهة النظر بين أنقرة وواشنطن

أدلى وزير العدل التركي بوزداغ بتصريحات حول إعادة غولن قال فيها إنه – أي غولن – هو الذي يقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، مضيفًا "أنا على يقين تام بأنّ الرئيس الأمريكي أوباما يعرف جيدًا أن غولن هو من خطط لمحاولة الانقلاب". وأما في التصريح الذي أدلى به يوم 28 سبتمبر/أيلول قال بوزداغ إن بلاده سترسل طلبًا جديدًا إلى الولايات المتحدة من أجل اعتقال غولن. وتابع "طلبنا قبل ذلك من الإدارة الأمريكية اعتقاله فورًا وإعادته جراء 4 جرائم. يجب على واشنطن اعتقال غولن وفق المادة التاسعة من اتفاق الإعادة الموقع بيننا. هذا فضلًا عن أننا أرسلنا إلى المسؤولين الأمريكيين قرار الاعقتال الذي أصدرته أنقرة بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة. ويظهر القرار أنه يجب اعتقال غولن على الفور؛ إذ يقدم حججًا لذلك بشكل ملموس. ولقد صرح نائب الرئيس الأمريكي في اللقاءات الثنائية التي عقدناها معه إنهم بدؤوا يتلقون أدلة ملموسة حول محاولة الانقلاب. وقالوا إنهم سيرسلون إلينا نتائج تقييماتهم خلال يوم أو يومين".

قال وزير العدل التركي بوزداغ، في تصريحات أدلى بها لقناة تلفزيونية خاصة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، إن بلاده طالبت باعتقال غولن بشكل مؤقت استنادًا إلى المادة العاشرة من اتفاقية إعادة المتهمين الموقعة بين تركيا والولايات المتحدة. وأضاف بوزداغ، الذي التقى نظيره الأمريكي، إن موقف واشنطن إزاء إعادة غولن بدأ يتغير، مشيرًا إلى أنه في حالة إعادة الولايات المتحدة لغولن فإن تركيا سترد بالمثل على طلبات الإعادة التي تتلقاها من واشنطن. ولقد أثرت بشكل مباشر الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني على النقاشات الدائرة خلال تلك الفترة بشأن إعادة غولن إلى تركيا.

حاول الرئيس الأمريكي أوباما تأجيل النقاش حول إعادة غولن، فيما فسر البعض ذلك بأنه يريد ترك هذا الملف للإدارة الجديدة التي ستأتي بعده، وهو ما أكسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية حساسية كذلك بالنسبة لأنقرة. وظل الجميع ينتظر في غموض تام حتى موعد الانتخابات الأمريكية، وانتهى هذا الانتظار بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات. ولقد صار ما تنتظره تركيا عقب انتخاب ترامب هو أن يظهر الرئيس الأمريكي الجديد إرادة عازمة على إعادة غولن إلى تركيا عقب تسلمه السلطة.

كان مايكل فلين، الذي اختاره ترامب ليكون مستشار الأمن القومي في الحكومة الجديدة، قد أفاد في مقال نشره موقع The Hill الإلكتروني في اليوم الأخير للحملة الانتخابية بقوله "تركيا ترى أن واشنطن تستضيف بن لادن على أراضيها، ولهذا لا يجب أن تكون أراضينا ميناء آمنًا لغولن". وبهذا الطريقة فقد أعطى فلين إشارة قوية على رغبة واشنطن في إعادة غولن.

قال مايكل فلين مستشار الأمن القومي في حكومة ترامب "لا يجب أن تكون أراضينا ميناء آمنًا لغولن". (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)

وأما ترامب فقد قال في تصريح أدلى به لصحيفة نيويورك تايمز إنه يقدر الرئيس أردوغان لتغلبه على محاولة الانقلاب، مشيرًا إلى رغبته في تأسيس علاقات قوية مع تركيا، وموضحًا أنه تأثر عندما رأى موقف الشعب التركي الذي نزل إلى الميادين لمقاومة محاولة الانقلاب. وأما رئيس الوزراء التركي يلدريم فقد صرح بقوله "أناشد من موقعي هذا الرئيس الأمريكي الجديد لإعادة غولن الذي يعيشه على الأراضي الأمريكية فورًا". وفي الوقت الذي تتابعت فيه المحاولات اللازمة لإعادة غولن، ينتظر الجميع الخطوة التي سيقدم عليها ترامب في سبيل إعادة غولن بعدما تسلم السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني.

وفي هذا الإطار قدمت تركيا ملفات جديدة إلى الولايات المتحدة من أجل إعادة غولن عقب تسلم ترامب السلطة. وتضمن أحد الملفات تفاصيل عن رحلة عادل أوكسوز إلى الولايات المتحدة وتاريخ الذهاب والعودة وحتى رقم المقعد وترتيبه في الصف. كما جاء في الملف عبارتا الشاهدين السريين "شابكا" و"كوزجون" بشأن أن "غولن هو من خطط للانقلاب" التي وردت في لائحة الاتهام التي أعدتها النيابة العامة في إزمير حول منظمة غولن الإرهابية. كما ترجمت العبارات الحاسمة التي تفيد بأن محاولة الانقلاب جرى الإعداد لها والموافقة عليها بتعليمات من غولن شخصيًا، وأرسلت إلى وزارة العدل الأمريكية كأدلة إضافية. وقال الشاهد السري الذي يحمل اسم "كوزجون" في أقواله التي أدلى بها في لائحة الاتهام إن عادل أوكسوز أوضح صراحة أنه سينقل مخططات الانقلاب إلى غولن ليحصل على موافقته، وأن تلك المخططات جرى تنفيذها بعد أن عرضها أوكسوز على غولن وأخذ موافقته يوم 12 يوليو/تموز 2016 بمقر إقامته في الولايات المتحدة.

صرح الرئيس أردوغان يوم 27 يناير/كانون الثاني بأنه سيتناول مسألة إعادة غولن في اللقاء الثنائي الذي سيجمعه بنظيره الأمريكي ترامب. وأضاف "بالتأكيد سنطرح هذا الموضوع في لقائنا؛ إذ لا شك في أن هذه المسألة تعتبر من أهم المسائل التي سنطرحها للنقاش خلال اللقاء. ونأمل أن نصل إلى نتيجة في أقرب وقت ممكن. سنسألهم عن نتيجة فحص الملفات التي أرسلناها والتي ملأت 85 طردًا. كما سنواصل إرسال الملفات التي يجري التحقيق بها في الوقت الحالي".

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطورات التي حدثت سنجد أن مسألة طلب إعادة غولن تحولت إلى مشكلة كبيرة في العلاقات الأمريكية-التركية. فتغير الموقف الأمريكي في عهد ترامب مقارنة بعهد أوباما بعث الأمل في نفوس الأتراك، فيما فسر البعض تصريحات ترامب وفريقه بشأن إعادة غولن على أنه علامة على احتمال تغير الموقف الأمريكي بشأن هذه القضية. وفي الوقت الذي تواصلت فيه النقاشات حول إعادة غولن، يبدو أن اتفاقية "إعادة المتهمين" الموقعة بين البلدين هي أكبر عامل أدى إلى التهاب هذه النقاشات.

البعد القانوني لإعادة غولن: الاتفاقية الثنائية

يعتبر أهم وثيقة تستند إليها تركيا فيما يتعلق بمطالبتها بإعادة غولن هي الاتفاقية التي وقعتها مع الولايات المتحدة عام 1979 وحملت اسم "اتفاقية إعادة المتهمين والتعاون المشترك في شؤون العقوبات بين جمهورية تركيا والولايات المتحدة الأمريكية". دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ اعتبارًا من تاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1980، وطبقها الطرفان لإعادة العديد من المتهمين حتى يومنا هذا. تتألف الاتفاقية من 44 مادة، وتتناول جميع التفاصيل الخاصة بكيفية إتمام عملية الإعادة والقواعد اللازمة لطلب الإعادة.

وبحسب المادة الثانية من الاتفاقية، فإن الدولة المطالبة بإعادة الشخص ملزمة بإعادته إذا كان الجرم الذي ارتكبه يعد جرمًا كذلك في قوانين الدولة الأخرى". (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)

وإذا ما كان طلب الإعادة يتناسب مع الإطار الوارد في الاتفاقية، فإنه يكفي اتفاقية الإعادة تقديم أدلة بشأن الجرائم المنسوبة إلى الشخص أو وجود شبهة معقولة، على أن يكون وجود الشبهة المعقولة منعكسًا على قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتتضمن المادة الثانية من الاتفاقية الجرائم التي يمكن أن تكون سببًا لإعادة الشخص، كما تنص على "العقوبات التي تستلزم الاعتقال لمدة عام" وكذلك الجرائم التي تستلزم الاعتقال وفق القوانين التركية والأمريكية والإقدام على ارتكاب أي جريمة تستلزم الإعادة إلى الدولة الأخرى أو الاشتراك في جريمة كهذه كفاعل أصلي أو مشترك أو ثانوي، وذلك كما جاء في البند أ من الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الاتفاقية. وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على إعادة المتهم إلى الطرف المطالب بإعادته في حالة "أ- إذا كانت قوانين تلك الدولة تنص على معاقبة مرتكب جريمة كهذه مرتكبة في ظروف مماثلة أو ب- أن تكون الجريمة مرتكبة من قبل شخص يحمل جنسية الطرف المطالب بالإعادة وكان الطرف المذكور يتمتع بصلاحية محاكمة هذا الشخص بمقتضى قوانينه".

تنص الاتفاقية على إمكانية رفض طلب الإعادة إذا كان يحمل طابعًا سياسيًا. ويتضمن الجزء الخاص برفض طلب الإعادة الوارد في المادة 3 من الاتفاقية أن يكون الشخص المتهم "يلاحق أو يعاقب بسبب توجهاته السياسية". غير أن الاتفاقية تشمل مادة جاء فيها "ومع ذلك، لن يطلق وصف التهمة السياسية على أي جريمة يرتكبها أو يحاول ارتكبها شخص ما ضد رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو أي فرد من أفراد عائلاتهما"، وتؤكد أن طلب الإعادة لن يرفض في هذه الحالة. وتشكل هذه المادة الواردة في البند أ من الفقرة الأولى للمادة الثالثة أهم ركيزة تستند إليها تركيا في طلب إعادة غولن.

هذا فضلًا عن أن العسكريين الانقلابيين المنتسبين إلى منظمة غولن الإرهابية حاولوا تنفيذ هجوم على الفندق الذي كان يقيم به الرئيس أردوغان ليلة 15 يوليو/تموز لاغتياله. غير أن أردوغان استطاع هو وأسرته النجاة من هذه المحاولة بعدما غادر الفندق قبل مدة قصيرة من وصول الفريق المكلف باغتياله إلى الفندق. وقد اعترف سونمز آتش، قائد فريق اغتيال أردوغان، في أقواله التي أدلى بها إلى النيابة بأنه ينتمي إلى منظمة غولن الإرهابية، هذا فضلًا عن أن محاولة الاغتيال كانت موجهة لرئيس الجمهورية في تركيا، ما يدعم طلب تركيا بإعادة غولن. كما يمكن القول إن المادة الثالثة من اتفاقية إعادة المتهمين تمثل واحدًا من أهم الأدلة التي تستند إليها أنقرة في طلب إعادة غولن.

يعتقل من ارتكب جريمة حتى تصل الجهات المسؤولة في الدولة المطلوب بها إلى قرار. (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)

أرسلت تركيا ملفات في 85 طردًا إلى الولايات المتحدة من أجل إعادة غولن. وكان طلبها الآخر المهم من واشنطن هو اعتقال غولن حتى تتم عملية إعادته. وتتضمن المادة التاسعة من الاتفاقية الموقعة بين البلدين تفاصيل حول هذه الحالة. وتنص تلك المادة على التالي "يلتزم طرفا الاتفاقية باتخاذ جميعا التدابير اللازمة بما في ذلك البحث عن الشخص المطلوب عقب الحصول على البيانات والوثائق الخاصة بطلب إعادته. وعند العثور على الشخص المطلوب، يلزم اعتقاله حتى تصل الجهات المسؤولة لدى الطرف المطلوب إلى قرار. على أن يستمر اعتقاله حتى موعد تسليمه، وذلك في حالة قبول طلب إعادته". وقال وزير العدل التركي بوزداغ في تصريح له يوم 28 سبتمبر/أيلول إن بلاده ستطلب من الولايات المتحدة اعتقال غولن. وتتحمل واشنطن مسؤولية اعتقال غولن وفق الاتفاقية بناء على طلب تركيا.

كما تنص المادة العاشرة من الاتفاقية على ضرورة اعتقال المتهم من جانب سلطات الدولة التي يعثر عليه بها، وذلك في الحالات العاجلة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)

هذا فضلًا عن أن المادة العاشرة تتضمن أيضًا قرار "اعتقال المتهم في الحالات العاجلة". ويرد بالاتفاقية ما يلي "في الحالات العاجلة، يمكن لكل طرف من طرفي الاتفاقية طلب اعتقال الشخص المطلوب مؤقتًا أو إبقائه تحت الاعتقال قبل إيصال طلب الإعادة إلى الطرف المطلوب منه ذلك بالطرق الدبلوماسية. وأما طلب الاعتقال المؤقت أو الإبقاء تحت الاعتقال فيجري إيصاله من خلال الطرق الدبلوماسية أو بشكل مباشر بين وزارة العدل التركية ووزارة العدل الأمريكية".

نقاش محوري حول السياسة والقضاء

تتناول الاتفاقية المكونة من 44 مادة مسألة إعادة المتهمين بين الدولتين، كما تشير إلى أن الوتيرة اللازمة لإنجاز مسألة الإعادة ستجري من خلال المباحثات بين وزارتي الخارجية في كلا البلدين. وأما طلب الاعتقال العاجل فيجري بشكل مباشر بواسطة وزارتي العدل في كلتا الدولتين.

بالرغم من أن الولايات المتحدة تنظر إلى مسألة إعادة غولن على أنها "مسألة قضائية"، إلا إن المسألة ليست موضوعًا قضائيًا بحتًا، بل إنها – في الوقت نفسه – مسألة سياسة خارجية. (نقطة تأكيد)

تحاول الإدارة الأمريكية تقديم مسألة إعادة غولن كأنها "مسألة قضائية" وتسعى لإيصال رسالة مفادها أنها ستتصرف بناء على حكم القضاء، إلا أن إعادة المطلوبين على المستوى الدولي وبين البلدين ينظر إليها على أنها أيضًا جزء من مسائل السياسة الخارجية. فعلى سبيل المثال فقد ثمنت السلطات اليونانية طلب اللجوء الذي تقدمت به مجموعة من العسكريين المنتمين إلى منظمة غولن الإرهابية بعد هروبهم إلى اليونان، ثم خضع الطلب لوتيرة قضائية. غير أن الحكومة اليونانية صرحت بأنها ستعيد المتهمين إلى تركيا في إطار اتفاقية الإعادة الموقعة مع تركيا، وذلك بينما كانت السلطات اليونانية تدرس طلب اللجوء الذي تقدم به 8 عسكريون ينتمون إلى منظمة غولن الإرهابية شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة. بيد أن الإدارة الأمريكية تعرض المسألة وكأنها مسألة قضائية بحتة، وتحاول إخراج الإدارة خارج نطاق عملية الإعادة. وبكل تأكيد فإن طلبات الإعادة بين الدول يمكن أن تختلف في ملابساتها في إطار الإجراءات القضائية والسياسات الداخلية للدولة، غير أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار المواد الثانية والثالثة والتاسعة والعاشرة من الاتفاقية الموقعة بين تركيا والولايات المتحدة لإعادة المطلوبين والاتفاقية ككل، نرى أن الوثائق التي قدمتها تركيا لفضح منظمة غولن الإرهابية تلزم إعادة غولن نتيجة سواء المحاكمة الداخلية في الولايات المتحدة أو تطورات الأحداث خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.