|
المنعطف الجديد للثورات العربية.. التجديد هو المطلب
تروج لنا القوى السياسية مدعومة بالصحف والمقالات والإعلام المرئي حتمية تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا وفي كل دول الربيع العربي، معتبرة أن الحل السياسي الذي تفرضه الأجندة الأمريكية في بقاء الأسد ونظامه رغم ما ارتكبه من جرائم بحق نصف مليون شهيد وأعداد ما تزال مجهولة من المفقودين والمعتقلين هو الضامن لإنقاذ الشعب السوري، وهو ما يتم بالنسبة للدول الأخرى.


وتلمح في حروف المنتفعين والمبررين لعلاقاتهم المشبوهة مع النظام وإيران والولايات المتحدة السعادة وهم ينعون الثورة السورية ظلما، ويطلقون الأحكام بعيدا عن الشعب والمعارضة المسلحة على الأرض، في حين يثبت الواقع أن ثورة  شعب مسلحة استطاعت الصمود لسبع سنوات في وجه أعتى الجيوش والقوى العالمية متحدة هي ثورة قوية، بل في وقت من قوتها لا يمكن التغافل عنه في ظل تراجع ملحوظ في الثورات المضادة شعبيا على الأقل، وإنما يتعجل ترامب وحلفاءه في القضاء عليها بطريقة جديدة بعد أن أثبتت صمودها أمام الألة العسكرية والقتل والتآمر والتغافل العالمي عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب بهدف إنهاك الحاضنة الشعبية وإضعافها وتسهيل تقبلها للحل السياسي الإنهزامي، في حين لا تكاد تجد سببا منطقيا لقبول  للثوار على الأرض بعد كل تلك الدماء والتهجير والدمار بالتعايش مع النظام، فضلا عن التقسيم والاحتلال المتمثل في القوى الداعمة للنظام روسيا وإيران وميليشيات حزب الله، والولايات المتحدة الأمريكية عبر قواتها ووكلائها من الأحزاب اليسارية الكردية.


يجري السيناريو ذاته في كل دول الربيع العربي في وقت واحد اليمن، وليبيا، والعراق، وحتى فلسطين كما جاء في قمة الرياض تماما من إحلال السلام في تلك الدول ومساعدة دول الخليج للولايات المتحدة والقوى العالمية في محاربة الإرهاب من خلال قوة قوامها 34 ألف جندي، والمستهدف الحقيقي هو المقاومة المشروعة للاحتلال بكافة أشكاله وجنسياته إضافة إلى الإسلام السياسي الذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية المنافس الأبرز لها في السيطرة على المنطقة والعالم لما يملكه من شعبية ومرونة وطاقات تعرفها الدول التي تحاربه أكثر من أهله ورعاته الحقيقيين.


 بدأ تنفيذ الأجندة بسرعة مذهلة بعد القمة من خلال محاصرة قطر بتهمة تمويل الإرهاب و إجبارها على توقيع معاهدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تضمن حسن الرقابة عليها إضافة إلى فتح ملفاتها أمام ألمانيا لتحجيم موقفها وإعاقة دورها في دعم تطلعات الشعوب، ومن هنا نستطيع أن نقدر أن سبب الحصار قد زال وأنه قد تم ضمان حياد قطر عن دعم الثورات ومجابهتها لأنظمة الثورات المضادة وأنه سيتم التفرغ بعدها لتركيا لإبعادها عن الربيع العربي الذي ساندت فيه رغبات الشعوب ووجدت فيه نفسها بين شركائها الحقيقيين دون سعي منها عندما توافد السوريين نحوها طالبين الأمان فكانت الخشية من التقاء الربيعين معا.


لو نظرنا إلى الاستراتيجية التي اتبعتها الدول الغربية في الانقلاب على ثورات الربيع العربي التي تهدد مصالحها في البلاد العربية وتنذر بقوة إسلامية ووحدة قادمة فكان ذلك عبر الثورات المضادة والمتعاونين معها من المنتفعين والعملاء، لوجدناها تعيد تاريخا مضى عليه مئة عام عندما قامت بريطانيا بمساعدة الاتحاديين في تركيا بالانقلاب على السلطان العثماني وهم أنفسهم من أخرج الشريف حسين من الإقامة الجبرية ليصبح شريف مكة ومن ثم التعاون معه للإجهاز على تلك الدولة التي تمثل الحاجز الأهم أمام أطماع الغرب ورغبته بالسيطرة على البلاد العربية وثرواتها.


تم بعدها مباشرة احتلال الوطن العربي وتقسيمه إلى دويلات عاجزة حسب اتفاقية سايكس بيكو، وتنفيذ وعد بلفور لليهود والذي لم يكن ليتحقق في ظل وجود الدولة الإسلامية الموحدة، وحرصت الدول المستعمرة عند خروجها على ترك حكومات تابعة لها لا تمنع عنها مكتسبات الاحتلال بينما تكفيها كلفته المادية والبشرية، وتقمع الشعوب، وتقوم بتجهيلها وإشغالها عن واقعها، والأهم في هذا كله أن تبعدها عن وحدة مرجوة مع بعضها أو مع تركيا من خلال تكريس المفاهيم القومية والتي استبدلت بالعلمانية تارة والليبرالية تارة أخرى بعد ثبوت فشلها.


ذات السيناريو يتحقق اليوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي حلت محل بريطانيا بعد أن نال منها الضعف خلال الحرب العالمية الأولى وحسب مبدأ "أيزنهاور".


نفذت كل المراحل التي سبق تنفيذها قبل مئة عام اتفاقيات الحماية، والثورات المضادة، والانقلاب الفاشل في تركيا، وأخيرا حصار قطر والذي كان له مثيل أيضا في زمن مضى مع القبائل العربية التي كانت موالية للعثمانيين.


الذي يجب علينا أن نفهمه كسوريين أن الثورة السورية والتي هي ثورة شعب مهما حاول المنتفعون أن يشوهوا صورتها، أنها مجرد مرحلة علينا فيها تغيير الأدوات و التحالفات وفق ما يظهر لنا من أمور مستجدة، وما ينكشف لنا من أقنعة جديدة أيضا، فالشعب بعد كل هذه السنوات من الصمود وعى أمورا كثيرة كانت غائبة عنه يغطيها حسن الظن، عرف مثلا سر التخاذل الغربي والعربي عن نصرته كونها حكومات تكبلها مصالحها التي ترى في الثورات العربية تهديدا، وعرف من تدخل لدعمه حقا ومن فعلها لإعاقة ثورته وحرف مسارها، وظهر وجه إيران والشيعة العرب الموالين لها في العراق ولبنان وسوريا، وكشف قناع الممانعة الكاذبة فكيف لمن يقتل السوريين والعراقيين وينكل بهم أن يحرر فلسطين ولماذا، وهل للدماء الفلسطينية رائحة مختلفة عن بقية دماء الأمة المهدرة.


 وعرف أخيرا أنه لم يعد يواجه نظاما عميلا وحسب بل احتلالا متعددا، وعليه أن يتأقلم مع الوضع الجديد، ويحسن توجيه دفته.


ولعل في الماضي أيضا أمثلة علينا أن نستنسخها نحن السوريين لتحقيق مصالحنا، كما فعلت الولايات المتحدة وعملاءها تحقيقا لمصالحهم، ولنتذكر العريضة التي أرسلها العرب في بلاد الشام إلى السلطان سليم يشتكون فيها من ظلم المماليك وتعطيلهم للشريعة، ويدعونه فيها لتخليصهم من أذى المماليك المتحالفين مع الصفويين عندما اشتد عليهم، واعدين إياه  بالخروج إلى عنتاب لملاقاته والترحيب به إن قبل بالزحف، وما تزال هذه العريضة التي كتبها فقهاء المذاهب الأربعة في حلب وقتها محفوظة في متحف توب كابي في إسطنبول، شاهدة على أن الوحدة الأبدية التي بنتها رابطة الدين والعقيدة لا يمكن أن تمحى وأنها سر قوة هذه الأمة التي يعرفها أعداءها جيدا، فالوحدة مطلب، وطلب المساعدة مشروع، وإنما هي ثورة شعب علينا أن نصحح لها أولا المسار، وأن نثق بأنها لن تفنى.


#​الجديد للثورات العربية​
#المسار
#الولايات المتحدة الأمريكية
٪d سنوات قبل
المنعطف الجديد للثورات العربية.. التجديد هو المطلب
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن