|
نحن لا نبكي على الشهداء..
وقفت إسطنبول ظهر السبت 23سبتمبر تودع بصلاة الجموع جثماني شهيدتين من سوريا قضتا اغتيالا، وصلاة غائب أخرى ودعت بها شهيد مصر المرشد السابق للإخوان المسلمين الأستاذ "مهدي عاكف" الذي وافته المنية في معتقلات الظلام.


سبقت الصلاة تكبيرات الشباب تعلي من شأن الشهداء والشهادة، ومن قدم روحه رخيصة في سبيل نصرة المظلومين من أبناء أمته، وتلتها كلمات لأقارب الشهداء تعلن الثبات على الدرب.


 وليت من قتل واغتال يرى جموع شبابنا - العرب والترك - في موكبهم المهيب، وهم يهتفون بصوت واحد هادر أن طريقنا الشهادة والجنة.


رغم كثرة ما يعرفه أعداءنا عنا ونجهله عن أنفسنا، والذي تشير إليه بوضوح انتصاراتهم علينا، وإفشالهم حتى اليوم لأغلب حركات التحرر والثورات التي قام بها مسلمون، إلا أن قصة الشهادة تأبى أن تدركها عقولهم التي لا تفكر إلا في الماديات والمصالح المحسوسة ولا غرابة.


يستطيع أن يتخيل أي مسلم مهما بلغت به البساطة كيف يشعر من مات شهيدا، أو حتى من نال حسن الخاتمة، ويستطيع بسهولة أن يدرك أن هؤلاء لن يتمنوا لحظة العودة إلى الدنيا بعد أن رأت أعينهم شيئا مما أعد لهم، ندرك هذا بفطرتنا أيضا، وبالتأكيد يعرف عنا هذا أعداءنا، لكنهم لا يتخيلونه، وربما لا يصدقونه نظرا لأن إيمانهم قاصر على المحسوس والمادي، وأسمى غاياتهم المصالح الدنيوية مهما ادعوا غير هذا، ولعله من حسن حظ من نال الشهادة وحسب.


الذي نتعجب منه، أنه وبعد كل هذه المواكب من الشهداء ما زالوا يعيدوا الكرة، ويرفدون الأمة بكواكب و مواكب جديدة تشعل سماءها من جديد، وهم يرون بأعينهم أن من ظنوا أنهم تخلصوا من القلق الذي يسببه وجودهم على هذا الكوكب قد نالوا بشهادتهم الخلود الدنيوي أولا، وأنهم أصبحوا بعد استشهادهم رموزا ومنارات لأجيال كثيرة قادمة، وأنهم منحوا وسام الصدق والبطولة، وسلط بعدها الضوء بقوة على سيرتهم، وأفكارهم، وأقوالهم لتعم وتنشر، فكأنما سقوها البركة بدمائهم الذكية، فأورقت ونبتت متجذرة بقوة لا تقهر لتدلل على صدقهم، وتكون للشباب والرفاق مثالا واقعيا يحتذى ويسهل اتباعه.


فمن يتخيل أن بقاء الشهيد "عمر المختار" حيا حتى توافيه منية عادية كان أفضل لثورة بلاده على المحتل، وحتى لخلوده عبر التاريخ بعد نيله للشهادة وثباته، وكذلك بقاءه إلى اليوم منارة وعلما لنا، ولأجيال ما تزال في أرحام أمهاتها.


وهل يظن مسلم أن الشهادة التي نالها "عدنان مندريس" هي شيء أخر غير مكافأة إلهية له سببها شجاعته وصدقه وحسن صنيعه، وأنه ربما قد يكون تمنى بعدها لو بقي على هذه الأرض مهما طابت بها الحياة.


وهل كانت لأفكار "سيد قطب" أن تخلد لولا أن ختم عليها بشهادة، بعد ثبات وإباء واستكبار على الدنيا، وهل كان سيجد لأفكاره أصلا انتشارا أكبر لو حتى خلد في هذه الدنيا.


وتراه ينفي أحدنا أن تكون شهادة المرشد السابق للإخوان السيد "مهدي عاكف" إلا ختما يصادق على صدق مسيرته التي قضاها جهادا وتنقلا بين السجون والمنابر، وهل من شك في أنها ستفجر عاجلا أم أجلا ثورات ظنوا أنهم أحسنوا دفنها.


وكذلك مسيرة الدكتورة "عروبة بركات"، وابنتها، وكل شهداء الثورات القريبة والبعيدة.


عمر ابن الخطاب، عثمان بن عفان، مصعب ابن عمير، وغيرهم من أهل هذا الموكب المشرف، ومن جعلوا من دمائهم زيتا يضئ سراج سيرهم ويذكيها، فهنيئا لهم ولنا بهم.


لا تكاد تغيب عن بالي صورة فاروق الأمة "عمر بن الخطاب" رضي الله تعالى عنه، يفق عند الجمرات في أخر حجة له ويدعو الله تعالى قائلا:
" اللهم ضاعت رعيتي، ورق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد
رسولك".

وأرى تعجب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من دعوته المشروطة، وسؤالهم :


-       كيف تسأل الشهادة في المدينة .. ومن يسأل الشهادة يخرج إلى الثغور والقتال والأعداء.؟!


فقال رضي الله عنه واثقا:


-       هكذا سألت وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت.


فأصدقه الله تعالى وهو أهل، ونالته طعنات أبو لؤلؤة المجوسي الثلاثة الغادرة، في صلاة الفجر، وفي أطهر بقعة على وجه الأرض.


وعندما علم رضي الله عنه أن الطعنة كانت نافذة وأنه ملاق ربه لا محالة، وحمد الله أنه نال الشهادة بيد غير مسلمة فقال:


-       "الحمد لله الذي جعل نهايتي على يد رجل لم يسجد لله سجدة واحدة".


ثم بكى خوفا من أن يكون قصر في أداء الأمانة فقال:


-       "يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة".


هذا هو الهم الحقيقي، أن تخرج نقيا لم تؤذ، لم تأخذ حقا لأحد، ولم تتنازل وتذل نفسك لمال عدو للمسلمين.


نؤمن كمسلمين أن العمر لن يزيده الحرص لحظة.


 وأن القدر لن يمنعه تخاذل وصمت.


 وأن الغاية الأسمى لكل مؤمن هي الشهادة.


ونعترف أننا نبكي شوقا، ومن وجع الحنين إلى الغائبين، لكننا نبقى سعداء لأجل ما نالوه، فرحين بما تكللت به جهودهم ومساعيهم وصدق جهادهم، راجين ومتمنين أن يكون لنا مكانا أشبه بمكانهم، أو أن نحظى منهم بشفاعة كأضعف الإيمان ما دمنا بقينا على طريقهم سائرين.


 نحن نبكي شوقا وحسب لا حزنا عليهم، بل حزنا علينا أننا بقينا من دونهم.

#الشهداء
#العرب
#الترك
7 yıl önce
نحن لا نبكي على الشهداء..
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان