|
ما الذي تحكيه أزمة التأشيرات
لم تكن أزمة التأشيرات التي افتعلتها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في تركيا ردا على اعتقال أحد موظفيها من قبل السلطات التركية بعد ثبوت أدلة تؤكد علاقته بمحاولة الانقلاب واتهامات أخرى بالأمر المدهش لمن خسر ذراعا هامة من أذرعه، فالولايات المتحدة ومنذ فشل الانقلاب الذي تؤوي رجالاته وترفض تسليمهم للحكومة التركية قد أوضحت الكثير من نواياها  نحو هذا البلد عبر رفضها لتسليمهم بداية،  وتسليحها لمليشيات الـ "ب ي د" السورية الساعية للانفصال لمحاصرة الجنوب التركي، والوصول بالمليشيات إلى البحر المتوسط لضمان طريق النفط والسلاح، استنزافا لبلد بدأ يعي قدراته ومقدراته، ويقف في وجه سياساتها التوسعية في المنطقة.


يذكر المفكر الفرنسي المسلم "روجيه غارودي" في كتابه " أميركا طليعة الانحطاط" والذي صدرت طبعته الأولى في عام 1999 ما قاله غراي في مجلة الأسطول في أيار ١٩٩٠ والذي يحكي سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تماما:


"يجب ضمان وصولنا إلى الأسواق الاقتصادية في العالم كله، دون عقبات ، وكذلك إلى المصادر الضرورية لتأمين احتياجاتنا الصناعية لذلك يتوجب علينـا إيجـاد قـدرة موثوقة للتدخل المسلح مع قوى غزو فعلية قادرة على تنفيذ طيف واسع من المهمـات، بدءاً من الرد على العصيان في الحرب النفسية، مرورا بنشر قوات من كافة الأصناف، وعلينا أن نحترس أيضاً من التطور التكنولوجي السريع للسلاح الذي يمكن أن تصل إليـه القوى الاقليمية الجديدة في العالم الثالث، إذن، علينا أن نطور قدرات عسكرية موجهـة مستثمرين تطبيقات الالكترونيات وعلم المورثات والبيولوجيا الحيوية، تريد أمتنا أن تؤكـد مصداقيتها خلال القرن المقبل ".

لم تتغير استراتيجية الولايات المتحدة منذ خروجها من عزلتها خلال الحرب العالمية الأولى والثانية والتي جعلتها القوة الاقتصادية الكبرى في العالم، مرورا بانتهاء الحرب الباردة والخلاص من الثنائية القطبية للعالم والتي منحتها المكانة الأولى سياسيا وعسكريا، وبداية النظام العالمي الجديد الساعي للسيطرة على المقدرات والشعوب والذي لا بد له من أدوات كان أهمها إيجاد عدو يجعل من محاربته أمرا إيجابيا، ويلمع صورة الولايات المتحدة، أو لنقل يخفي صورتها الحقيقية عن بقية الشعوب.


 تم تحديده بداية في العراق، وبعد تمام تدميره والسيطرة على موارده وثرواته وضمان تفككه وعدم نهوضه لأزمان بعيدة، وإثر انكشاف الخدعة التي استدعت الاعتذار بعد 13 عاما في أن تلك الحرب قامت إثر تقارير مزيفة، ودون محاسبة للمسؤولين طبعا في بلد يقدم نفسه للعالم كأقوى الدول استخباراتيا، بدأ البحث عن عدو أخر أكثر غموضا وقدرة على التخفي وضياع الأثر ليكون قربانا للتدخل والقصف والتدمير والاستيلاء على الثروات من جديد، فكان الإرهاب الإسلامي متمثلا في المتطرفين الإسلاميين، والدول التي تدعمهم، وهي تهمة لا قالب لها، ولا يطالب مدعيها بوثائق وأدلة، وتمكن الولايات المتحدة من تحقيق ما تسعى نحوه ولوقت طويل.


إن صناعة التطرف الإسلامي أمر يعرف المتابع لظهوره أنه بدأ منذ السبعينيات لضمان السيطرة على الشعوب المسلمة من قبل الحكومات، ولاستخدامه كأداة بديلة عن الولايات المتحدة كما حدث في أفغانستان وغيرها، وسوريا من بعد، فأغلب العناصر الجهادية التي وجدت في الساحة السورية كانت موجودة في المعتقلات العربية والغربية وتم إطلاقها لضمان اكتمال اللعبة التي استهوت الولايات المتحدة كون المنطقة التي تستهدفها تصلح لأن تكون مسرحا لحروب لا نعرف ما هي حساباتها لها ومكتسباتها المفترضة الجديدة تحديدا، لكنها على أقل تقدير تضمن الخلاص من منافسين أهمهم تركيا عبر استنزافهم، وضمان السيطرة التامة على الشعوب التي بدأت تخرج عن السيطرة مطالبة وواعية بحقوقها، وضمان عدم وجود حكومات قوية مستقرة وحرة في المنطقة الأغنى في العالم.


إن التحضير لوجود دولة كردية تستنزف الدول المجاورة جميعا أمر تنبه له وأشار إليه الكثير من المفكرين منهم رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان عندما قال قولته الشهيرة إنه: "إن سقطت سوريا والعراق فاعلموا أن المقصود تركيا".


وهو ما يحصل اليوم خلال الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا والتمهيد للانفصال، وما تقوم به الولايات المتحدة عبر جواسيسها وعملائها للسيطرة على البلاد وإخضاعها، وما قامت به من قبل عبر دعم الكيان الموازي والتحضير للانقلاب الذي أفشله الشعب بما يصفه البعض بالربيع التركي.


وهي اللعبة التي مارستها الولايات المتحدة في حربها على الاتحاد السوفياتي وكانت سببا في انهياره عندما وصلت بعملائها إلى مناصب حساسة، إضافة لتلك الحروب التي اشتعلت في البلدان التي كانت تمثل الاتحاد السوفياتي من قبل ودعمتها لتطالب باستقلالها، وغذت النزعات الانفصالية.


في الصين كذلك والتي برزت كقوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة تم التدخل الأمريكي فيها بطريقتين:


-       عبر الدعم العسكري والمادي لتايوان ذات النزعة الانفصالية، والذي لم تخفف وتيرته تفاهمات تخفيف التوتر بين البلدين.


-       وتدخلها لأجل قضايا حقوق الإنسان وانتهاكات الحكومة الصينية متناسية الملايين من الضحايا من الهنود الحمر، والعبيد الأفارقة، والفيتناميين، وأطفال العراقيين الذين قضوا تحت الحصار الأمريكي، والسوريين والفلسطينيين وغيرهم من شعوب العالم.


-       إضافة لصور التجسس الذي تظهر قصصه عبر وسائل الإعلام بين الحين والحين.


هذا هو هدف الولايات المتحدة، والطريق الذي يتبع لهدم الحضارات، التخطيط للاستنزاف وزرع العملاء ثم دعمهم ليكونوا مؤثرين.


ويصطدم هذا مع جهاز استخبارات تركي قوي لرصد الأخر وعناصره في مؤسساتها، والبناء على معلوماته، وعدم التهاون وهو ما تلام عليه تركيا من قبل الغرب بدعوى حقوق الأنسان ويتم لأجله تشويه صورها هناك، وهو ما تعلمته تركيا أيضا خلال التاريخ السياسي للحكومة، وهو ما علينا تعلمه كشعوب عربية هزمتها قلة الخبرة والتخطيط، وكيد أعدائها، وأذرعهم فيها، وأفشلت ثوراتها، في حين لم يكن ينقصها عدد ولا عدة ولا حتى تضحية وشجاعة.

#التأشيرات
#الحكومة الصينية
#التاريخ
٪d سنوات قبل
ما الذي تحكيه أزمة التأشيرات
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية