|
إشعال القضية الكردية.. الغايات ودلالات التوقيت

إيردال طاناس قارا غُل | يني شفق

كلما عاشت السياسة التركية حالة من الاستقرار والطمأنينة في مراحل التقدم السياسي، كانت تتعرض لمنغصات تعيق دوام تلك الحالة. وكلما علا نجم تركيا في المنطقة من خلال مواقفها الايجابية ونموها، كان هناك من يسعى إلى إفشال ذلك الصعود من خلال افتعال الصرعات الداخلية والخارجية. ولذلك فإن الإجابة عن سبب اختيار هذا التوقيت بالتحديد لجرّ تركيا إلى الوراء أصبحت واضحة جداً.

ثمة من يعمل على إدارة آليات من أجل إيقاف التقدم والتطور في تركيا بشكل محكم وبإطار زمني، تماماً مثل إعاقة التطور الاقتصادي الذي كانت تركيا على أبوابه في الثمانينيات، وإغراق تركيا في الظلام في التسعينيات.

وهكذا أصبح استخدام الصراعات السياسية والاجتماعية أداة للحكم على الدولة بالفوضى وعدم الاستقرار في كافة المجالات، وعلى رأسها الاقتصادية منها. ولهذا فإن الجميع اليوم يذكر أعوام التسعينيات على أنها حقبة الظلام والأزمات المتتابعة.

إلا أن حركة التغيير التي بدأها حزب العدالة والتنمية الحاكم في مطلع القرن الجديد قد أغلق الباب على حقبة الظلام تلك. فقد قاد الحزب حركة تغيير اقتصادي جوهري، وبدأ بتشكيل هيكل جديد يشرك فيه جميع الطبقات المجتمعية. ولا يمكننا أن ننكر حقيقة صعوبة التغيير الذي هزّ عرش الوصاية التي كانت مفروضة على تركيا القديمة.

وعلى الرغم من كل ما كان يحدث لافتعال الأزمات الاقتصادية والسياسية، استطاعت تركيا القيام بإصلاحات على كافة المستويات وخاصة في المجال الاقتصادي. وهي إصلاحات عجز الكثيرون عن تحقيقها أو حتى الحديث عنها لسنوات طويلة.

وبمجرد إلقاء نظرة على إنجازات تركيا الاقتصدية في السنوات الأخيرة، يمكننا أن نفهم لماذا تُسبب عملية التغيير المستمرة حتى الآن القلق لدى الكثيرين.

ما الذي طرأ على الاقتصاد التركي في هذه المرحلة؟ دعونا نلقي نظرة.

ارتفعت معدلات دخل الفرد إلى ثلاثة أضعاف مما كانت عليه سابقاً.

اجتاز متوسط الدخل التركي حده الأعلى.

انخفض الدَين العام وعجز الميزانية إلى أقل من مقياس ماستريشت.

وصل التصنيف الائتماني إلى الحد الذي يسمح بالاستثمار لأول مرة بعد سنوات عديدة .

أصبحت تركيا مركزاً للطاقة بين القوقاز والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي.

تم تقليص أو بالأحرى إنهاء الاعتماد على صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية.

وبدأ العمل على مشاريع لإنشاء أطول قناة، وأكبر مطار، وأوطول جسر ونفق في العالم.

وتم وضع أهداف كبيرة لجعل تركيا مركز تمويل دولي بحلول عام 2023.

أصبحت إحدى الدول في مجموعة العشرين. واستضافت قمة دول العشرين.

بدأت في عملية التسوية من أجل حل المسألة الكردية التي أثرت على التوازنات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لسنوات طويلة.

وغيرها من التطورات والتغييرات التي لم أستطع حصرها وذكرها هنا. كما استطاعت تركيا حل الكثير من الأزمات الاقتصادية التي كانت تنتشر كالسم في الجسد، وأظهرت إرادة حقيقية لحل المشاكل المتجذرة. وبذلك اعترف العالم بتركيا كقوة اقتصادية صاعدة، واحتلالها موقع الدولة التي لا غنى عنها في المنطقة.

وبمنظور آخر، لقد شهدنا العديد من المحاولات التي كانت تستهدف الحكومة واقتصادها وسياساتها من خلال افتعال الفوضى تماماً مثلما كان يحدث في الماضي، ونحن اليوم على أعتاب التوجه نحو تركيا الجديدة بخطة 2023.

كانت هذه المحاولات تهدف إلى اشعال فتيل الفوضى من خلال أحداث "غزي بارك" ودعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية. كما سعت لإفشال عملية التسوية من خلال مسألة كوباني ونزع الاستقرار بأحداث 17-25 ديسمبر.

وتعتبر مباحثات فترة الحل للمسألة الكردية بالخصوص أخطر التهديدات للأطراف التي تتحرك ضد تركيا. لأن حل تركيا للمسألة الكردية قد يعني قلب الموازين الاقتصادية في المنطقة. وبذلك سوف تستطيع تركيا عكس قوتها وديناميكيتها على شكل تقدم اقتصادي. ولذلك فإن تركيا تتمسك بإرادتها القوية تجاه المباحثات على الرغم من كل المحاولات الساعية إلى إيقاف الإصلاحات التي تقوم بها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا سوف تصبح أكثر دول المنطقة استقراراً بالإضافة إلى كونها الأقوى اقتصادياً وسياسياً. وحينها لن تستطيع دول المنطقة أن تبعد تركيا عن المشهد عند التخطيط لمستقبلها. وخاصة تلك صاحبة مشاريع مصادر الطاقة، وتركيا تعي ذلك جيداً. فنجاح عملية التسوية يشكل خطراً على مشاريع وأحلام مراكز القوى.

ولذلك فإن الإجابة على سؤال "لماذا الآن؟!" يكمن في تحليل الموقع الذي وصلت إليه تركيا سياسياً واقتصادياً، وفي الطريق الذي رسمته للوصول إلى أهدافها.


9 yıl önce
إشعال القضية الكردية.. الغايات ودلالات التوقيت
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا