خصصنا في عدد أمس من صحيفتنا نصا في اللغتين التركية والإنكليزية، استغرق كل الصفحة الأولى، تضمن العبارة التالية"إلى زعماء G20، هذا النداء لكم" إنه نداء الوجدان من الجغرافية التي نعيش فيها إلى الزعماء الذين سيأتون إلى مدينة أنطاليا، وهم يمثلون ثلثي سكان العالم، ومركز اقتصاد العالم، والمتحكمين بكل سياسات العالم. قلنا في هذا النداء إن دول المنطقة تمزقت، وأُزيلت المدن القديمة، وأُهين الناس والقيم، وتفرق شمل المجتماعات التي كانت تعيش بسلام فيما بينهما منذ مئات السنين، وأن التنظيمات ملأت الفراغ الناتج عن هذه الأوضاع المزرية، وقلنا إن هذه الأحداث كان لدول الغرب الدور المؤثر فيها. لأن هذا الوضع ليس ناتجا عن الضعف في بلادنا وحسب، بل له تداعيات حسب سياسيات هذه الدول، وحسب مصالحها أيضا. إن جميع المشاكل التي تعيشها منطقتنا يرجع سببها إلى تلك الدول.
وإن أي مكان في أوروبا مستهدف أضفنا التالي." إن لم تتحركوا بسرعة، فاعلموا أنكم لن تستطيعوا وقف هذا التدهور الخطير، فإن هذه المصائب التي تحط من قدْر الإنسان ستضرب غدا العواصمـ الأوروبية، وستطوف حرب المدن جميع القارات.." ذهبت الصحيفة لطباعة النسخة للمناطق النائية . وقبل أن تبدأ تجهيزات الطباعة المخصصة للمدن، بدأت التفجيرات المرعبة في باريس تتوالى تباعا. أُريد تركيع عاصمة عن طريق الإرهاب. هذه لم تكن كهانة. كما لايصح عدم المعرفة بذلك. لكن الشيء الوحيد الذي لايمكن معرفته، هو عن عدم التدخل من أجل منع هذا التطور الخطير. إن احتلال بلداننا أمام أعيننا، والأوضاع المأساوية التي تعيشها الشعوب نتيجة جشع وطمع السياسيين، والملايين من المشردين يلهثون إلى هنا وهناك، ولا نستطيع عمل شيء حيال كل ذلك، كل ذلك يجعلنا نفكر مليا. كان يستطيع أن يتوقع ذلك كل من عنده قليلا من العلم. كما أنه يستطيع أن يتوقع ذلك الآن، وعليه أن يتوقع. لآن الخطر مازال مستمرا. إن بقية عواصم الغرب مازالت معرضة لمثل هذا الخطر. لايستطيع أحد أن يتوقع هذا الخطر غدا في أي بلد سيكون، وفي أي مدينة.
الحفاظ على بلداننا، على إنساننا، وشرفنا
ممكن أن يقول الناس؛"إن رعايتكم للإرهاب على أرضنا، فهو يضربكم أنتم اليوم". لكننا لن نقول ذلك. لن نفقد الأرضية الأخلاقية مطلقا. سنبقى نحن ننطر نظرتنا الإنسانية، على الرغم من محاولتهم تركيعنا عن طريق الإرهاب، وإفناء الملايين منا نتيجة مصالحهم الإمبريالية. سنستمر دون أي تردد ومن منطلق وجداننا، في حماية أرضنا، وشعبنا، ومدننا، وشرفنا. سنستمر في صراعنا الكبير من أجل الحفاظ على جغرافيتنا وعلى بلداننا، رغم معرفتنا بما يحاك لنا ويُخطط. وبما يُنفذ من عمليات خفية، وعن طريق الإرهاب، وبما تجري من مخططات لتفريق شعوب المنطقة وتمزيقها.
هذا ليس إرهابا، بل هي حرب عالمية خفية
إن الإرهاب الذي ضرب باريس، ليس إرهابا وحسب. لقد فقد الإرهاب معناه بهذا التعريف الضيق، والتقني. إن الإرهاب الذي ضرب باريس، ليس إرهابا وحسب. من الناحية التقنية قد فقد الإرهاب معناه بهذا التعريف الضيق. غيّر الإرهاب من وصفه، وانفصل عن سياقه المعروف، وأصبح على شكل مواجهات على مستوى العالم، وهذه هي النواة لأهم أنظمة الحرب الخفية. هذا الوضع، مستمر على هذا الحال منذ هجمات 11 أيلول\سبتمر. فمصطلح الإرهاب كان يستمد وجوده قديما من فترة الحرب الباردة، وما رافقها من وجود ساحات لمواجهات محلية. ولأسباب أخرى أقل أهمية. أما في الفترة الحديثة، فإن الإرهاب أصبح الواسطة الأشنع لصراع القوى الكونية. أصبحت الدول تدير الصراعات فيما بينها عن طريق الإرهاب، وعن طريق التنظيمات. إن الذين قاموا بإعلان القرن 21، هو "عصر محاربة الإرهاب"، هم أنفسهم الذين يُغذّون التنظيمات في العالم، وبشكل خاص في جغرافيتنا، وهم الذين يموّلونهم ماديا. إن الذين انفجرت مرارتهم من الأنظمة الديمقراطية التي أتت بها التغييرات في منطقتنا، فقد عملوا على صنع تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، لتنفيذ مصالحهم الاقتصادية والسياسية من خلالها، وذلك بدلا من الأنظمة الاستبدادية التي زرعوها في بلادنا فلم تعد تفي بالغرض، وهم بذلك يُعدَّون أصحاب الذنب الأشنع في في صنع الإرهاب في عصر الإرهاب. إن الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية، والقوى المركزية في آسيا، يتحملون الوزر الأكبر إخلاقيا في هذا الوضع.
اتركوا الأسد والتفتوا لداعش
إن استخدامهم للإرهاب لتركيع تركيا بشكل مستمر، نراهم قد غيروا في طريقتهم واستخدموه هذه المرة ضد فرنسا. لمَ؟ ما معنى هذه الهجمات قبيل انعقاد قمة G20، وما الرسائل الموجهة من خلالها ولمن موجهة؟ مضمون الرسائل أنها موجهة إلى سوريا. فمن جهة هي موجهة ضد اللجوء، ومن جهة أخرى، ستؤثر على القضية السورية من خلال لزقها بداعش. تذكروا، أنهم على خلفية هجمات 11 أيلول\سبتمر، فإنهم استولوا على العالم بحجة القاعدة. أين القاعدة؟ هل نسيناها؟ حلّت مكانها داعش. إن العمليات التي تقوم فيها الدول الكبرى بحجة داعش يريدون منا أن نغمض عيوننا عنها. والآن يحاولون تحويل أنظارنا عن عمليات استيلائهم على منطقتنا من خلال داعش. فيحاول البعض أن يقول لنا "حاربوا داعش ولكن لاتقربوا من النظام السوري". حتى أنهم يقولون لنا إن حاجتكم ماسة للأنظمة الاشتراكية الشبيهة بحزب البعث. العالم انقسم إلى قسمين بالنسبة للقضية السورية، وظهرت جبهتان رئيسيتان: على رأسها الدول بقيادة روسيا وإيران، وهما دولتان داخلتان في الحرب داخل سورية. وفي الصف المقابل هناك دول مثل تركيا، السعودية وقطر. فرنسا أخذت موقفا حيال رحيل الأسد، فالهجمات الأخيرة كانت بمثابة تحذير لها.
من أسس داعش هو من ضرب فرنسا
من أوعز بتأسيس داعش هو من ضرب فرنسا. لأن القوى التي تقف خلف هذه التنظيمات، لم تجعل لهذه التنظيمات من رسالة محددة. بل يستعملونهم بشكل تهديد. وهم الوقود الذي يستعملونه من أجل إثارة المواجهات وصراعاتهم الخفية على مستوى العالم. أراد أحدهم أن يوجه رسالة لفرنسا أن لاتتدخلي في سوريا، ولاتفكري في مثل هذه العملية فيها. وللحقيقة مثل هذه الرسالة وجهت إلى تركيا من قبل. لقد قصدوا بهذه الهجمات إلى تدويل القضية السورية. بعد ذلك ستتعمق المواجهات بين هذين القطبين الأساسيين. أصبحت سوريا ساحة لصراع القوى في المنطقة، وذلك عن طريق التنظيمات. الدول الأوروبية ليست كلها في الاتجاه نفسه بالنسبة للقضية السورية. في الأصل هذه الدول تدير معارك بينها على الساحة السورية وخارج القارة الأوروبية. متى ستُفضح حقيقة هذه المواجهات، ربما تظهر في وقت قريب غير متوقع. إن هذا الضغط ربما ينفجر في مكان ما.
بالنسبة لكم من هو الذي أعطى المناقصة للإرهاب هذا؟
إن التطورات في مؤتمر فيينا بخصوص سورية في الأمس قد تمخضت عن نتائج إيجابية نوعا ما، فيها رسائل تدعو إلى التهدئة. أثبتت أن هناك فرصة لمرحلة انتقالية ترافقها مفاوضات. طبعا، ممكن أن تفقد هذه القرارات أهميتها بعد يوم واح. فمن الممكن ومن خلال هجمة إرهابية أخرى أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر. فلو لم تُحل المسائل النابعة عن القضية السورية، واستمرت هذه المآسي، والأخطار، والغرب لم يتخلى عن استخدامه الإرهاب في سبيل مصالحه، فإن العديد من مدن أوروبا ستواجه هجمات إرهابية جديدة. وسيعرف مستقبلا الذين يفكرون بمخططات كارثية في بلادنا، من أنها ستنقلب عليهم هذه المخططات بشكل أليم! نعم، من ضخم داعش، هو من ضرب فرنسا. الذي لايريد تحول سورية نحو الديمقراطية والحرية هو من ضرب باريس. في السنة الأخيرة، من أراد تركيع تركيا عن طريق بي كا كا وداعش، ومن أراد إلحاق الضرر بتركيا عن طريق جر الإرهاب إلى داخلها، ومن أراد تغذية الاحتلال الداخلي، هم الذين صنعوا هجمات باريس. أظن أن هذه التوضيحات كافية... وعليه إذن، من الذي أعطى المزاودة على هذا الإرهاب ياترى؟