|
تفويت طريق الخروج في "خداع الاستفتاء"
لماذا اختار بارزاني طريقًا خطيرًا مثل إجراء استفتاء على انفصال شمال العراق؟

أعتقد أنّ هذا الأمر كان خدعة منذ البداية، والسبب أنّ بارزاني تعرض للضغط بشكل كامل في المنطقة، ولهذا فقد ألقى بورقة الاستفتاء على انفصال شمال العراق على الطاولة كطريقة للخروج من هذا المأزق. وسأشرح لكم ما حدث.


يعلم الجميع أن بارزاني يتعرض للضغط منذ زمن طويل من إيران وحكومة بغداد وحركة طالبان التي تلقى الدعم من الاثنين وحركة غوران ومنظمة بي كا كا وتنظيم بي يي دي. ولقد تدخلت واشنطن في هذه الوضعية في الآونة الأخيرة؛ إذ تحججت بوجود تنظيم داعش وتعاونت مع تنظيم بي يي دي وحكومة بغداد ووضعت بارزاني في موقف لا يحسد عليه، ففعل هذا الأخير كل ما بوسعه للخروج من هذا المأزق، لكن دون فائدة.


اعتقد بارزاني أنه أصبح وحيدا بعدما انشغلت تركيا، حليفه الوحيد وأكبر داعميه، بالتصدي لمحاولة الانقلاب الفاشلة.


إشعال فتيل نيران كردستان المستقلة

أشعل بارزاني في النهاية فتيل نيران حلم "كردستان المستقلة" من جديد، فجذبت تلك النيران انتباه الجميع وبدأوا يتحدثون عن الاستفتاء هذه المرة وليست سلطة بارزاني.


باستثناء إسرائيل، لم يدعم أحد هذا الاستفتاء، وبالتالي حلم تأسيس كردستان المستقلة التي يكون بارزاني فيها هو رأس الدولة، بل إنه كلما اقترب موعد الاستفتاء زادت ردود الفعل واشتدت.


إن أي استفتاء على تأسيس كردستان مستقلة لن يكون واقعيا من الناحية السياسية ما لم يتلقى دعما من أي من جيران العراق والدول الكبرى، فاستفتاء كهذا ليس له مقابل في القاموس السياسي، كما أنه مكتوب عليه الفناء. ولهذا فإن هذه الاستفتاء كان خدعة؛ إذ سيصرف بارزاني نظره عنه لكنه سيحصل في مقابل ذلك على بعض الأشياء من الأوساط التي تمارس ضغطا عليه.


ماذا يريد بارزاني من وراء تلك الخدعة؟

يريد بارزاني الحصول على ثلاثة أشياء من وراء هذه الخدعة:


1-     حل مشكلة تقاسم مبيعات النفط التي يعيشها مع حكومة بغداد ورفع القيود المفروضة على ميزانية الإقليم.


2-     إعادة ميزانية البشمركة بعد قطعها والإشارة إليها داخل ميزانية الجيش العراقي.


3-     تحديد معالم المادة 140 المثيرة للجدل ووضعية كركوك والمناطق المحيطة بها.


ولو نجح في الحصول على جميع هذه المطالب أو واحد منها فربما يؤجل الاستفتاء، وأعتقد أن هذه الخطوة خطوة ذكية.


أما تركيا، داعمة بارزاني وحاميته، فقد شاهدت هذه الخدعة من خلال ردود فعل مضبوطة الجرعة، وبعدها غضت الطرف عن الخطة التي وضعها بارزاني من أجل إراحته. هذا فضلا عن أن إيران والعراق والولايات المتحدة، الراغبين في إلغاء الاستفتاء، زاروا تركيا من أجل الدعم. وهو ما عزز مكانة تركيا بشكل ما في التوازنات الإقليمية.


الخط الأحمر الذي تخطاه بارزاني

لكن بارزاني ارتكب خطأ، أدخل كركوك ضمن الاستفتاء، وقال إن "كركوك هي قلب كردستان"، وتخطى في طريقه الخط الأحمر لتركيا التي أبدت رد فعل شديد على هذا الخطأ أمام الرأي العام وعلى طاولة المفاوضات.


ولهذا السبب فقد وضع بارزاني نفسه في موقف صعب للغاية، لأنه ألزم نفسه إلزاما سيئا للغاية في مسألة كردستان المستقلة ومسألة كركوك التي تعيش فيها النار جنبا إلى جنب مع البارود.


لقد بدأ بارزاني يجد صعوبة في النجاة بنفسه من الوضعية التي أعربت بشأنها جميع الدول المجاورة والكبرى عن استيائها منها، ذلك أنه لو تراجع إلى الوراء قبل أن ينجح في الحصول على أي مكسب فإن المعارضة ستغرقه في مياه أربيل الباردة. ولو لم يتراجع فإننن سيفقد تركيا أكبر حلفائه، وحينها ستغرقه بغداد وإيران في مياه البصرة الساخنة.


يطلق الساسة مصطلح "تفويت طريق الخروج" على هذه الوضعية، فلو لم تخطط طريق الخروج من الطريق الذي دخلته فلن تستطيع الكشف عن طريق الخروج، وحينها تضل طريقك.


سيارة إسرائيلي في مقر اللقاء الحساس

التقيت قبل كتابة هذا المقال مسؤولا في أنقرة على دراية بهذا الموضوع. أخبرني بأن الحكومة التركية غاضبة على بارزاني الذي ضل الطريق، وأن هذه الخدعة تعتبر خطيرة للغاية لدرجة أنه تحول قضية كركوك إلى قضية داخلية. وهناك احتمالية أن يفارق بارزاني الحياة بسكتة قلبية بعدما لم يفعل شيئا لخفض ردود الأفعال بالرغم من بقاء أسبوع على الاستفتاء. فالدولة التي ستكون أول من يقدم الدعم له تحذره قائلة: تراجع عن الاستفتاء.


اتصلت بزميل لي في أربيل بينما كنت أكتب هذا المقال، اندهشت لما قال، كان ينتظر أمام مبنى التقى فيه مسؤولي بارزاني (KDP) وطالباني (KUB) وغوران. وأخبرني ونحن على الهاتف بقوله: "عبرت من أمامي الآن سيارة تحمل علمي إسرائيل وكردستان". شهادة مثيرة للتعجب.


كان هدف الاجتماع في ذلك المبنى هو: إلغاء الاستفتاء بقرار مشترك تتخذه جميع الأحزاب... يجمتع البرلمان، يصدر قرار بأغلبية الآراء كي لا يتحمل بارزاني بمفرده ذنب إلغاء الاستفتاء. ولو صدر قرار فسيعلنه البرلمان إلى العالم خلال أيام.


لا زلت شخصيا مقتنعا بأن الاستفتاء سيؤجل، وحتى لو أجري فليس هناك أي إلزام قانوني لتنفيذ نتيجته. ولهذا فإن بارزاني سيستمر في استخدام ورقة الانفصال للحصول على مكاسب أكثر. لكن لا أدري هل يمكن لرجل بعمر الحادية والسبعين أن يتحمل بدنه هذا القدر من الضغط العالي.


ولأطرح سؤالا أخيرا: لماذا أعلنت إسرائيل صراحة دعمها لكردستان المستقلة لتجذب انتباه جميع الدول العربية والإسلامية صوبها؟ في عادة تقوم بمثل هذه الأمور في الخفاء.

#كمال أوزتورك
7 yıl önce
تفويت طريق الخروج في "خداع الاستفتاء"
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات
هجمات إسرائيل على عمال الإغاثة في غزة تضع بايدن في اختبار صعب
الجماعات الدينية المحافظة.. من وجَّه غضبها نحو أردوغان؟
ثورة المتقاعدين