|
تركيا قد تحولت للنظام الرئاسي "روحيا"
يوسف زيا جومارت | يني شفق

تم إجراء استفتاء في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 2007، حيث اتخذت الأمة قراراً في موضوعين رئيسيين.

الموضوع الأول كان من أجل عدم تكرار فضيحة الـ 367. فمن المعلوم أن "صابح كاناد أوغلو" وهو أحد الرؤساء السابقين للمحكمة العليا قد جاء بهذا القرار، حيث قال بأن الحد الأدنى لمحضر اجتماع اختيار رئاسة الجمهورية هو 367 عضواً.

المحكمة الدستورية أخذت هراء "كاناد أوغلو" على محمل الجد، وألغت الانتخابات التي أصبح فيها عبد الله غول مرشحاً للرئاسة.

إلا أن التغيير الذي صوت له الشعب التركي في الاستفتاء على الدستور ينص على أنه: "ينعقد اجتماع مجلس الأمة التركي بالحد الأدنى المتمثل بنسبة الثلث، من أجل البت في أي انتخابات قد يقوم بها"، وهذه الجملة وفاة نظام الـ 367 السابق.

أما التغيير الثاني، وهو الأهم:

"يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، على أن يكون مواطناً تركياً قد أتم الأربعين عاماً من عمره، وحاملاً لشهادة دراسات عليا، وعضواً في المجلس، أو أن يتمتع بالصفات المذكورة سابقاً وحاملاً للأهلية لدخول عضوية المجلس."

دخلت هذه التغييرات حيز التنفيذ في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 2007 بنسبة تصويت عالية وصلت إلى 69.95%.

أما نسبة التصويت ضد هذه القرارات فقد بلغت 31.05%.

لم يقم أحد في تلك الأيام.

الجميع حافظ على هدوءه. وكأن شيئاً لم يكن، استمر العمل السياسي والنقاشات والحديث، كل على حاله.

ولكنني كتبت سابقاً بأن هذا التغيير يعتبر جذرياً .

بايجاز، قلت بأن هذا الاستفتاء قد غير من طبيعة خصائص النظام. إلا أن أحداً لم يدرك ذلك. أو أن عدد المدركين لحقيقة ذلك لم يكن كافياً لإيصال أصواتهم.

جاءت نتائج هذا الاستفتاء متأخرة، مثل تأثير العلاج الذي يظهر بعد مدة. فقد أدرك الجميع الحقيقة في عام 2014.

أرجو ألا يأتي من بفسر عبارة "تغيير خصائص النظام" على هواه. فأنا لا أتحدث عن خاصية العلمانية والنظام الجمهوري وغيرها. أنا أتحدث عن خاصة داخل النظام نفسه.

يتم انتخاب أعضاء المجلس أي النواب من قبل الشعب. وعليه فإن اختيار رئيس الجمهورية من قبل المجلس يعد بالمحصلة أمراً مشروعاً.

إلا أن توجه الشعب إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب رئيس الجمهورية فهو أمر آخر تماماً.

إن أصوات الانتخاب الشعبي المباشرة –سواء أردنا أم لم نرد- تعتبر أكثر صلاحية من الانتخاب غير المباشر.

المجلس يصوت ممثلاً عن الشعب. مما يعني أن أصواته تمثل الغير.

أما تصويت الشعب فيكون مباشراً. من دون وساطة. وذو تأثير أقوى.

وهناك بعد آخر للقضية.

فقد كان هناك ثلاثة مرشحين للرئاسة في أغسطس عام 2014.

أولهم، صلاح الدين ديميرتاش: المرشح عن حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب السلام والديقراطية. (كان لمرحلة ترشحه أثر إيجابي على عموم تركيا، وهذا موضوع آخر)

ثانيهم، أكمل الدين إحسان أوغلو: تحت قيادة حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وبدعم من الكيان الموازي.

أما المرشح الذي تم تفضيله واختياره ليفوز بالانتخابات فهو مرشح حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان.

قال إحسان أوغلو مخاطبا جماهير الشعب: "أنا لن أخوض في القضايا الشائكة اختاروني رئيساً للجمهورية. أنا أقوم بعملي في مجالي، وأنتم تمارسون حياتكم في الأسفل بما ترونه مناسباً لكم."

أما أردوغان فقد صرح: "سوف أتابع جميع القضايا الأساسية." و"سوف تتغير الأساليب، سوف أستخدم سلطاتي. سوف تتشكل أساليب جديدة".

كلاهما أدلى بتصريحاته أمام جماهير الشعب.

لكن الشعب لم يختر من قال "لن أخوض في القضايا الشائكة" بل اختار المرشح الذي بنى حملته الانتخابية على "سأهتم بالقضايا الشائكة، وسأكون على رأس العاملين لحلها".

يعني أن هناك ارتباطا وثيقاً بين ما يفعله رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وبين الأصوات الشعبية.

في أول أمس، اجتمع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بالهيئة الوزارية.

وهو أمر قام به –على الأقل بعض الرؤساء السابقين- بين الحين والآخر.

إلا أن في المشهد اليوم خطاباً وضجيجاً، وكأن شيئاً من الذي شرحته في هذه المقالة لم يحدث، وكأن تركيا لم تمر بالاستفتاء، وكأن أردوغان لم يفصح مسبقاً عن ما يفعله الآن.

يجب على الذين لم يعتادوا بعد، أن يوطنوا أنفسهم.

ليس هناك أي عنصر خارق للعادة في كل ما يجري.

ويبدو أن تركيا قد تحولت للنظام الرئاسي "روحيا".

فلننظر إن كان ثمة فرصة لتطويع الواقع عمليا ً.

هذا هو ملخص المسألة التي بين يدينا.


٪d سنوات قبل
تركيا قد تحولت للنظام الرئاسي "روحيا"
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية