|

الريس سوسن.. مصرية تزاحم الرجال في "صيد" الرزق

كانت العائل الوحيد لـ6 شقيقات وشقيق، وبعد مرور الزمن، لعبت الدور نفسه مع أبنائها العشرة، بعد مرض الزوج.

Ersin Çelik
10:00 - 30/04/2017 الأحد
تحديث: 10:01 - 30/04/2017 الأحد
الأناضول
الريس سوسن.. مصرية تزاحم الرجال في "صيد" الرزق
الريس سوسن.. مصرية تزاحم الرجال في "صيد" الرزق

"الجميلات هن القويات.. يأس يضئ ولا يحترق (..) الجميلات هن الفقيرات.. كالورد في ساحة المعركةْ"، غزل عفيف في المرأة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ربما يصور حال سيدة مصرية قهرت الفقر واصطادت الحياة بشباك الإرادة من جوف النيل.

الريس (لقب يمنح للصيادين بمصر) سوسن عبد الحميد عطيه (49 ربيعاً)، لم تكن تدري حين وصلت سن العاشرة، وهي تحتضن بين أصابعها شباك صيد، ترميها في النيل فتسحبها مليئة برزق حلال، أن تلك اللحظات هي بداية مشوار طويل في الحياة على مركب خشبي يطفو بها فتغدو خماصا وتروح بطانا".

جنوبي مصر، وتحديداً بطعمة، إحدى قرى مركز البداري في أسيوط، عاشت سوسن، في كنف أبيها الذي تركها وهو مكبل بقيود السجن إثر خصومات أهلية يُعرف بها أهل الصعيد (جنوب)، وفي رقبتها 6 شقيقات وشقيق في نعومة أظافره، لم تكن أكبرهم سناً لكن ظروف الحياة أجبرتها على أن تكون العائل الوحيد للأسرة.

**صيد يعلم الصبر .. والمواجهة

ورغم الموروثات القاسية، التي كانت تمنع المرأة، أن يرى طرفها الرجال في صعيد مصر المعروف بمحافظته الشديدة، خرجت سوسن للعمل ولم يكن لديها سبيل للرزق سوى جوف النيل.

تقول لمراسل الأناضول "أنا كالجبل لا أكل ولا أمل مهما تحاملت علي الصعاب، أظل صامدة، فلا يوجد من يقوى على الهم بعائلتي سواي".

ظروف الحياة الموحشة فرضت عليها حمل الشباك وركوب المياه وسط الرجال، فوجدت نفسها وسط نهر النيل الواسع.

قبل ما يقرب من 37 عاماً كانت تأتي هنا في صحبة والدها تظنه يحميها إذا غدر بها النهر أو طمع في أنوثتها أحد الصيادين، ويحميها من لوم أسرتها عندما يعودا معاً دون رزق، أما اليوم فهي تواجه ذلك بمفردها.

فى خيوط الشباك كان الكنز الحقيقي الذى باتت تنتظره بشغف بتلك الكميات الوفيرة التى يرسلها لها الله يومياً، كما تُصَّبر نفسها في اللحظات التى يبخل عليها النيل وتتوقع يوماً ما سيغنيها الله عن هذه اللحظات الصعبة.

لم يعلمها البحر الصبر فقط، وإنما المواجهة كذلك، وتقول "في البداية اعترض أقاربي على امتهاني الصيد، لكن لم يكن هناك بديل للعيش والانفاق على الأسرة فاستسلموا لرغبتي، ووالدي شجعني أنا وشقيقتي".

كان مركبها الشراعي الصغير يشق مياه النيل كل صباح، يحملها وشقيقتها سهام.. قويتان لا تهابان الرجال ولا المياه.

"بسبب شدتي وحزمي في المعاملة.. الناس تعاملت معي على أني رجل.. لم يتفوهوا أبدا بكلمة سيئة في حقي.. كانت حياتي قصة فخر في أحاديث القرى المجاورة"، هكذا تضيف سوسن، وفي عينيها تسطع الإرادة وتلمع العزيمة.

وتتابع "منذ كنت طفلة تحملت مسؤولية أشقائي، ولما كبرت وتزوجت تحملت مسؤولية زوجي المريض حاليا وأولادي الـ 10".

**الأنثي رفيقة كد الحياة

قصة زوجها كانت درامية أيضاً، جاءت بعد إصرار على ارتباط بمن ترفضه الأسرة وتحبه هي.

وبعزيمة الرجال في الشدائد ساندت رفيق الحياة، وبعد أسبوعين من الزواج طلبت منه أن يشتري شباكا ويستأجر مركبا.. كانت تمد له يد العون وقتما يلقى الشباك أو يجمعها، تساعده على قدر أنوثتها، وتمنحه أيضاً بعضاً من دفء الحياة.

تقول سوسن "كنت أنا وزوجي نعمل يداً بيد من أجل تربية 6 أولاد و 4 بنات وهبهم الله لنا، لكن شاء القدر أن أكون العائل ثانية وأحمل الشباك بمفردي وأحل محل زوجي الذي يعاني من حصوات في الكلى منذ 11 عاما".

**رحلة المعاناة

وحول تفاصيل رحلة الصيد اليومية، توضح وفي عينيها إرادة لا يمتلكها رجال، "أستيقظ أثناء قرآن الفجر وأوقظ ابني مدحت التلميذ في الصف الخامس الابتدائي ونذهب لمركبنا المستأجر في النيل، أقف على حافتها أرمي الشباك ويجدف مدحت، نعود للمنزل ظهرا في موعد الغداء ونعيد الكَرَّة مرة تانية بعدها حتى مغيب الشمس".

وتستطرد "يمكن خلال اليوم أن نصطاد 3 أو 4 كيلوجرامات نبيعها، لننفق من ثمنها على متطلبات المنزل في اليوم التالي.. أحاول أن أوفر بعضا من هذا المال البسيط لعلاج زوجي المريض، وأحيانا أعمل ليلا وأبيت في النيل حتى الصباح".

وموضحة تكاليف عملها، تشير إلى أن "إيجار مركب الصيد يتراوح ما بين 10 و15 جنيها (أقل من دولار) في اليوم الواحد، وأحيانا يصل 30 جنيها (أقل من دولارين)، وقد يرفض صاحبها تأجيرنا إياها في موسم الصيد".

لا يصب الرزق في الشباك كل يوم، كما توضح سوسن للأناضول، مضيفة "أعمل أياما طوال النهار دون أن نصطاد سمكة واحدة، والرزق حسب اليوم، في الصيف أحيانا كنت أرجع البيت دون صيد نهائيا، واُخرى كنت أبيع بـ 10 جنيهات أو 5 وأحيانا 20 واُخرى 100 جنيه حسب الرزق".

ومع ذلك تؤكد الريس سوسن، أنها لن تترك الصيد حتى وإن بخل عليها النيل.

**ابن النيل

حتى مع آلام حملها كانت تنزل بحثاً عن الرزق في النيل، وفي حالات ولادة 9 من أبنائها كانت تلد مباشرة بمجرد خروجها من المركب وبعد 3 أيام فقط من الولادة تعود للصيد مرة أخرى.

غير أنها ذكرت "أما ابني مدحت ولدته بينما كنت أصطاد، كانت معي ابنتي الكبرى صفاء وخلعت جلبابا أرتديه ولففت فيه وليدي ورجعت البيت، وبعد 3 أيام عاودت العمل".

**ركود يلتهم سمكة الفقير

واجهت سوسن مراراً جشع تجار السمك، حينها كانت تولي وجهها عنهم وتبيع ما تصيد بنفسها في الأسواق، غير أن حالة الركود الاقتصادي الذي تشهده مصر حالياً أثرَّت أيضاً عليها، وتآكل ربحها الزهيد.

وتواجه مصر أزمة اقتصادية، دفعتها للجوء لسياسية الاقتراض، حيث تلقت ملياري دولار قيمة شريحتين من التمويل المخصص بقيمة 3 مليارات دولار من البنك الدولي لدعم برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي، كما تلقت 2.75 مليار دولار كشريحة أولى من قرض صندوق النقد الدولي المقدر بـ 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.

وتطالب الريس سوسن، المسؤولين في مصر، النظر إليها ومساعدتها في التغلب على متاعب الحياة، بعد مرض أغلب أبنائها وإصابة بعضهم في العمل، بجانب مرض زوجها المزمن. لكنها تؤمن أنه على هذه الأرض أيضا، هنا في مصر وفوق مياهها، ما يستحق الحياة.

#أسيوط
#الريس سوسن
#الموروثات
#مهنة الصيد
٪d سنوات قبل