|

"الإقصاء" هل ينقذ الاتحاد الاوروبي من التفكك؟

Ersin Çelik
08:49 - 29/03/2017 الأربعاء
تحديث: 08:55 - 29/03/2017 الأربعاء
الأناضول
"الإقصاء" هل ينقذ الاتحاد الاوروبي من التفكك؟
"الإقصاء" هل ينقذ الاتحاد الاوروبي من التفكك؟

يلاحظ المتمعن في تاريخ أوروبا، وجود مساعٍ دائمة لخلق مفهوم "إقصاء الآخر"، فالنخب الأوروبية ادركت الأضرار التي لحقت بالقارة جراء تلك المساعي، وعملوا عقب الحرب العالمية الثانية على إنهاء حالة العداء القائمة بين الدول الأوروبية من خلال تشكيل مجتمع أمني ضمن إطار فكرة التكامل.



وهذا التشكيل الجديد تحوّل فيما بعد إلى اتحاد أوروبي ولّد منطقة سلام أوروبية سقفها العاصمة البلجيكية بروكسل، وذلك بهدف حل المشاكل القائمة بالطرق الدبلوماسية والحوار بدلا من التصارع وتضارب الأفكار.



والذين أشرفوا على تأسيس منطقة سلام أوروبية عقب الحرب العالمية الثانية، كانوا يؤمنون بأنّ الاتحاد الأوروبي الذي نجم عن تلك المنطقة، سيكون له دور فاعل في السياسة العالمية، لا سيما أنّ الاتحاد الاوروبي أعلن منذ الساعة الأولى عن عدم تخليها عن جملة من القواعد والمبادئ، عُرفت بالقيم الأوروبية.



وكانت بروكسل تعلن للملأ أنّها ستستند في علاقاتها مع الدول خارج الاتحاد، إلى القيم والمبادئ المحددة لدى تأسيس الاتحاد الأوروبي.



- معايير الاتحاد الأوروبي ضدّ التهديدات الأمنية



استخدم الاتحاد الأوروبي وسيلتين في طرح معاييرها الخاصة بالتهديدات الأمنية للخارج، فالمعيار الأول تمثّل في توسيع نطاق الاتحاد، والثاني هو تحسين العلاقات مع الدول البعيدة جغرافياً.



وعندما كان الاتحاد الاوروبي يحضّ الجميع على اتباع قيمه، لم يكن يفكر فقط في خلق عالم ينعم بالليبرالية والحريات، فبرلين وبروكسل وباريس ولندن كانت تؤمن بالقدرة على تحييد التهديدات الأمنية التي ستهدد الاتحاد الأوروبي بعد الحرب الباردة، وذلك من خلال إنشاء سياج غير مرئي على محيط الاتحاد.



والأحداث التي أعقبت الحرب الباردة، سارت بشكل يتناسب مع تطلعات الاتحاد الاوروبي لفترة زمنية لا بأس بها، وخلال هذه الفترة اشترط الاتحاد على الدول الأخرى الراغبة في الانتساب إليه، احترام قيم التعددية وتنوع الثقافات والالتزام بها.



وبخصوص الأمور الاقتصادية، استطاع الاتحاد الأوروبي تحقيق نجاحات كبيرة في هذا المجال عبر إصلاحات في البنية الاقتصادية للبلدان الأعضاء، ما لفت أنظار العديد من الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفيتي عقب انهياره أواخر ثمانينات القرن الماضي.



وفي عام 2004 حدثت تطورات هامة على صعيد الاتحاد الاوروبي، فقد انضم إلى الاتحاد 10 دول جديدة، وسّع من خلالهم رقعته الجغرافية، وهذه الدول هي جمهورية التشيك، وإستونيا، والمجر، وليتوانيا، ولاتفيا، وقبرص الرومية، ومالطا، وبولونيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا.



وبهذا التوسع استطاع الاتحاد الاوروبي الوصول إلى شرق نهر إلبه، وتمكن من استعادة الأراضي التي خسرها خلال الحرب العالمية الثانية لصالح الاتحاد السوفيتي.



وعقب عملية التوسع واتساع الرقعة الجغرافية للاتحاد الاوروبي، بدؤوا باشتراط شروط جديدة على تركيا الساعية للانضمام إلى الاتحاد، ومن هذه الشروط ما يعرف بمعايير كوبنهاغن، وبدأ السياج غير المرئي بالظهور في وجه المساعي التركية، وأصبحت القيم الأوروبية تُطبق بحسب الهوية والجنسيات.



- الأزمة الأوكرانية ومشاكل مصادر الطاقة



حصلت الأزمة الاقتصادية في عام 2008، بالتوازي مع المصاعب التي واجهها الاتحاد الأوروبي فيما يخص تبنّي أعضائه الجدد وصهرهم ضمن بوتقته، فبدأ زعماء الدول الأوروبية يتسائلون فيما بينهم عن كيفية تقاسم الرخاء وحل المشاكل الاقتصادية التي لحقت بهم.



وجاءت الأزمة الأوكرانية، لتذكر دول الاتحاد الاوروبي بالفجوة الحاصلة في سياساتهم الخاصة بالطاقة التي بدأت في عام 2006.



فبعض الدول الأوروبية الواقعة شرق القارة، مرتبطة بالغاز الطبيعي ذو المنشأ الروسي، الأمر الذي ولّد تهديداً حقيقياً لهذه الدول، بينما عملت الدول الواقعة شمال وغرب القارة، على تخفيف ارتباطها بالغاز الروسي بعد عام 2009.



والأزمة الأوكرانية ساهمت في تعقيد الفجوة الحاصلة في سياسات الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي، لأنّ هذه الأزمة أظهرت للعيان استمرار مشكلة دول الاتحاد الأوروبي الشرقية في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي.



وفي خضم هذه المشاكل، فإنّ السياسة التوسعية للاتحاد الاوروبي شارفت على الانتهاء، وبالتالي فإنّ حلم بعض دول البلقان في الانضمام إلى الاتحاد بات من الصعب أن يتحقق.



وفيما يخص سياسات حسن الجوار التي تبناها الاتحاد الأوروبي عند تأسيسه، فقد أصبحت فارغة عبر تهميش الاتحاد لمشاكل اللاجئين ومعاناتهم في بحري إيجة والمتوسط، والأزمات الحاصلة في العلاقات مع روسيا، وامتناع دول الاتحاد عن التفكير بأمن تركيا.




وإنّ استمرار كل هذه المشاكل في القارة العجوز، مهدت الأرضية الملائمة داخل العديد من دول الاتحاد الاوروبي لظهور شرائح قومية تعادي الأجانب.



- الكلاب، وخيالة الشرطة والقيم الأوروبية




رأينا قبيل الانتخابات الهولندية إنشاء هذا الحيز الضحل – ضحل لدرجة تجنيد الكلاب وخيالة الشرطة لحمايته - المتمترس خلف خطاب قبيح معادٍ لتركيا وأعمال عنف ترتكب أمام أعين العالم. وفي الوقت نفسه، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، الولايات المتحدة وهي الجهة الفاعلة الأخرى في الغرب، لا تدري ما الذي عليها فعله.



هل تناضل ضد الشعوبي ترامب أم ترفع له الراية البيضاء. ترامب يبذل جهودًا جمّة لإغلاق أبواب البلاد، وينشر الخوف من أجانب. وأول إجراء بدأه كان منع مواطنين من دول مسلمة دخول البلاد وطردهم من المطارات مع حواسيبهم المحمولة.




إن عملية "إقصاء الآخر"، قد تختلف على مر الزمن: فالجهة المستهدفة اليوم قد تتغير، لتوجه سهام الإقصاء إلى أطراف أخرى. في الواقع إن سياسة الإقصاء والشعبوية لا يمكن أن تكون حالة مستمرة وحقيقة واقعية، ولكن بالنظر إلى الإجراءات المتخذة من قبل بعض العواصم الغربية ومحاولات بناء سياساتها ارتكازًا إلى أسس شعوبية، يجعلنا نقول أن سياسة الإقصاء والشعبوية هي حقيقة في الوقت الراهن.




إن ارتفاع التطرف وكراهية الأجانب في أوروبا، يرتكز على خطوط رئيسية تستند إلى الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام. لكن مؤخرًا يبدو أن هذا الخط بدأ يتخذ بُعدًا مختلفًا؛ مع الضخ للإعلامي الأوروبي المستند إلى قرارات سياسية غير معلنة، والمؤيد للخوف من الأتراك أو تركيا وعدائهما.




- الاختباء وراء الآخر، لا ينقذ غد الاتحاد الأوروبي في المستقبل !




عادت أوروبا لتصبح مرة أخرى مسرحًا لهجمات إرهابية في الأيام الأخيرة الماضية. من شأن هذه الهجمات أن تجعل الصورة القاتمة للوضع القائم أكثر إحباطًا مما ذكر أعلاه. لهذه الأسباب، تعمل أحزاب الوسط، التي ترى ارتفاع الشعبوية في أوروبا، انطلاقًا من مصالح سياسية محضة.



ومن الملاحظ أن هذه الأحزاب ستخوض امتحانًا سيئًا خلال الانتخابات في فرنسا وألمانيا بعد امتحانها السيئ في هولندا. والأجانب والمسلمون والأتراك الذين كانوا حتى الأمس يمثلون عنصرًا فاعلًا على صعيد التعدد الثقافي في أوروبا باتوا الآن يواجهون صعوبات شتى. خوف أوروبا من الآخر، سيدفع المهمشين للخوف من أوروبا وإغلاق صفحة التعدد الثقافي.




- من السلام الأوروبي إلى يومنا هذا




إن جنوح أوروبا نحو إقامة "قلعة أمنية" سوف ينعكس سلبيًا من الناحية السوسيولوجية على المجتمع فضلًا عن أنه مثيرٌ للقلق بالنسبة للأوروبيين، سيما أن هذه التطورات، ليست مجرد قضية بسيطة للسياسة الخارجية، وليست حملة يمكن أن تقرأ من منظور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. كما أن السياسات المتطرفة التي تلقى رواجًا في أوروبا الناشئة، يبدو أنها وجدت طريقًا جديدًا لتقسيم أوروبا.







#إقصاء الآخر
#أوروبا
#الاتحاد الأوروبي
#الحرب العالمية الثانية
#بروكسل
٪d سنوات قبل