ونرى بوضوح محاولات متتالية من تلك الدول لإقحام نفسها بالسياسة الداخلية لتركيا، ولكن من غير فلاح ونجاح، كما رأينا مؤخّرًا محاولاتها الفاشلة للتصويت بـ "لا" ضد الاستفتاء.
وردًّا على الاتفاق الذي عقده حزبا العدالة والتنمية (الحاكم) وحزب الحركة القوميّة المعارض لدعم التعديلات والنظام الرئاسيّ؛ عادت بالمقابل تلك الدول بشكل واضح وسافر التصويتَ لصالح التعديلات وتحويل تركيا إلى نظام رئاسيّ، مستهدفةً شخص الرئيس التركيّ أردوغان ومدّعيةً أنّه يمهّد بذلك لحكم ديكتاتوريّ. وقامت على دعم حملة "لا" مقابل مواجهة فاضحة لحملة "نعم" في دول تدّعي الديمقراطية، حيث ضيّقت على الداعمين للتعديلات والنظام الرئاسيّ، كما منعت وزراء أتراك من الاجتماع مع جاليتهم التركية بدول أوربية على رأسها ألمانيا وهولندا.
على سبيل المثال قامت هولندا بمنع وزيرة الأسرة والضمان الاجتماعيّ فاطمة بتول صايان كايا من التوجّه لسفارة بلدها تركيا بالأراضي الهولندية، ولم تكتفِ بذلك بل واجهت الشرطةُ الهولندية بالكلاب والخيول الجاليةَ التركية التي اعترضت على هذه التصرّفات الشنيعة بحقّ وزيرة بلدهم.
أيضًا ألمانيا بينما قامت بإلغاء اجتماع وزراء أتراك مع جاليتهم، أعطت الضوء الأخضر بالمقابل لأنصار منظمة بي كا كا الإرهابيّة بالتجمّع لدعم حملة "لا" ضدّ التعديلات، كما دعمت حملات ضدّ التعديلات نظّمها حزبا الشعب الجمهوريّ، والشعوب الديمقراطيّ المعارضان.
وأخيرًا لو نظرنا إلى سويسرا نجد أنّها اعطت الإذن لتجمّع نظّمه أنصار بي كا كا الإرهابيّة لدعم حملة "لا" ضد التعديلات، وقام المحتشدون برفع صورة للرئيس التركيّ أردوغان وبجانب رأسه مسدّس مرفق بعبارة اقتلوا أردوغان، وذلك تحت حماية الشرطة السويسرية، وادّعت أنّها ستفتح تحقيقًا بهذا ولكن لم نشهد أيّ شيء سوى الكلام.
لم يقتصر العداء في المجال السياسيّ تجاه تركيا من قبل بعض الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا، النمسا، هولندا، وسويسرا، بل مع المعيار السياسي المزدوج هناك زخم إعلاميّ أوربيّ غير مسبوق ضدّ تركيا ورئيسها أردوغان ومحاولات للتأثير على قرار الشعب التركي في تصويته على التعديلات الدستورية.
بعد صدور نتيجة الاستفتاء الشعبيّ بفوز "نعم" لصالح التعديلات الدستورية والنظام الرئاسيّ على "لا" الرافضة لها، حاول الاتحاد الأوربيّ جاهدًا للتأثير على هذه النتائج بشكل مباشر أو غير مباشر.
حيث لو نظرنا إلى المواقف المتوافقة للدول الأوربية تجاه نتيجة الاستفتاء وجدنا محاولات واضحة للتأثير على نتيجة الفوز، من خلال تصريحات لمنظمة الأمن والتعاون الأوربي تفيد أنّ "حملة الاستفتاء جرت وسط عدم تكافؤ للفرص بين الفريقين" أو "لم يكن الاستفتاء بشكل عام على مستوى معايير مجلس أوروبا". أو كما شدّدت المفوضية الأوربية على ضرورة السعي للتوصّل إلى توافق وطنيّ واسع بشأن تعديلاتها الدستورية في ضوء الفارق البسيط بين مؤيّدي التعديلات ومعارضيه في الاستفتاء. وأخيرًا مجلس أوروبا يرى أنّ على القيادة التركية أن تفكذر بعناية بشأن خطواتها القادمة بالنظر إلى النتيجة "المتقاربة" في الاستفتاء.
في بريطانيا جرى استفتاء شعبيّ بشهر يونيو/حزيران 2016 بشأن عضويتها بالاتحاد الأوربيّ وتمخّضت النتيجة عن 51.9 "نعم" للانضمام، مقابل 48.1 "لا" وهي بحد بعيد تشبه نتيجة الاستفتاء الشعبيّ اذلي حصل مؤخرًا بتركيا.
ونفس الشيّ في سويسرا جرى استفتاء شعبيّ في 2014 بشأن الحدّ من سايسة الهجرة وخرج بنتيجة 50.3 "نعم، مقابل 49.7 "لا".
في الدنمارك جرى استفتاء شعبيّ في 2015 لتحديد علاقتها بالاتحاد الأوربيّ وخرج بنتيجة 53.1 "نعم، مقابل 46.9 "لا" .
ولو تعقّبنا ردود فعل دول الاتحاد الأوربيّ عقب نتائج هذه الاستفتاءات الشعبيّة وجدنا أنّه لم تخرج أيّة تصريحات رافضة أو مشكّكة أو قلقة أو مثيرة للخلافات، إذن لماذا تغيّرت الآن ردود الأفعال علمًا أنّ نتائج الاستفتاء متقاربة، الجواب لأنّ الاستفتاء جرى في دولة تُزعج الاتحاد الأوربيّ اسمها "تركيا".