|

تجارة الرقيق.. هل تُسقط تمثال "جيفري" في لندن؟

نشطاء يطالبون بإزالة تمثال عمدة لندن تاجر الرقيق، روبرت جيفري (1613-1703)، من فوق مدخل متحف "ذا هوم".. بينما تتمسك الحكومة والمتحف بالاحتفاظ به في مكانه مع ذكر توضيحات بشأن تاريخه

09:48 - 30/07/2021 الجمعة
تحديث: 09:55 - 30/07/2021 الجمعة
الأناضول
تجارة الرقيق.. هل تُسقط تمثال "جيفري" في لندن؟
تجارة الرقيق.. هل تُسقط تمثال "جيفري" في لندن؟

تحولت واجهة متحف في منطقة "هوكستون" بالعاصمة البريطانية لندن إلى ساحة معركة غير متوقعة، إثر مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، العام الماضي، على يد شرطي أمريكي، في حادثة مروعة أثارت احتجاجات داخل الولايات المتحدة وفي بقية أنحاء العالم، بعنوان "حياة السود مهمة".

ويدور خلاف مستمر في هذا المكان السلمي حول ما إذا كان يجب إزالة تمثال لروبرت جيفري (1613-1703)، وهو تاجر شغل عام 1685 منصب عمدة لندن، حيث يوجد تمثاله فوق المدخل الرئيسي لمتحف "ذا هوم".

ومنذ مقتل فلويد، في مايو/ أيار 2020، سلط نشطاء محليون الضوء على الجانب السلبي لحياة جيفري ونشاطه في تجارة الرقيق في إفريقيا، حيث جمع جزءًا كبيرًا من ثروته من الاتجار بالسود مع شركتي "الهند الشرقية" و"رويال أفريكان" في القرن السابع عشر.

وكان جيفري مستثمرًا في أعمال الرق عبر المحيط الأطلسي، وتم إدراجه ضمن قائمة الأعضاء المؤسسين لـ"رويال أفريكان" عام 1672، وفقًا لقاموس أكسفورد الرسمي للسيرة الوطنية.

كما تُظهر السجلات أن جيفري، الذي شغل أيضا مناصب عليا عديدة في لندن، كان لديه استثمار كبير في تجارة الرقيق.

** لماذا تمثال جيفري؟

حتى وقت قريب، كان متحف "ذا هوم" يُعرف باسم "متحف جيفري"، لأنه يقع في "منازل الصدقات"، التي تعود إلى القرن الثامن عشر، وهي منازل بُنيت للفقراء والمحتاجين في بريطانيا، بتمويل من جيفري.

وتمثال جيفري هو نسخة تعود إلى القرن العشرين من النسخة الأصلية لعام 1723، ويوجد فوق مدخل المتحف منذ عام 1912.

كما يوجد نصب تذكاري لجيفري وزوجته داخل كنيسة صغيرة في المتحف، بناءً على وصية جيفري.

وفي يوليو/تموز 2020، بعد تدمير المتظاهرين لتمثال إدوارد كولستون، عضو البرلمان وتاجر العبيد في مدينة بريستول جنوب غربي إنكلترا، سُئل الجمهور عن آرائهم في استشارة عامة حول إمكانية إزالة تمثال جيفري.

وبالرغم من أن الغالبية العظمى من الجمهور (71 بالمئة) فضّلت إزالة التمثال، إلا أن هذا لم يكن كافيًا للمتحف كي يزيله، على عكس متحف دوكلاندز في لندن، الذي أزال، في يونيو/ حزيران 2019، تمثال روبرت ميليغان، تاجر رقيق آخر.

وقال القائمون على المتحف للأناضول: في ضوء التشريع الجديد، الذي اقترحته الحكومة في يناير/ كانون الثاني 2021، لحماية الآثار التاريخية المعرضة لخطر الإزالة أو النقل، يعتقد المتحف أن قراره الأصلي هو الخيار العملي الوحيد في المستقبل المنظور، في إشارة إلى قراره "وضع توضيحات" حول حياة جيفري بدلًا عن إزالة التمثال.

وأضاف المتحف أن: الجدل الدائر حول تمثال جيفري يثير أسئلة مهمة. والمتحف مستمر في الاستماع بعناية إلى جميع القضايا المثارة حول الموضوع، وملتزم بالانفتاح على تاريخ جيفري في المتحف وعبر الإنترنت، ومواجهة الحقائق غير المريحة حول مباني المتحف والتعلم منها.

** رحلات الرق

امتلك جيفري أسهمًا في شركة "رويال أفريكان" وامتلك بشكل جزئي سفينة الرقيق "تشاينا ميرشانت"، بحسب لساشا سيميك، عضو في مجموعة "هاكني ضد العنصرية"، التي تناضل من أجل إزالة التمثال.

وقال سيميك للأناضول إن هذه الشركة "أرسلت أكثر من 500 سفينة رقيق إلى غربي إفريقيا بين 1672 و1713، واستعبدت الناس من منازلهم في بنين ونيجيريا وغامبيا وغولد كوست (إلى الشرق من ساحل العاج)".

وأضاف: "تم انتزاع هؤلاء الأشخاص من منازلهم وبيعهم إلى أصحاب المزارع في باربادوس وجامايكا ونيفيس وفيرجينيا وأنتيغوا".

وذكر سيميك أنه وفقًا لبحث أجراه عالم الآثار، شون كينقسلي، سيرت "رويال أفريكان" 279 رحلة بين 1672 و1713، تم عبرها تهريب أكثر من 65 ألفا و400 إفريقي إلى منطقة البحر الكاريبي، وتوفي خلالها نحو 14 ألفا و700 شخص على متن سفن العبور الضيقة والمليئة بالأمراض، حيث تم التعامل معهم على أنهم "سلع قابلة للتلف وليس كبشر".

وأوضح أن بريطانيا بنت ثروتها من تجارة الرقيق في شمال المحيط الأطلسي، حيث جمعت ثروة خلال 400 عام من تجارة الرق، التي أبعدت 12.8 مليون شخص عن منازلهم في غربي إفريقيا.

وقال سيميك إنه "يجب إزالة التمثال من البوابة وعرضه داخل متحف "ذا هوم"، الذي تم تغيير اسمه في ديسمبر 2019 من "متحف جيفري"، بعد تمويل الحكومة لأعمال التجديد بقيمة 18 مليون جنيه إسترليني (24.8 مليون دولار).

وأعرب عن اعتقاده بأن زوار المتحف يجب أن يكونوا قادرين على التعرف على ماضي جيفري الملوث بتجارة الرقيق.

وتابع: "نريد أن تُروى القصة بأكملها، وليس مجرد أسطورة تخبرنا أن جيفري كان "فاعل خير" ولا تخبرنا كيف جنى أمواله".

وأردف: "على أمناء المتحف إزالة التمثال وعرضه داخل المتحف، مع جعل (المعلومات عن) مشاركته في تجارة الرقيق أمرا متاحا وشفافا. يجب أن يُسمح للجمهور الزائر باتخاذ قراراته بشأن ما إذا كان تاجر الرقيق جيفري يستحق أن يُذكر بأنه فاعل خير".

** موقف المتحف

لكن ما يزال متحف "ذاهوم"، الذي يعرض أنماط الحياة المتغيرة في المنازل والحدائق البريطانية عبر القرون، متمسكا بقراره الأصلي بالاحتفاظ بالتمثال في مكانه الأصلي، لكنه يقول إنه "ملتزم ببرنامج تحويلي".

وأوضح المتحف للأناضول أنه يقَّيم أفكار حول ما يمكن أن يبدو عليه التمثال في حال تركه في موضعه الأصلي مع ذكر بعض التوضيحات.

وقال المكتب الإعلامي للمتحف، في بيان، إن "الخطوة الأولى هي تركيب لوحة بالقرب من التمثال تحكي تاريخًا كاملًا لجيفري، بما في ذلك استثماره في العمل القسري وتجارة الأفارقة المستعبدين، والاعتراف بأن التمثال موضوع للكثير من النقاش".

وأضاف أن المتحف ملتزم ببرنامج تحويلي لعمل تغييرات هيكلية وثقافية ليصبح التمثال شاملًا، خاصة مع العروض الجديدة، والبرمجة الإبداعية، والشراكات، والقوى العاملة التي يملكها المتحف.

** ضغوط حكومية

وزعم سيميك أن وزير الثقافة، أوليفر دودين، "هدد" بأنه في حال قرر مجلس المتحف إزالة التمثال، فإن تمويل المتحف "سيتأثر".

وبينما لم يرد دودين على طلب الأناضول، عبر بريد إلكتروني، للتعقيب على هذا الادعاء، رفض المتحف التعامل مع الادعاء بشكل مباشر، لكنه قال إن إبقاء التمثال في مكانه هو "موقف الحكومة".

وأضاف المتحف أن "القرار الأصلي لمجلس الإدارة تم اتخاذه تماشيًا مع موقف الحكومة بأنه لا ينبغي إزالة التماثيل، ولكن يجب ذكر توضيحات في مكانها نفسه، لسرد القصة الكاملة لماضي بريطانيا".

واعتبر سيميك أن التواصل بين دودين والمتحف جعل خطر تدخل الحكومة واضحًا جدًا.

وقال: "في إشارة إلى العواقب المحتملة إذا تم نقل التمثال، ذَكَّرَ دودين مجلس أمناء المتحف بأنهم "منظمة تمولها الحكومة". كما تلقى المتحف رسالة متابعة من قسم الأعمال الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة طلبت منهم إعادة صياغة بيان حول التمثال، بحيث تمت إزالة الإشارات إلى تدخل دودين المباشر مقابل إشارة غامضة إلى "الوكالات الحكومية ذات الصلة".

** "يجب أن يسقط"

وقال سيميك إن "الذين يقولون إن جيفري يجب أن يسقط (#GeffryeMustFall) متهمون بالرغبة في "إلغاء الثقافة" و"إعادة كتابة التاريخ"، لكن دودين ووزير الإسكان، روبرت جينريك، وحكومة رئيس الوزراء، بوريس جونسون، هم من يريدون إخفاء وتشويه التاريخ".

وشدد على أن "هذه حركة لن تتوقف"، فإذا كان بإمكان مدينة لندن والمتحف البريطاني إزالة آثار تجار الرقيق، فلماذا لا يستطيع متحف "ذا هوم"؟

وأكد على أنه "يجب أن يسقط جيفري، وسيسقط".

#الولايات المتحدة
#جورج فلويد
#لندن
#منطقة هوكستون
٪d سنوات قبل