|
التجهيل .. سلاح للسيطرة على الشعوب

في عام 2008 وقف كاتب الخيال العلمي الأمريكي الشهير "راي براد بيري" متحدثا عن أهمية القراءة أمام الصندوق الوطني لدعم الفنون فقال:


 "إذا كنت تعرف كيف تقرأ، تكون أكملت تعلمك عن الحياة، ومن ثم تعرف كيف تعطي صوتك في سياق الديمقراطية، ولكن إذا لم تكن تعرف كيف تقرأ، فإنك لن تعرف كيف تقرر، وهذا هو الشيء الأهم في بلدنا، نحن قراء ديمقراطية ويجب ان نحافظ عليها على هذا النحو".


وقال يوما: "لا تحتاج لإحراق كتب شعب لتدمر ثقافته، تحتاج فقط إلى جعل الناس تتوقف عن قراءة هذه الكتب".


سيتنهد الكثيرون وهم يقرأون هذه العبارة وهم يرونها مطبقة تماما في واقعنا العربي والإسلامي، بل وزاد عليها "أن تجعل الكاتب عاجزا عن نشر ما كتب"، وقد تأخذهم الأفكار لاتهامات شتى تبرر أصل المشكلة، كالقول الدارج بأن: "أمة اقرأ لا تقرأ"، وهو قول ينافي و يصدق الواقع في ذات الوقت، والأصح أن نقول بأن أمة اقرأ لا تجد سبيلا للقراءة، وذلك لأسباب كثيرة.


تشير أصابع الاتهامات مباشرة نحو الحكومات التي تسلمت البلاد بعد تفكك الدولة العثمانية، والتي بدأت بحكومات استعمارية تلتها تلك العميلة، فكان كان تجهيل الشعب وإبعاده عن ثقافته وحضارته والعلوم والقراءة بشكل عام إحدى المهمات الملقاة على عاتقها، إلى جانب مهماتها الأخرى طبعا في إفقار تلك الشعوب، وسرقتها، ومنع بوادر أي نهضة، وطمس الشخصيات المؤثرة والصادقة وتغييبها عن الواقع، وإبراز ودعم العملاء والمدعين المنضوين تحت ألويتها، ومهام أخرى كثيرة ليس أخرها محاربة الإسلام واللغة العربية طبعا.


وقد اتبعت لتنفيذ هذه المهمة أساليب عدة بدأت من المناهج المدرسية الموجهة والمحبطة التي تقتل الإبداع والرغبة في مواصلة طريق التعلم معاً.


سيطرت تلك الحكومات على منافذ النشر ونجحت لفترة ليست بالقليلة في تغييب الشعوب وتوجيهها إلى أن بدأ عصر الانترنت، ودمرت الأسوار التي تحول بين الفرد والمعلومة، وبين الأفراد أنفسهم.


تم كذلك تمييع وتضييع حقوق الكاتب فيما بينه وبين دور النشر، فلا يكاد يستطيع أن يتحكم في أمر الكتاب، ولا يعلم كم طبع منه، وكم بيع، فلا قوانين تمكنه من السيطرة على كتابه، والمحاكم تأخذ وقتها الطويل، وتستجر الأموال بحسبة متعمدة لزيادة تمييع القضايا، وهو أمر لا تكاد تجد كاتبا عربيا لا يشكو منه


 كما أنه من المعروف لدينا أن الكتب التافهة وغير ذات القيمة هي التي يتعمد تسويقها بقوة، لتغيير ذائقة الشعوب، فضلا عن إبقائها في الدائرة البعيدة عن الثقافة الحقيقية، والعلم، والتاريخ، وكل ما يقلق الحكومات.


التضييق على الكاتب العربي تم أيضا بترك الأسعار والتسعيرات بيد أصحاب المؤسسات ودور النشر لتمكينها من استغلال الكاتب وبالتالي عزوفه عن الكتابة، نظرا لحاجته لعمل غير الكتابة يؤمن له قوت يومه، وأيضا لما يعانيه من إحباط نتيجة ما يقع عليه من ظلم وسرقة لحقوقه أمام ناظريه دون أن يتمكن من فعل شيء لاسترداده.


لم يتم استثناء أي كاتب من التضييق والمراقبة والتهديد بالاعتقال، إضافة للإقصاء والتجاهل، فقد كان خوف الحكومات من كل كاتب أن يتحول إلى وقود لثورة تقض مضاجعهم، فالفكر مرشح للتحول والتأثير في الجماهير، كما حدث مع سيد قطب الذي بدأ أديبا رومنسيا، ثم ناقدا أدبيا، ثم كانت مقالاته اللاذعة وفكره الذي مهد به لتحولات كبيرة في العالم العربي والإسلامي.


في هذه المرحلة الهامة من مراحل تاريخ الأمة أعتقد جازمة أن علينا معشر الأدباء أن نتخذ زمام المبادرة، وأن لا نترك حركة النشر مرهونة بالتجار، والعملاء، وأصحاب الأجندات المعادية للفكر والدين، فننسى تنافسنا ونتحد لإنشاء دور نشر تضمن جودة ما نقدمه للأجيال ومتعته على أقل تقدير، وتضمن حقوق الكاتب كأضعف الإيمان، وأن نعتبرها رسالة نقدمها للأمة دون أن نتجاوز فكرة الربح المادي بالتأكيد، والتي مهما بلغت ستكون أرحم بنا و بالقارئ مما تفرضه الدور التجارية.


الأمر الأهم في هذا العمل هو الدعاية التي تستهدف الكتب المفيدة والناصعة والجيدة، نبذ نشر تلك السطحية التي لا تبارح فكرة الطهو، أو طرق الحصول على النصف الثاني، والرومنسيات الخيالية التي تذهب بعقول الأجيال، رغم تأكدي بأن الكتابة في الحب أمر يصقل الذائقة والنفس، لكن دون أن نتنازل عن قيمنا بالتأكيد، وأن نقنع ما استطعنا رؤوس الأموال بالتقدم نحو المشاريع الهادفة، وأن لا نتوقف لو شحت الموارد بل نسدد ونقارب.


وأخيرا أن نبدع ولا نقلد، فقد حضرت يوما جلسة لمدير إحدى دور النشر كان قد جلب معه خلالها حملا من الكتب الأكثر مبيعا في السوق و قام بتوزيعها على كتاب مبتدئين طالبا منهم النسج على منوالها، وهو أحد أسرار فشلنا عربيا في النشر و لعل نصيحة كاتبنا الصريح الصاخب المبدع "راي براد بيري" تنفعنا مرة أخرى حيث يقول: "كن مَن أنت، شارك عطاياك الفريدة مع العالم، وتأكد بأنك إن رحلت، لن يكون هنالك شخص يشبهك أبداً".

#الشعوب
#سلاح
#التجهيل
7 yıl önce
التجهيل .. سلاح للسيطرة على الشعوب
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان