|
لا يمكن مواجهتنا بالذباب الإلكتروني

بدأ مفهوم "الذباب الإلكتروني" المقترن بوسائل التواصل الاجتماعي، يحتل حيزًا مهمًا في حياتنا اليومية. ووصلت النقاشات المتعلقة بزعم المعارضة أنها ضحية هجمات "الذباب الإلكتروني"، تأخذ منحى متصاعدًا نحو القمة.

قبل ذلك، دعونا نسأل؛ ما هو "الذباب الإلكتروني"؟ وكيف دخل إلى حياتناومن يهاجم من؟ وما الهدف النهائي من هذه الهجمات؟ دعونا نسأل أنفسنا هذه الأسئلة، مع نظرة تحليلية نحو التاريخ القريب.

نحن جيل شهد نوعًا من التصيد من قبل وسائل الإعلام الدولية مع مشاهد عنوانها "إيجاد النفط" إبان حرب الخليج الأولى. ولذا يمكنني القول أننا نتمتع بتجربة في هذا الصدد.

حينما ننظر للتاريخ القريب نجد أن أكثر الفترات التي تعرضنا فيها للتصيد، كان خلال أحداث "غيزي بارك" 2013. كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالأكاذيب كل ثانية. وكانت وسائل الإعلام من حدب وصوب حول العالم تريد التقاط الصور والمشاهد لما يجري في إسطنبول وتصويرها بشكل مختلف للغاية أمام أعين العالم.

أما المعارضة فكانت تلتقط هذه الأكاذيب وتتعامل معها وكأنها حقيقة لا تقبل التشكيك، وتمارس سياستها من خلال هذه الأكاذيب، وتضحك على المجتمع. في الواقع كانت معارضتنا تشعر بنشوة خلال استخدام هذه الأكاذيب أمام الشعب، مما يعطينا صورة أي نوع من المعارضة تلك التي نواجه.

حينما كنا نستمع لجزء من أكاذيب هذا التصيد آنذاك من البعض، كنا نشعر بدهشة لا يمكن إخفاؤها.

الأمر لا يختلف كذلك مع المحاولة الانقلابية الأولى لمنظمة غولن الإرهابية، في 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013، وما جرى خلالها من تصيد وهجمات كاذبة عبر مواقع التواصل. كان أعضاء وأتباع المنظمة الإرهابية يملؤون مواقع التواصل بأكاذيب بناء على رؤيا رآها زعميهم الإرهابي فتح الله غولن.

لكن المثير للأمر هو أن هؤلاء الذين يشتكون اليوم من هجمات الذباب الإلكتروني كانوا أكثر من صفق وساهم في نشر الأكاذيب التي باعتها منظمة غولن الإرهابية في ذلك الحين.

بل إن وسائل الإعلام والصحف التابعة لحزب الشعب الجمهوري، تحولت إلى ناطق رسمي باسم المنظمة والذباب الإلكتروني التابع لها.

أولئك الذين فعّلوا زر التنبيه في تويتر لحسابات تتبع منظمة غولن الإرهابية في ذلك الوقت، ليكونوا على اطلاع مباشر على ما تنشره من أكاذيب، لدرجة أنهم باتوا يربطون عناوين صحفهم بما يصدر عن تلك الحسابات أولًا، لتكون مناسبة لها.

هؤلاء أنفسهم نجدهم اليوم يشتكون من الذباب الإلكتروني ويعتبرون أنفسهم ضحايا.

وبالمناسبة، هؤلاء الذين كانوا يعرضون مشاهد المونتاج والتحريف التي تصدر عن منظمة غولن الإرهابية، خلال جلساتهم الرسمية في الحزب، يعبرون اليوم عن انزعاجهم من نشر المشاهد المتلقطة من كاميرات المراقبة بإسطنبول، لحظة توجه إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول المعارض، لمطعم سمك مع السفير البريطاني، بينما كانت شوارع المدينة مغلقة بسبب الثلوج.

مثال آخر، حساب آخر يستخدم اسم "Jeansbiri”، ينشر تغريدات تبدو في الظاهر أنها لصالح حزب العدالة والتنمية، لكنه في الحقيقة ليس سوى حساب يتحكم به أحد أعضاء منظمة غولن الإرهابية. لكن قدم لقمة سائغة لإعلام المعارضة لتوجيه اتهامات للعدالة والتنمية، مما جعل صحيفة "جمهوريت" المعارضة، تزعم أن أعضاء العدالة والتنمية يدؤوا بالتسلح، مستخدمة تغريدات لهذا الحساب كدليل على ذلك.

زعيم الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو الذي اشتكى مؤخرًا من حملات ما وصفه بالذباب الإلكتروني، ظهر في فيديو من غرفة فندق سعر الليلة فيها 100 ألف ليرة تركية. بالطبع هو سياسي يمكنه قول ما يريد، لكن هل ما يقوله متوافق مع ما يفعله، هنا يجدر التفكير إذن.

كليجدار أوغلو هو أول سياسي يقول أن ما جرى في ليلة محاولة الانقلاب الخائنة كان مجرد مسرحية. ما الذي اعتمد عليه لقول ذلك؟ قال أنه اعتمد على معلومات ووثائق أرسلت إليه عبر بريد إلكتروني.

تخيلوا! زعيم سياسي معارض مثل كليجدار أوغلو يشكو من الذباب الإلكتروني، ويقع هو نفسه في أكبر مصيدة لهم، ويطلق مزاعمه الواهية بناء على بريد إلكتروني لا صحة له ولا اعتبارًا.

بما أنكم حساسون للغاية من قضية الذباب الإلكتروني، فأمامكم فرصة ثمينة لا تزال بانتظاركم. هناك مشروع قانون يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي تتم مناقشته داخل البرلمان التركي، يعني بوضع قانون خاص بما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تحريضات واستفزازات وأكاذيب وافتراءات وإهانات.

ولدي اقتراح في هذا الصدد، أن يتم حظر جميع الحسابات المزيفة والوهمية. فمواقع التواصل الاجتماعي ليست مكانًا لكل من فقد الشجاعة للكشف عن اسمه وماهيته. أما بالنسبة للحسابات المؤسسية فيوضع لها شرط المسؤولية.وما عدا ذلك تعلّق جميع الحسابات الوهمية والمزيفة.

على هذا القانون أيضًا أن يلزم منصات وسائل التواصل الاجتماعي لاتباع الشروط ذاتها. وتوضع لائحة عقوبات تدريجية تصل إلى الإغلاق النهائي بحق كل منصة ترفض الانصياع لذلك.

فإذا كانت المعارضة منزعجة بالفعل من الذباب الإلكتروني، فهيا إذن للعمل سوية لإنجاح هذا المشروع. وبخلاف ذلك فسيكون الأمر عبارة عن فوضى، فتارة تمارسون التصيد عبر الذباب الإلكتروني، وتارة تشتكون منها، هذا غير معقول. فلا يمنكم مواجهتنا بالذباب الإلكتروني.


#تركيا
#المعارضة التركية
#إمام أوغلو
#منظمة غولن الإرهابية
#الشعب الجمهوري
2 yıl önce
لا يمكن مواجهتنا بالذباب الإلكتروني
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن