|
العالم يتحول إلى نموذج سوري كبير، فهل نحن مدركون؟ تشكيل جبهة عالمية ضد أمريكا

معلوم أن القوي لا يعترف بقواعد اللعبة. لقد قلبت عمليتا درع الفرات وغصن الزيتون اللتان نفذتها تركيا المخططات التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في سوريا. ولو كانت تقاعست عن تنفيذ هاتين العمليتين، لكان حزام إرهابي قد شُكل من حدود إيران شرقا إلى البحر المتوسط غربا، ولكانوا قد حاصروا تركيا وعزلوها عن المنطقة، لتبدأ بعد ذلك هجماتهم في أعماق الأناضول.

واليوم توجد خطة للوصول كذلك إلى منبج وحماية وجود منظمة بي كا كا في الشرق والسيطرة على شرق الفرات. لكن هذا ليس وضعًا يمكن أن نقبله. أضف إلى ذلك أنّ هذا ليس تطورًا يجعلنا مضطرين للانحناء أبدًا. فلو صمتنا أمام ما يحدث في شرق الفرات ولم نطهر المنطقة الجنوبية حتى حدود إيران من العناصر الإرهابية ولم نتصدى صراحة للعناصر الأجنبية الموجودة في تلك المناطق؛ فسيستمر سيناريو الحصار والتدمير بالوتيرة ذاتها.

عفرين أفسدت المخططات، فنُقل الممر نحو الجنوب

إنهم يضعون المخطط بعد المخطط والحساب فوق الحساب. واليوم يحاولون وضع حجر الأساس لممر جنوبي يمتد من دير الزور إلى هضبة الجولان. يريدون تقسيم سوريا من المنتصف تماما إلى قسمين ليتمكنوا من تنفيذ مخطط الممر الجنوبي. وتشير المؤشرات إلى أن تنظيمات إرهابية جديدة يجري تشكيلها من أجل هذا الغرض. فالولايات المتحدة وإسرائيل تعمل على تأسيس تنظيمات إرهابية بهوية إسلامية، لوضع اللمسات الأخيرة على الاستعدادات لموجة استيلاء جديدة.

لقد غير تدخل قامت به تركيا المعادلة الإقليمية برمتها. وكنت قد كتبت في مقال سابق لي "عفرين ربما تكون مدينة صغيرة، لكنها ستفسد مخططات دولية كبيرة". وها هي قد أفشلتها حقا. فلننظر لما بعدها. لقد تغيرت الحسابات في شمال سوريا، وبرز مخطط فتح ممر وجبهة جديدة من ناحية الجنوب. كما أنهم بدأوا تنفيذ سيناريوهات مضبوطة لتتزامن مع ضرب إسرائيل للأراضي السورية ودخولها في صراع مع ايران في سوريا وهجوم أمريكا وفرنسا من ناحية الجنوب وإعادة الإمارات إشعال فتيل الحرب في سوريا.

لكن لو نسينا شرق الفرات واكتفينا بمنبج واعتبرنا أن الاتفاق في منبج يعتبر مكسبا، فإن التهديد سيقترب من جديد نحو الشمال، نحو حدودنا. وحينها سنخسر عفرين وكذلك هاتاي. لكن تركيا لن ترتكب هذا الخطأ أبدا؛ إذ ستبدأ التحركات بشكل كبير في المنطقة عقب انتخابات 24 يونيو/حزيران.

العالم يتحول إلى نموذج سوري كبير، فهل أنتم مدركون؟

انتبهوا جيدا لتحركات القوى والتحالفات والعداوات التي تشهدها سوريا. وفي الواقع، فالعالم بأسره يشهد الشيء ذاته الذي يحدث في سوريا. فالولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات تحاول كبح جماح إيران في المنطقة. فهذا صراع يحدث في سوريا، وقريبا سينقل إلى لبنان لتفتح جبهة لبنان هي الأخرى. ولقد كان إلغاء الاتفاق النووي الإيراني يخدم هذا الغرض. فالصدع العميق والصراع الموجودان أصلا بين خط أمريكا – إسرائيل وخط الصين – روسيا – أوروبا المركزية صارا أكثر خطورة بسبب هذا القرار.

لم تعترف ألمانيا بالحصار الأمريكي، وقررت التعاون مع الصين وإيران، وأما تركيا فقد أعربت عن رضاها عن قصد عن التباعد الذي حدث بينها وبين الولايات المتحدة. وأما رئيس الوزراء النمساوي فقد صرح قائلا "الولايات المتحدة ليست حليفا يعتمد عليه". ولقد عارضت كل أوروبا تقريبا القرار الأمريكي، ليظهر أمامنا خلاف حاد بين بروكسل وواشنطن.

إن التحزب الذي تشهده سوريا اليوم يشبه إلى حد بعيد حالة التحزب التي يعيشها العالم، وبمرور الوقت سيصير الاثنان وجهان لعملة واحدة. ولهذا فقد تحول كل مكان في العالم إلى نموذج من سوريا. وربما يكون معظمنا ليس مدركا لهذا، لكن مختلف مناطق والأوساط السياسية والعسكرية حول العالم تحولت إلى نماذج من سوريا.

أمريكا المعزولة والخطيرة تتحول إلى تهديد ذو أولوية

لقد صارت معارضة أمريكا علامة مسجلة في العديد من المناطق حول العالم في الصين وروسيا وتركيا ودول أوروبا المركزية وأمريكا اللاتينية ومعظم دول آسيا والمحيط الهادئ وجنوب شرقي آسيا، أي في الحزام الممتد من تركيا غربا إلى إندونيسيا شرقا. ومن يقولون آن تركيا صارت "معزولة"، عليهم أولا أن يلقوا نظرة على هذه العزلة. فمن عزل هي الولايات المتحدة، وهذه العزلة ستزيد سريعا.

ذلك أن الولايات المتحدة أضرت تقريبا بجميع دول العالم وشعوبا العام. وها هي اليوم تزيد عدوانيتها كلما زادت عزلتها، ولهذا فقد أصبحت أبرز تهديد يحدق بالعالم. وهناك العديد من الدول والقوى والأوساط والتحالفات التي تسعى جاهدة لإيجاد طريقة تصفية لهذه القوة قبل أن تتسبب في انهيار كبير. لأن الغالبية الساحقة من المشاكل الإقليمية والعالمية التي تحدث في عالم سببها وجود أمريكا وما تفعله.

دعوة ميركل، ألمانيا تتأهب:
تقلبات القوى تصل إلى حد الخطر

علينا الانتباه إلى خريطة القوى العالمية التي يتم رسم ملامحها حاليا. ولقد صرنا على علم بأن الولايات المتحدة والغرب قد تراجعا وأن النهاية التاريخية بالنسبة للغرب قد حانت. فإذا كان الأمر كذلك، ينبغي لنا أن نسعى لنتعلم كيف سترسم ملامح العالم ومنطقتنا وكيف سنتخلص مما نحفظه منذ عقود.

لقد دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس أردوغان لزيارة برلين عقب انتخابات 24 يونيو/حزيران، وهو ما يشير إلى وجود حالة طارئة. فألمانيا، التي لا تحمل أدنى شك بشأن نتائج الانتخابات التركية، تشعر بالهلع بشأن حدوث تقلبات في القوى واسعة النطاق على المستوى العالمي. وكانت السعودية قد فرضت حظرا على الشركات الألمانية، فبدأت برلين تتحرك التعاون مع المحور الروسي – الصيني. وأما الشراكة التي تنفذها تركيا مع روسيا وإيران في سوريا فتتطابق مع الموقف الألماني الجديد. وهذا ما يشكل أساس دعوة ميركل لأردوغان.

رسم ملامح الجبهة الدولية المضادة لواشنطن

ولأقولها صراحة، فالعالم بأسره بدأت يتحزب ضد الولايات المتحدة، فكأننا نشهد تأسيس جبهة دولية مضادة لواشنطن التي صارت معزولة وخطيرة بعدما أظهرت ميلا للتصرف بشكل غير مسؤول بعيدا عن عقلانية الدولة، ما أفضى في نهاية المطاف إلى فقدانها توازنها.

إن أي دولة تتحرك بالتعاون مع الولايات المتحدة ستخسر. فهذا الإدراك الأساسي جعل العديد من الدول تبتعد عن المحور الأمريكي. وفي هذا السياق، فإن من يتحركون مع واشنطن في سوريا سيخسرون، وكذلك سيكون مصير من يحاولون تأسيس ممر من دير الزور إلى هضبة الجولان ومن يسعون لتوسيع مناطق نفوذهم من خلال منظمة بي كا كا الإرهابية.

فلننظر إلى سوريا جيدا، ففي الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى نموذج سوري كبير، فإن ملامح خريطة القوى العالمي ترسم وفق موقف كل دولة في سوريا. وأما أهم ما يجب على تركيا فعله حاليا هو التوجه نحو شرق الفرات مباشرة عقب الانتخابات. فبقدر زيادة وتعزيز وجودها في سوريا، فإن أنقرة ستتمتع بالكلمة الأولى على المستوى الدولي. وفي تلك الأثناء نشهد تشكيل جبهة معادية لتركيا تمولها الإمارات ويغلي بها العالم العربي. ولا ريب أن هذا المخطط كذلك سيدمر قريبا..

#إبراهيم قراغول
#سوريا
#تركيا
#الفرات
#أنقرة
#الإمارات
#العالم العربي
٪d سنوات قبل
العالم يتحول إلى نموذج سوري كبير، فهل نحن مدركون؟ تشكيل جبهة عالمية ضد أمريكا
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا