|
أنحن أمام "بيريسترويكا أمريكية"؟ العالم سيوقف واشنطن وسيشل حركتها

نحن أمام مجموعة من حالات الجنون الأشد خطرا من عهد جورج بوش الابن؛ إذ إننا نواجه موجة تبشيرية وهجمة من اليمين المتطرف الإسرائيلي وتهديد فاشي. أضف إلى أن هذا التهديد قادر على فرز نتائج أوسع انتشارا على مستوى العالم عن سابقه، فهو لا يستهدفنا نحن فحسب، بل يستهدف العالم بأسره، بل إنه يضرب حتى الداخل الأمريكي.

لقد تحول صراع القوى داخل الولايات المتحدة والعراك بين ترامب والنظام القائم في واشنطن إلى مشكلة عامة عالمية وأكبر أزمة تواجه البشرية حاليا. فطرفا هذا الصراع يتعاونا مع أكثر الأطراف تعصبا وراديكالية ليعزز كل واحد منهما جبهته في مواجهة خصمه. لدرجة أننا أصبحنا أمام ظروف استثنائية مواتية تصب في مصلحة المنحرفين من التبشيريين الذين تزيد قوتهم ويمتلكون زمام الأمور وكذلك إمكانيات تقربهم أكثر من معركة يوم القيامة. وهو ما يجعل، بل إنه جعل حقا، الولايات المتحدة وحربها الداخلية تهديد من المقام الأول بالنسبة للعالم وجميع شعوبه.

يعدون العدة لنوع جديد من الحروب الصليبية

في الظاهر فإن الولايات المتحدة تشن حربا اقتصادية ضد تركيا والدول الأوروبية وروسيا والصين ودول أمريكا اللاتينية، أي باختصار مع جميع دول العالم باستثناء بضع دول. وإن كانت هذه الحرب تبدو وكأنها حرب اقتصادية، فإنه ستفضي إلى نتائج سياسية وعسكرية وجيوسياسية، بل وستؤدي في الوقت نفسه إلى حالات من الدمار الشامل. بيد أنه في الوقت الذي تشن فيه واشنطن هذه الحرب فإنها تستغل الأوساط الدينية/المذهبية بينما تروج لهذه الحرب على أراضيها وتحاول استغلال قوة هذه الأوسط لتضيف صفة "المهمة الصليبية" على تلك الحرب، وهو بالتالي ما سيضاعف من موجة الدمار التي ستتمخض عن هذه التطورات.

لقد أدى جنون عهد بوش إلى العديد من الأحداث مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول واحتلال أفغانستان والعراق وتجارة الأسرى التي انتشرت في شتى ربوع المعمورة وظهور "مطاردة ساحرات" على المستوى العالمي وتنفيذ التعذيب بحب تعبّدي ونهب الكثير من الدول بل وتمزيق بعضها ووصول الصراعات العرقية والمذهبية إلى أبعاد لا يمكن السيطرة عليها. حينها كانت أمريكا في أوج قوتها ولم يكن أحد يستطيع الوقوف أمام إمكانياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية.

واشنطن تجرب آخر أوراقها أملا في إرجاء الانهيار

تغلبت الولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي وانتصرت في معركتها ضده ولم تترك أي قوة قادرة على الوقوف أمامها. أقدمت على امتلاك الدول والمصادر والقارات عملا بمنطق "هذا العالم بأكمله ملك لي!"، وبدأت تهاجم الجميع بجشع وجرأة وكبر لم يسبق لهم مثيل.

كانت ستؤسس "القرن الأمريكي الجديد" لتسيطر على العالم بأسره. ولقد كانت هجمات 11 سبتمبر/أيلول وكذلك احتلال الدول والحروب الأهلية التي تلت هذه الهجمات موجهة في المقام الأول لتعزيز هذه السيطرة. لكن بعد مرور وقت قصير أدرك العالم حدود القوة السياسية والأخلاقية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وهو ما وضع نهاية لـ"الحلم الأمريكي" و"القرن الأمريكي الجديد"، وحينها بدأت العزلة الأمريكية وصار حتى جنون منحرفي المحافظين الجدد لا فائدة ترجى من ورائه.

لقد دفعت هذه التطورات الولايات المتحدة للتخلي عن حلمها بالسيطرة على العالم وجعلتها تحاول حماية نفسها عن طريق الانعزال، بل وتبذل كل ما بوسعها لإرجاء تراجعها بل وانهيارها. إن واشنطن تحمي اقتصادها وتطلق التهديدات بقوتها العسكرية لتلعب بآخر أوراق إمبراطورتيها. وعلى عكس عهد بوش، فإن ترامب لا يسعى للسيطرة على العالم بقدر سعيه لحماية بلاده. إلا أن الصراع الداخلي والحرب الضروس الناشبة بين جماعات السلطة الداخلية في واشنطن تزيد من استهلاك الطاقة الأمريكية.

"بيريسترويكا أمريكية" أكثر عزلة وأقل ثقة

لا نعلم حتى اللحظة من سيخرج منتصرا من تصفية حسابات القوى بين ترامب والنظام القائم في واشنطن، لكن ترامب ربما يدخل التاريخ من خلال "بيريسترويكا أمريكية". وبغض النظر عن الفائز، فلا شك أن الولايات المتحدة هي من سيخسر في النهاية.

ذلك أننا لم نعد أمام الولايات المتحدة التي كانت في بداية الألفية الثالثة، كما لم يعد هناك عالم تلك الحقبة. لقد أصبحنا أمام وعي مشترك سيحول دون تحرك واشنطن بفظاظة في كل بقعة من بقاع العالم. ولقد اعتبر هذا الوعي الولايات المتحدة خطرا بالنسبة للعالم بأسره، اعتبرها تهديدا يسيء استخدام الدولار والاقتصاد وكل القوى التي يمتلكها، ويتعاون مع التنظيمات الإرهابية، ويعلن الحرب على الكيانات فوق الوطنية، ويؤثر أن يدمر كل شيء موجود بدلا من أن يكون واحدا من القوى التي تؤسس النظام العالمي.

ربما نكون نشهد للمرة الأولى صعود قوى جديدة في مواجهة واشنطن والمحور الأطلسي بعد أربعة قرون؛ إذ لمك يكن هناك شيء كهذا من قبل، ولم يكن هناك أي صعود لقوى قادرة على تحقيق التوازن مع الغرب حتى أيام الحربين العالميتين. لكننا تلك القوى صارت موجودة وأصبحنا نشهد تغير خريطة القوى العالمية بأكثر أشكال التغير شراسة.

العالم سيوقف واشنطن وسيشل حركتها

إن مركز الثقل العالمي يتحرك ببطء إلى خارج الكيان الأطلسي. ولأن أمريكا تعلم ذلك، فإنها تحاول بشتى الطرق وبجنونية وبكل ما أوتيت من قوة فعل أي شيء للحيلولة دون الانتقال من حقبة الركود إلى عصر التراجع. لكنها ستفشل هذه المرة وستصير أكثر عزلة وستفيد قوتها بمرور الوقت.

سيوقف العالم الولايات المتحدة أكثر وسيضيق الخناق عليها وسيشل حركتها. ستقطع أيديها في العديد من مناطق العالم التي ستشهد ظهور قوى جديدة في مواجهتها، وستتحرك جميع الدول بشكل أسرع ومصمم للابتعاد عن واشنطن. وأما أولئك الانتحاريون الذين يهددون العالم بأكمله فسيفجرون أنفسهم في نهاية المطاف..

لكن التاريخ قد عاد وعدنا من جديد

لقد ظهرت تصفية الحسابات بين واشنطن وأنقرة في ظل هذه الظروف، لقد أصبحت تركيا صوت حالة تفكك على المستوى العالمي، فأعلت صوتها بشكل متجانس مع تحركات القوى الحالية. فالهجمات الاقتصادية التي تستهدف تركيا هي جزء من تصفية الحسابات وانتقال السلطة بين القوى العالمية.

لكن التاريخ قد عاد وأصبحنا في مرحلة صعود، سنصعد لا محالة وسنقترب من القوى الصاعدة وسنحجز لأنفسنا مقعدا أكثر مركزية في عالم المستقبل. فليهددونا كيفما يشاؤون، وليهاجمونا كيفما يحلو لهم، فنحن لا نهتم بقدر شراسة تصفية الحسابات، فإننا من سينتصر، لأن عهد الصعود قد بدأ وبدأنا من جديد بعد مرور مئات السنين..

#أمريكية
#واشنطن
#تركيا
٪d سنوات قبل
أنحن أمام "بيريسترويكا أمريكية"؟ العالم سيوقف واشنطن وسيشل حركتها
وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في إنقاذ ترامب
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية