أتظنون أنّ الحرب الذي أطلقها وليّا العهد السعودي محمد بن سلمان، والإماراتيّ محمد بن زايد ضدّ تركيا مقتصرة على قضية جمال خاشقجي؟
لقد بدأت معركتهم مع تركيا منذ وقت طويل، بدأت بالحرب في سوريا، بدأت بشرق الفرات، بدأت بالمحور "الإماراتي – السعودي – المصري – الإسرائيليّ" الذي أقيم ليعادي تركيا، وأمّا جريمة خاشقجي فقد كانت حيث ارتكبوا "خطأ" وألقي القبض عليهم متلبسين بالجرم.
إذا كنا عاجزين عن رؤية إلى أين سيصل مدى هذه الهجمات وتلك الحرب المعلنة ضدّ بلدنا، فعلينا –على الأقل– أن نركز على ما يحدث هذه الأيام، أن نركز على ما يحدث في منطقتنا وما يأتينا من الغرب والتحرّكات التي يشهدها الداخل التركي والحملة السرية التي يخوضونها من خلال وسائل الإعلام.
علينا أن نرى اقتراب هذه العاصفة، أن نعي أنّ حجمها يكبر، أن ندرك أنها تُوجّه نحو بلادنا. وفي هذا السياق فإنّ جريمة خاشقجي تتسبب في إصابتنا بالعمى من ناحية في حين أننا نمتلك معلومات خطيرة بشأنها، ذلك أننا نظنّ أنّ القضية قاصرة على هذه الجريمة.
واليوم فإنّ وليّي العهد نفسيهما والدول ذاتها وساداتهم على المستوى العالمي ينثرون بذور الحرب ويوسعون نطاقها ويحولونها لحرب معلنة. إنهم يطلقون حملة عالمية تستهدف تركيا بشكل مباشر. وستأتي موجات أقسى من خلف هذه الحملة، كما ستأتينا محاولات ذات محاور سياسية وأمنية، وسيغذون بعض الموجات الداخلية كذلك.
إنّ هذه الحملة تضم كل الدول والقوى التي وقفت خلف محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 يوليو/تموز، تضمّ كيانات مثل وقف سوروس ووقف كونراد أديناور، تضمّ أوساط رأس المال التي أغرقت تركيا لسنوات في بحور الإرهاب وسعت لتدميرها من الناحية المالية، تضمّ منظمات إرهابية مثل غولن وبي كا كا، تضم وليّي عهد السعودية والإمارات، كما تتضمن عداوة لامحدودة لتركيا وسيناريوهات الحرب التركية – العربية التي يغذونها بكل حماقة وغباء.
إذا كنا عاجزين عن رؤية الهجوم الدولي الموجه إلى بلدنا من خلال وليّي العهد هذين ومراحل هذا الهجوم في منطقتنا وشركاء "تحالف الشر" ذلك داخل تركيا والتحركات التابعة لهم، فهذا يعني أننا على وشك أن ندخل مرة ثانية "غير مستعدين" في خضم هجمات صريحة مثل أحداث متنزه غيزي أو محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز الفاشلة.
إنّ وليي عهد السعودية والإمارات قد أعلنا الحرب صراحة على تركيا، كما أنّ القوى الداعمة لهما تخوض حربًا غير مباشرة بواسطتهما. فبالتزامن مع هجمات وليّي العهد هذين تدار هجمات المنظمات الإرهابية ونوايا 15 يوليو/تموز ومخططات حصار تركيا من ناحية الجنوب.
إنّ هجمات وليّي العهد هذين تسهم في تصوير الأوضاع داخل تركيا وكأن بعض محاولات البحث تكمل بعضها بعضًا. ولا يخفى على أحد أن العبارات المستخدمة في المقالات الصحفية وعلى شاشات التلفاز؛ صادرة عن المصدر ذاته من خلال هجمات هذين الرجلين. ويكفيكم فقط أن تنتبهوا وتتتابعوا الأمور بعناية وسترون ما سيحدث خلال المرحلة المقبلة.
يزعمون أن تركيا تختطف أفراد منظمة غولن الإرهابية من كل مكان في العالم وتنقلهم على متن طائرات خاصة إلى سجون سرية. فهم يطلقون حملة تُروّج من عدة دول في أوقات متزامنة وتنشرها الأوساط ذاتها وتمولها المراكز عينها. فهذه الحملة تنظمها الجهات التي لها دور في كل الهجمات التي تستهدف بلدنا تركيا، كما تمولها الجهات التي يعلمها الجميع.
إن هذه الطريقة كانت طريقة خاصة بطائرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) التي لجأت لها واشنطن خلال احتلال أفغانستان والعراق. وأعتقد أنني كنت أول من كتب حول هذه الطريقة. لقد كانت مسألة متعلقة بسفن السجون السرية في المحيطات ومراكز التعذيب التي بنيت في 36 دولة وطائرات تجارة الأسرى التابعة للسي آي ايه.
كانت تركيا قد وقعت حينها على الاتفاق المبرم في باريس لتجارة الأسرى سرًّا في 36 بلدًا، والغريب في الأمر أنّ الشخص الذي وقع باسم تركيا على هذا الاتفاق الفظيع انضم اليوم إلى الجبهة ذاتها بالتعاون مع تلك الجهات، فهو "معارض" بالتوازي مع مخطط تركيا الذي وضعه وليّا العهد لتنفيذه. إننا نعلمه جيّدًا، لكنه لا يعلم ماذا نعلمه.
إنّ وليّي العهد السعودي والإماراتي يستخدمان طرق السي آي ايه هذه خلال جميع عملياتهما السرية. وربما تكون مراكز التعذيب تلك تعمل لحسابهما حاليًا، وربما يكونان قد أسسا نماذج من سجن أبو غريب خاصة بهما. ولقد كان جمال خاشقجي جزءا من عملية سرية مشابهة.
إنهم يحدثون ضجيجًا ويزعمون أنّ تركيا تفعل ما يفعلانه. فهذا سيناريو مشابه للسيناريو الذي روجت له الولايات المتحدة ومنظمة غولن الإرهابية بالشراكة مع داعش في سوريا وزعمهما أنّ "أردوغان يدعم داعش". وهو سيناريو مشابه كذلك لقضية شاحنات جهاز الاستخبارات التركي.
بدأ البعض يتحرك من أجل تنفيذ أحلام "نسخة جديدة من أحداث غيزي بارك في تركيا" في هذه الأيام التي أعلن فيها وليّا العهد الحرب صراحة على تركيا قبيل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها نهاية مارس/أيار المقبل.
فنحن هذه المرة لسنا فقط أمام تمويل غربي وأوقاف استخباراتية ترتدي عباءة منظمات المجتمع المدني، بل أمام بداية موجة تغذية قائمة من العالم العربي. لماذا؟ لأنهم يرغبون في ضم بعض الأوساط المحافظة كذلك إلى صفوفهم، فهم سيشكلون نوعًا من أنواع "المعارضة المحافظة" ليستغلوها في ترتيب "تدخل محافظ".
العجيب في الأمر أنّ أحلام "غيزي بارك" الجديدة هذه والمساعي السياسية الجديدة تحظى بدعم بعضها بعض. والغريب كذلك أنّ البعض في وسائل الإعلام هذه الأيام يستهدفون علانية من يعبر عن هذه المخاوف، كما يحاولون التغاضي عن بعض الأشياء والتستر عليها.
لن يستطيع أحد بعد اليوم أبدًا إجبار تركيا على مواجهة "تدخل دولي" أو إخضاعها لاختبار كهذا أو التضحية بها في سبيل تلك العمليات السرية. وإنّ كل من لن ينضم إلى "محور تركيا" فإنه سيذهب إلى مزبلة التاريخ. ولهذا أرى أنه على الجميع ضبط تصرفاته قبل فوات الأوان.