|
نواقيس الخطر تدق من أجل "الإعلام المحلي". لماذا بدأت وسائل الإعلام الأجنبية هجومًا مفاجئًا؟ هل "الانتقال من التقليدية إلى الرقمية" يعتبر هربًا؟ يمكن النشر بفعالية بأموال قليلة وكادر صغير!

تنتابنا مخاوف كبيرة بشأن مستقبل "الإعلام المحلي" في تركيا. لقد اكتسبت وسائل الإعلام لدينا قوة مالية واقتصادية أكبر من أي وقت مضى، لكنّ قدراتها من ناحية اللغة والمضمون تتضاءل وتفقد إمكانياتها بمرور الوقت على التأثير في الرأي العام أكثر من أي وقت آخر؛ ولهذا فعلينا فعل ما يلزم بشكل عاجل لإنقاذ مستقبل هذا الإعلام. لكني للأسف أرى وأنا حزين أنّ أحدًا لا يبذل الجهد الكافي في هذا المجال.

لقد أصبح من الضروري إفراز "لغة إعلامية" جديدة بعدما عفا الزمن على لغة الإعلام التقليدي. فلم يعد تناول الإعلام للأخبار واقعيا على الإطلاق؛ إذ صارت وسائل الإعلام عاجزة عن تقديم تحليلات وتفسيرات ولغة ومضمونًا هادفًا، ومن الواضح أنها ستفقد المزيد من قوتها بمرور الوقت. وأعتقد أنّ وسائل الإعلام العاجزة عن تحويل نفسها وبلورتها ستنهار سريعًا.

لماذا يتراجع الإعلام المحلي؟
لماذا لا يوجد طموح ثقافي؟

وإن كان التحول العالمي في مجال مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام هو السبب الرئيس لانهيار الإعلام التقليدي، فإن ثمة خطرًا آخر غير مرئي ولا يركز عليه أحد، وهو السبب الذي يفضي إلى انهيار قوة الإعلام المحلي في تركيا.

وهذا السبب هو العجز عن تقديم لغة إعلامية جديدة وإعلاميين أكفاء واختفاء مسؤولية تقديم مضامين هادفة والعجز عن تخطي مرحلة تفسير اللغة السياسية وفقدان وسائل الإعلام طموحاتها الثقافية تمامًا.

ومن المؤسف أن نرى فقدان جميع كتاب الرأي طموحاتهم وأنهم يشعرون بأن ليس لديهم حاجة ليحملوا همًّا باستثناء إنقاذ الموقف الراهن من خلال كتابة المقالات "بالإكراه" وأنّ "العلاقات" هي التي تشجهم أكثر من الأفكار والطموحات.

وماذا عن إخفاء الفشل والإهمال والنضوب تحت قناع السياسة؟

ومن الخطر الكبير أيضًا أن نرى المراسلين والمحريين ورؤساء التحرير وقد فقدوا قدرتهم على البحث والتقصي وتفضليهم لهذا الأمر عمدًا وسيطرة حالة من الجمود غير العادي على وسائل الإعلام وضياع الحماس وتراجع الشغف لتقديم أفكار حول المسائل الأساسية التي تشغل تركيا وفقدان الاهتمام بالنقاشات والميول المتعلقة بالجانب الدولي بشكل كبير.

والأخطر من ذلك كله أن نرى جهودًا ترمي لإخفاء فشل الإعلام والنخبة المثقفة وإهمالها ونضوب أفكارها تحت قناع الخطاب السياسي. فإخفاء الكسل وراء السياسة يعتبر أمرًا خطيرًا.

وإذا عجزنا عن تقديم شيء في المجال الإعلامي في الوقت الذي يعيش فيه العالم أزمة كبرى وتشهد تركيا تحولات جذرية، فهذا يعني أن المشكلة لدينا نحن. وهذا يعني أيضًا أننا عاجزون عن تقديم أي خطاب يرسم ملامح التوجهات الاجتماعية باسم الهدف أو المثال الأعلى أو الدعوة أو أي مسمى آخر تختارونه.

"الانتقال من الإعلام التقليدي إلى الرقمي" يعتبر هربًا!

إنّ "الانتقال من الإعلام التقليدي إلى الرقمي" صار أمرًا منتشرا هذه الأيام. ويعتبر هذا الهروب مقنعًا إلى حدّ ما إذا ما وضعنا بالاعتبار التوجهات العامة والتغيرات السوسيولوجية ولغة الأجيال الجديدة سواء في تركيا أو بقية دول العالم. بيد أنّ هذا الشعار يستهدف في تركيا كأداة لـ"التستر على الفشل والعيوب" أكثر من كونه تحولًا كبيرًا.

تضخ المجموعات الإعلامية الكبرى استثمارات ضخمة في المجال الرقمي سواء من ناحية رأس المال أو التكنولوجيا أو الموارد البشرية. فأكبر وسائل الإعلام الرقمية مملوكة للمجموعات الإعلامية. لكن إذا افترضنا أنّ وسائل الإعلام هذه أصبحت تعتمد على قدراتها الخاصة، فسنرى أنّ معظمها لن يستطيع الصمود كثيرًا.

بداية فترة صعبة بالنسبة للمجموعات الإعلامية الكبرى

ذلك أنه لا يوجد أي وسيلة إعلامية منها قادرة على تقديم كفاءة بشرية أو مضمونًا ثريًّا أو لغة إعلامية مميزة. فهذا يعني أننا نخدع أنفسنا كذلك فيما يتعلق بالحديث عن "التحول للرقمية". ذلك أننا نفكر في "التحول للرقمية" بعقلية تقليدية ومنطق استثماري. ولهذا لا يمكن أبدًا استغلال هذا الأمر لتشكيل قوة إعلامية قوية ومؤثرة.

وفي هذا الإطار نحن على وشك فترة صعبة بالنسبة للمجموعات الإعلامية الكبرى التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية طاحنة، ولهذا فأنا أعتقد أنّ بعضها لن يستطيع حتى الصمود على قدميه لبضع سنوات مقبلة. وإذا افترضنا أنّ حتى تصفية بعض وسائل الإعلام يقدر بمبالغ طائلة، فيجب على المجموعات الإعلامية أن تحذر بشكل عاجل فيما يتعلق بتقديم "لغة وأفكار إعلامية جديدة".

انطلاق فعاليات إعلامية بميزانيات صغيرة وكوادر محدودة

ستضخ رؤوس أموال جديدة في المجال الإعلامي خلال السنوات القليلة المقبلة، وستظهر كيانات لديها قدرة عالية على التأثير في الرأي العالم وتوجيهه من خلال ميزانيات صغيرة وكوادر محدودة. لتتغير ملامح عالم الإعلام. كما سينجذب رأس المال والإعلانات إلى هذا المجال. غير أنّ الذين يضخون استثمارات في مجال الإعلام الرقمي لكنهم يعجزون عن تقديم محتوى ولغة هادفة، والأهم من ذلك يفشلون في إحداث تأثير اجتماعي؛ فإنهم سيعجزون عن تحقيق أي هدف من خلال استثماراتهم تلك.

لماذا بدأت وسائل الإعلام الأجنبية هجوما مفاجئا؟
ما هذا الشغف بتركيا؟

لعلكم تتابعون ظهور وسائل الإعلام "الأجنبية" بشكل بارز على الساحة في الآونة الأخيرة. وهو ما لا يحدث من قبيل المصادفة، فلا شك أنّ لديهم أهداف سياسية، لكنهم ينقضون على الفراغ العظيم الذي تركه الإعلام المحلي في تركيا. فهناك وسائل إعلام أجنبية كبرى مثل دويتشه فيله وسبوتنيك وذا إندبندينت والشرق الأوسط وغيرها تضخ استثمارات ضخمة في تركيا التي تتعرض لهجوم إعلامي خطير من جانب الولايات المتحدة ودول أوروبا والدول العربية وروسيا والصين.

وتخوض السعودية والإمارات على وجه الخصوص حملة إعلامية سرية. فهاتان الدولتان تستأجران المقرات وتشكلان الكوادر لإعداد العدة لبث الأخبار دون انقطاع. ففي الوقت الذي يتراجع فيه تأثير الإعلام المحلي في تركيا يزداد فيه تأثير الإعلام الأجنبية.

تغير ملامح المجال الإعلامي

علينا جميعا أن نعلم أنّ ملامح التواصل الإعلام والخاص بالرأي العام قد تغيرت تمامًا. ولقد صار من الصعب للغاية تعبئة الرأي العام من خلال الصحف بل وحتى القنوات التلفزيونية، فلم يعد أحد يرجح هذا. وبدلًا من ذلك صار الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي تكتسب قوة بسرعة كبيرة. فمواقع مثل فيسبوك وتويتر وقنوات يوتيوب وغيرها من وسائل التواصل التي ستنضمّ إلى الركب قريبًا أصبحت قوة تأثير عالمية. ولهذا فإنّ الجميع يتجه لهذه المواقع سواء في الجانب السياسي أو الاجتماعي أو الجانب الخاص بعالم الأعمال.

سيكون هذا المجال هو مجرى الإعلام الأساسي. وفي الوقت الذي يستعد فيه العالم لهذا التحول، فإنّ تركيا لا تزال تعاني من عجز في وجود التوجه والإسقاط الكافيين لهذا الأمر. ستتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه القطاعات لتشهد تحركات لرؤوس أموال ضخمة. كما ستصبح شركات التصوير وجهة لحركات وتجمعات رأس المال، لتظهر تحت عباءة تجارية ضخمة لم يُر مثيل لها قط.

لا يكفي المال والتكنولوجيا والمباني..
إنها قضية خاصة بتركيا

ومع كلّ هذه الاستثمارات والمباني المستأجرة والتكنولوجيا الحديثة المتبعة، فإذا كنتم عاجزون عن تقديم لغة ومحتوى جديد وفشلتم في إعادة هيكلة التأثير الاجتماعي، فإنّ كل هذه الاستثمارات ستذهب أدراج الرياح. وللأسف فإن الاستثمارات التي تم ضخها حتى اليوم عجزت عن تقديم هذه النتائج. ويشكل مكان هذا العجز معضلة خطيرة، ولهذا يجب الوصول إلى جواب لهذا السؤال.

سيبقى وسيحتفظ بقوته كل من يستغل "الانتقال من التقليدية إلى الرقمية" من أجل "تقديم إعلام جديد" بشكل حقيقي عوضًا عن اعتباره طريقًا للهرب. إنّ هذه القضية خاصة بتركيا، قضيتنا المشتركة. ولقد حان وقت أن نحوّل رأسنا قليلًا إلى الأمام لنفكر فيما سنفعله.

#إبراهيم قراغول
#تركيا
#الإعلام التركي
#الإعلام في تركيا
٪d سنوات قبل
نواقيس الخطر تدق من أجل "الإعلام المحلي". لماذا بدأت وسائل الإعلام الأجنبية هجومًا مفاجئًا؟ هل "الانتقال من التقليدية إلى الرقمية" يعتبر هربًا؟ يمكن النشر بفعالية بأموال قليلة وكادر صغير!
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان