|
"محور تركيا": السياسي الذي لا يرى آسيا "أعمى" "الرجل المريض" قبل قرن، والآن "أوقفوا تركيا" يريدون قوة المطرقة في سوريا، لكن هذا انتحار! بأي شرعية تساومنا أمريكا؟

لستا متأكدًا إلى أي مدى يمكن عقد نقاش محق حول تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بشأن "سياسة آسيا الجديدة" وتشديده في ذلك التصريح على فكرة "محور تركيا".

سيريد كثيرون التضحية بهذه الفكرة لصالح "الأوراسيوية الروسية" الكلاسيكية، وسيريد آخرون التقليل من شأنها، وأما الأوساط التي تسيطر عليها القوالب الأطلسية فستصورها وكأنها خيانة.

لم يقصر جاويش أوغلو ذلك المحور على الميول الاستراتيجية لتركيا وحسب، بل وصفه بأنه محور يلتقي فيه الشرق مع الغرب، ليبرهن لكل الراغبين باتهام تركيا بأن محورها قد تبدل أن هذه المنطقة هي في الواقع المحور المركزي، وهو كان أمرا في غاية الأهمية.

أمريكا مصدر التهديد
خريطة طريق جديد بإصرار وعزيمة

إن هذا التصريح يعطينا فكرة حول الموقف الجديد الذي تواصل تركيا اتخاذه منذ فترة طويلة بإصرار وعزيمة وخريطة الطريق التي ترسمها ومبادرتها لإعادة بناء نفسها وتصورها للمستقبل.

إننا نعيش تغيرات عميقة للغاية، ومما يدل على ذلك نذكر الصراعات الأمنية مع الولايات المتحدة والمواقف الواضحة التي تتخذها تركيا ضد التدخلات التي تستهدف منطقتنا وتعرضنا للتهديد علانية على يد الأوساط الأطلسية وتصفية الحسابات الجارية بين من يحاولون السيطرة مجددا على مستقبل بلدنا وبين من يتصدون لهذه المحاولات، أي باختصار من السياسات الاقتصادية إلى الاستراتيجيات الأمنية، ومن الميول الاجتماعية إلى هوية الدولة والمنطقة وتجديد الذاكرة التاريخية.

لقد أعدنا اكتشاف إمكانيات بلدنا وأنفسنا ومنطقتنا وهويتنا، والأهم من ذلك أننا اتخذنا قرارا قاطعا بأننا لن نخضع مجددا للوصاية كما حدث في القرن العشرين.

ابتعاد مركز الثقل العالمي عن الغرب
لقد تحركنا في ذلك الوقت بالضبط
ومتى فعلنا ذلك؟

فعلنا ذلك في وقت انهت فيه سيطرة التحالف الأطلسي أحادية الجانب على العالم الذي شهد انهيار القوى لاتي كانت مسيطرة لأربعة قرون على الأقل لتصعد فيه قوى ولاعبون جدد على الساحة ويهتز فيه التوازن بين الشرق والغرب وتتعالى فيه التحديات والاعتراضات البنيوية حول العالم ضد الهيمنة الأمريكية – الأوروبية.

لقد صار العالم متعدد الأقطاب، وظهرت تجمعات سياسية واقتصادية جديدة، وكان مركز ثقل العالم يبتعد عن الغرب، كما كانت الهوة بين إمكانيات التكنولوجيا ورأس المال بين المناطق المختلفة تتضاءل بمرور الوقت، هذا فضلا عن أن الشرق كان يصعد بسرعة أكبر على مستويي الدفاع والموارد البشرية.

والأهم من ذلك كله كان تحولا تاريخيا يحدث، وكانت خرائط القوى تتغير من جذورها. وأما بالنسبة لتركيا فكانت التبعية للغرب أحادية الجانب قد وصلت إلى مستوى في غاية الخطورة يؤدي حتى إلى تضاؤل قدرات الدولة.

استمرارية الدولة السلجوقية – الإمبراطورية العثمانية – الجمهورية التركية والصعود الجديد

ذلك أن كل التدابير الأمنية التي تستهدف بلدنا اليوم كانت نابعة من الغرب وتصرفاته في منطقتنا. والأدهى من ذلك أنهم كانوا يهددوننا ويهاجموننا صراحة كما رأينا في 15 تموز وشمال سوريا.

كما أنه كان هناك معان أخرى لهذه الأوضاع الجديدة بالنسبة لتركيا. كنا نسير في طريقنا لنكون أنفسنا بعد مائة عام من انهيار الإمبراطورية العثمانية، وكنا نبادر لبدء مرحلة جديدة من النمو والصعود.

كنا نجهز الدولة ومؤسساتها لهذا الهدف ونحظى بدعم المجتمع في هذا الاتجاه ونجدد أهداف الدولة والشعب وننقل استمرارية الدولة السلجوقية – الإمبراطورية العثمانية – الجمهورية التركية إلى مرحلة جديدة.

كانت أمامنا طموحات القرون
لقد هاجموا جميعا في تلك اللحظة

لقد كان ذلك صعودا تاريخيا جديدا بالنسبة لنا، فكانت طموحات القرون أمامنا.

لقد كانت تركيا تنجز ذلك "التجديد العظيم" في إطار المناورات الذي تداعت في سياقها السلطة العالمية وتغيرت معها خريطة القوى وضمنتها هذه التطورات. لقد كان توقيتا صحيحا وقرارا صائبا وتمركزا مهما وصحيحا.

ولهذا السبب تحديدا تعرضنا في تلك الأثناء لأعتى هجمات وحصار من حسبناهم "حلفاء"، كما شكلوا سويا "جبهات داخلية". وعندما اتهموا تركيا بقولهم "لقد تغير محور تركيا" كانوا – في الواقع – يشعرون بالقلق ويقولون "لقد فقدنا السيطرة على تركيا وعلينا إيقافها". وهو ما دفعهم لتنفيذ محاولات الانقلاب وتوجيه الهجمات الاقتصادية وحصارنا من شمال سوريا ومن ناحية البحر المتوسط.

"محور تركيا": نقاش دولي محتدم

وفي تلك الأثناء تحولت مسألة "محور تركيا" وقضية "تركيا الجيوسياسية" لتكون واحدة من أكثر مسائل النقاش احتداما حول العالم.

لقد كانوا يعلمون جيدا أن ما سيبرهن للعالم خلال السنوات المقبلة على أن تركيا أضحت نجما متلألئا في سماء الساحة الدولية هو عقلها السياسي، واهتماماتها الاقتصادية خارج المنطقة، وإعادة اكتشافها لجيناتها السياسية التاريخية، وإفشالها "العمليات الدولية الداخلية" الواحدة تلو الأخرى، وتدخلاتها لإفشال مخططات "الحصار من الخارج" التي بدأت في عفرين وستستمر كذلك مستقبلا، ووصول مخططات "الجبهة" الجديدة التي شكلوها في أعماق المنطقة بهدف "إيقاف تركيا" إلى مرحلة خطيرة.

لقد كانوا يدركون كيف ستكون تركيا دولة نموذجية. ولهذا فقد سعوا لإيقافها من خلال السياسات الأمنية والعمليات المكثفة للتقليل من اعتبارها على المستوى الدولي من خلال اللغة السياسية ووسائل الإعلام.

"الرجل المريض" قبل قرن
لقد دعانا التاريخ مجدّدًا
والآن "أوقفوا تركيا"

لقد كانت حكاية السقوط تكتب قبل قرن من الزمان في صورة "الرجل المريض" و"مشكلة الشرق". واليوم وبعد مرور مائة عام أصبحنا نكتب حكاية صعود تركيا.

كنا ينبغي لنا تشكيل "محور تركيا" مستغلين الركود الذي ضرب الغرب ومتسلحين بموجة الصعود التي يعشيها الشرق. لقد كان هذا صوت القرن الحادي والعشرين، لغة سياسية لزاما أن تنتشر في المنطقة كافة.

لقد دعانا التاريخ مجددا وحملنا تلك المسؤولية مرة أخرى. وفي ذلك التوقيت بالذات كان كل شيء يتضح، من هو صديقنا ومن هو عدونا، بالضبط كما حدث في كل مرة يتحول فيه مجرى التاريخ.

صوت القرن الحادي والعشرين..

لقد كان هذا الصوت كفاح حضارة عظمى، كفاح من أجل الشرف والحرية، ولقد كان قويا لدرجة أنه كان يدوي من أواسط أفريقيا إلى شوارع بلدان الشرق الأوسط، ومن باكستان إلى العالم المالاوي في جنوب شرق آسيا.

ولهذا فنحن نؤمن بأن ذلك هو صوت القرن الحادي والعشرين، وأنه سيقلب الحسابات العالمية رأسا على عقب، وسيفشل تلك المخططات الدولية، وسيكون سببا في بدء عهد صعود أسطوري من هذه المنطقة.

السياسي الذي لا يرى آسيا "أعمى"
محور تركيا هو الهوية السياسية المشتركة

إن الاتجاه نحو آسيا وعقد شراكات مع القوى الصاعدة في القارة الصفراء لا يعتبر مناصرة للنزعة الأوروآسيوية أو نزعة العالم الثالث، فهي مصطلحات من حقبة الحرب الباردة. ولقد مر العالم بهزة كبرى، فتغيرت المصطلحات بقدر تغير العقليات والحقائق، كما تغيرت القوى كذلك. وإن أي دولة لا ترى هذه الحقيقة تكون عمياء لا يمكنها بناء مستقبل لها لا في القرن الحادي والعشرين ولا فيما بعد ذلك.

إن "محور تركيا" هو الهوية السياسية الوحيدة والعليا التي علينا تبنيها؛ إذ يجب علينا دعمها وتقديم محتويات فكرية في هذا الاتجاه وعقد النقاشات وإثارة الوعي والتضامن لتحقيق هذا الهدف.

التدخل في شرق الفرات
إنهم يريدون قوة مطرقة جديدة

ولأسرد عليكم أقرب مثال على ذلك الأمر. يدلي الرئيس أردوغان منذ يومين بتصريحات بشأن التدخل في شرق الفرات في وقت تستمر فيه مباحثات الوفد الأمريكي في أنقرة لمنع هذه الخطوة والتشويش عليها. لقد كانت عمليتا درع الفرات وغصن الزيتون تحديا لتلك الإرادة الدولية، كانتا ردا من "محور تركيا".

الأمر ذاته ينطبق على عملية التدخل في شرق الفرات؛ إذ إن "محور تركيا" يجعلنا نكسر حصارهم في الوقت الذي يحاصروننا فيه. ذلك أنهم يريدون إقامة كيان شبيه بـ"قوة المطرقة" في شمال سوريا، ويرغبون في إيقاف تركيا عن طريق هذه "الشراكة". وأما نحن فنرفض ذلك قولا واحدا، لأن "قوة المطرقة" في سوريا تعتبر انتحارا، وهو ما يعني أن الجبهة التالية ستكون داخل تركيا.

بأي شرعية تجلس أمريكا على طاولتنا؟

لماذا لا يطرح أحد هذا السؤال؟ لم يدع الشعب السوري ولا نظام دمشق أمريكا إلى أراضيه، كما أن جيرانا مثل روسيا وإيران لا تريدها. إذن، بأي شرعية تجلس الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات في أنقرة؟ وبأي مهمة تقف واشنطن أمامنا وتفاوضنا باستثناء أنها تتولى مهمة الحديث عن تنظيم إرهابي نخوض ضده حربا ضروسا؟

فهذا هو ما نطلق عليه موقف "محور تركيا".

#إبراهيم قراغول
5 yıl önce
"محور تركيا": السياسي الذي لا يرى آسيا "أعمى" "الرجل المريض" قبل قرن، والآن "أوقفوا تركيا" يريدون قوة المطرقة في سوريا، لكن هذا انتحار! بأي شرعية تساومنا أمريكا؟
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية