|
انتهاء الربيع العربي والثورة المخملية. فماذا إذن هذه الموجة الجديدة؟ غضب جديد ينتشر من أمريكا الجنوبية وحتى إيران:مطالب بريئة وشرور خبيئة. ماذا يحدث وإلى أين يسير العالم؟ تركيا ما بعد 15 تموز: تجهيز "البيئة النفسية" لتدخل جديد صريح وسافر

تتعالى أصوات الاحتجاجات الجماهيرية في مناطق مختلفة من العالم ليس لها علاقة ببعضها البعض، من شيلي إلى بوليفيا ومن لبنان إلى العراق ومن هونج كونغ إلى إيران بل وحتى فرنسا، لتتحول إلى موجة مجتمعية في غاية الخطورة.

تبدو البلدان وحجج التظاهرات في الظاهر مختلفة عن بعضها، فتجد أن بعضها يستند إلى ادعاء التلاعب بالانتخابات، والبعض الآخر إلى رفع أسعار المحروقات، والبعض الآخر إلى فرض ضريبة على تطبيق واتساب، والبعض الآخر إلى رفع أسعار تذاكر المترو أو المياه أو الخبز، والبعض الآخر إلى مشاكل سياسية أخرى، فهناك الكثير والكثير من الأسباب المتعددة التي دفعت الشعوب للنزول إلى الشوارع.

موجة وصورة وغضب جديد... من يدير الأحداث؟!

إن القضية تتخطى حدود البلدان والأقاليم، كما أنها ليست قاصرة على مشاكل اقتصادية أو سياسية وحسب، كما أنها لا تقتصر على محاولات الانقلاب التي تسعى الولايات المتحدة لتنفيذها أو تصفية حسابات القوى القائمة بين البلدان. بل إننا أمام أوضاع وصورة وموجة جديدة لم نعهدها من قبل. ومما يلفت انتباهنا جدا في هذا المقام تزامن هذه الاحتجاجات وتشابه طريق المتظاهرين في التعبير عما بداخلهم.

ولهذا ينبغي أن تكون لدينا القدرة على قراءة هذه الموجة الجديدة ومشاهدة الصورة وتفسير حالة الغضب التي تبدو لنا وكأنها توجه قد انتشر بين سكان العالم كافة. ويبدو أن ما يظهر في المقام الأول على الساحة هو المطالب الشعبية وتصفية الحسابات بين القوى واستغلال الأحلام وحالة الغضب المنتشرة بين الناس.

كيف فشل مخطط الثورة المخملية الذي وضعه جهاز السي آي ايه الأمريكي؟

لقد جربوا الثورات المخملية عقب الاحتجاجات الطلابية والشعبية التي وقعت في تشيكوسلوفاكيا في الفترة ما بين 17 تشرين الثاني و29 كانون الأول 1989 بعد انتهاء الحرب الباردة وانفراط عقد ميزان القوى الدولية.

كما جربوا هذه الاحتجاجات الشعبية التي أطلق عليها الثورة البرتقالية أو الثورة الملونة في أوكرانيا وقيرغيزستان وجورجيا وكذلك لبنان. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل رغم ما رفعته من شعارات شعبية شهيرة زينت بها الاحتجاجات والدعم الكبير الذي حصلت عليه من الجماهير في الميادين.

لم يحل الاستقرار على تلك البلدان بعد ذلك التاريخ أبدا، كما أسقط زعماء الثورة المخملية وتركوا معزولين. وبعد ذلك اتضح للجميع أن كل ما حدث بالكامل كان من تخطيط جهاز الاستخبارات الأمريكي، وما نفذ كان محاولة أمريكية لتطهير الساحة من أجل وضع قواعد نظام عالمي جديد.

موجة الربيع العربي: من بدأها؟ ومن أدارها؟ وكيف عُرقلت؟

أعقب ذلك بدء موجة الربيع العربي، وكان الغضب الذي شعرت به شعوب المنطقة تجاه الأنظمة الظالمة الباقية من القرن العشرين على وشك أن ينفجر، بل إنه انفجر بالفعل... كان ذلك الغضب المحق موجها نحو الأنظمة، فربحت قوة الجماهير الجمعية التي كانت ستصل إلى نتيجة. زلزال عنيف ضرب المنطقة من شمال أفريقيا إلى سوريا. كانت الجماهير تطالب بالحرية والعدل والرفاهية رافضة الضغوط الممارسة عليها منذ عشرات السنين، كانت تريد فرض رقابة على إدارة ثروات بلادها.

كانت المنطقة العربية تشهد تغيرا جذريا بهدف القضاء على الوضع القائم الذي فرضه الغرب عليها. كان النظام يتغير في مصر أقوى دول المنطقة، وكان "التهديد" يقترب شيئا فشيئا من الجارة بحرا السعودية.

لكن لم يفت وقت طويل حتى تعرض الربيع العربي للتدخل الصريح من أجهزة الاستخبارات الغربية، بل والدول كذلك، التي خططت ونفذت بشكل مباشر الثورات المخملية. ولم يكن هذا التدخل في صورة اعتراض صريح، بل جاء في صورة المشاركة في الأحداث وإدارتها.

كيف جعلوا من الربيع العربي نموذجًا للظلم؟

كانوا يديرون الغضب الطبيعي والمطالب المحقّة ويحرفونها عن أهدافها. فتعرضت الحركات المطالبة بالحرية للتلاعب وحيدت عن طريقها وحكم عليها بالفشل. نصبوا فخاخا للجماهير الباحثة عن الحرية، وحولوا دعوات الحرية لدعوات للانقلابات والحروب الأهلية من خلال منظمات "المجتمع المدني" المرتبطة بأجهزة الاستخبارات.

أشعلوا فتيل الصراعات في ليبيا وسوريا، ثم حولوا مسار ثورة ميدان التحرير في مصر، وأجهزوا بشكل على الربيع العربي؛ إذ أوقفوا تقدم الموجة دون الإضرار بالأنظمة المتواطئة مع الغرب، لينجح مجددا من أطلقوا الثورات المخملية قبل 3 عقود.

الربيع العربي بالنسبة لتركيا: صحوة لمواجهة دمار القرن العشرين

نظرت تركيا إلى الربيع العربي من نافذة الحرية ولهذا دعمته، واعتبرت هذه الموجة الجديدة صحوة جديدة. وما فعلت كان عين الصواب.. وبينما كانت تفعل ذلك أظهر مقاومة شرسة لمواجهة التدخل الخارجي. كما دافعت عن ضرورة توسيع مساحة الحرية أمام الجماهير قدر المستطاع، وتبنت خطابا سياسيا ينادي بحتمية عدم التضحية بهذا الأمر في سبيل الأمن وعلاقات القوى.

كانت تركيا هي الدولة الوحيدة التي وضعت تصورا وتبنت خطابا سياسيا معينا للمنطقة التي تتابعها عن كثب منذ سقوط الدولة العثمانية، وذلك رغبة منها في وجود صحوة محلية مناهضة لحالة الدمار التي عاشتها المنطقة في القرن العشرين، لتصبح دولة تعمل على إفساد المخططات المخططين وتبعثر أوراق حساباتهم.

ولا شك أن أي دولة تفعل ما فعلته تركيا سيعتبرها كثيرون تهديدا وسيسعون بشتى الطرق لتحجيم تحركاتها والسيطرة عليها.

أوقف تركيا وإلا ستخسر المنطقة!

وهو ما حدث فعلا؛ إذ جربوا الثورات الملونة في تركيا كذلك، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا؛ إذ كانت مقاومة تركيا وحيويتها أقوى بكثير في العديد من المجالات من قوة من وضعوا هذه المخططات.

لكنهم لم ييأسوا؛ إذ تواصلت محاولات معاقبة تركيا بإرهاب أحداث غيزي بارك وتدخل 17-25 كانون الثاني وهجوم ليلة 15 تموز الذي كان الهدف منه احتلال أراضي تركيا وإشعال فتيل الحرب الأهلية بين أبنائها. ولما كان هذا كذلك غير كاف، لجأوا لمحاولة حصارنا من ناحية بجر إيجة والبحر المتوسط وكذلك من خلال ممر الإرهاب الذي أرادوا إقامته في شمال سوريا. لكن تركيا نجحت في التغلب على كل هذه المحاولات.

لقد كان السبب الرئيس لرغبتهم في معاقبة تركيا هو أنها كانت مركزا وقادرة على بناء المنطقة وكتابة التاريخ وإفراز خطابات تستطيع التأثير في كل تيارات المنطقة ودعم كل الحركات المحلية المطالبة بالحرية في المنطقة. ولهذا كان الصراع داخل تركيا صراعا إقليميا، وكانت له أبعاد تتخطى حدود تركيا التي كانت هدفا لكل تصفية الحسابات التي شهدتها المنطقة.

محاولة إصابة البشرية بالعمى من جديد من خلال "استغلال أبسط المطالب الإنسانية"

إن محاولة تحليل الأحداث الاجتماعية الجديدة التي تهز العديد من بلدان العالم من أمريكا الجنوبية وحتى الشرق الأوسط من خلال خصائص تلك الدول وحسب سيفضي إلى ظهور تحليلات ناقصة لا تغطي الصورة بالكامل. وإذا صدق حدسي، فإن هذه الاحتجاجات ستنتشر أكثر لتتخذ شكلا أكثر منهجية بمرور الوقت، وحينها ستظهر اللغة السياسية الحقيقية.

إننا أمام محاولة استغلال أبسط المطالب التي يمكن أن يطلبها الإنسان. فنحن نعيش أياما يضحَّى فيها بمطالب الجماهير للحصول على الخبز والماء والكهرباء والعدل والحرية في سبيل الصراعات القائمة من أجل السلطة والأنظمة الحاكمة والموارد والأسواق.

لا شك أن رفع أسعار المحروقات في إيران بنسبة 300% سيؤدي إلى غضب شعبي، فهكذا يمكننا تفسير الأمر. لكن بعد مدة ستظهر تفاصيل أخرى لهذه الصورة. فالاحتجاجات المستمرة في إيران منذ أسابيع تشبه الحروب العربية-الفارسية والمخططات التي ترغب واشنطن تنفيذها في العراق وإيران.

التدخل من القاعدة لا من القمة هو شر مستتر تحت قناع البراءة

أن تكون طرفا في القضية أمر، وأن ترى الحقيقة وتفهمها أمر آخر. ربما يغضب البعض من هذا الكلام، لكني أؤمن بأن هناك علاقة بين كل هذه الأحداث تفوق قدرات تلك البلدان.

لقد كانت الثورات المخملية عملية استخباراتية مباشرة، وكان الربيع العربي تمردا طبيعيا، لكن أشخاصا آخرين أداروه وسيطروا عليه واستطاعوا تحويله إلى انقلاب مضاد. أما الآن فنحن أمام محاولة سافرة لاستغلال أبسط المطالب والآمال والأحلام التي تحملها الجماهير، فنشعر وكأننا أمام أجندة مستترة بين أكثر مطالب الشعوب براءة.

إنهم يبيعون الأديان والهويات والمبادئ والقيم

إننا لا نفلت الانتباه إلى المطالب الجماهيرية، بل إلى المخططات التي يحاولون الترويج لها من خلال هذه المطالب؛ إذ إن العالم قد دخل مرحلة التدخل من ناحية القاعدة الجماهيرية لا من خلال القمة.

لقد انتهت صلاحية السياسة بقدر انتهاء صلاحية كيانات السلطة العالمية، فهي قد خسرت رصيدها لدى الناس. وإن الذين استغلوا مجال السلطة أصبحوا يشتغلون الأديان والمعتقدات والمطالب الإنسانية. وعليه أصبحنا أمام إمكانية ظهور نتيجة تفقد معها الجماهير كل آمالها، وهو ما سيكون حالة انهيار خطيرة بالنسبة للبشرية كلها.

هل تقترب الموجة من سواحل تركيا؟
ما هو المخطط الذي أصبحوا ينفذونه عقب هجوم 15 تموز؟

هل يمكن أن ننتقل بالحديث من هذه النقطة للحديث عن تركيا؟ يمكننا بالفعل، بل علينا فعل ذلك. فتركيا التي شهدت تواليا العديد من الانقلابات ومحاولات الحصار وسيناريوهات الحرب الأهلية ربما تتعرض لآخر هجوم شرس، فهذا احتمال خطير. ذلك أن هناك حقيقة صريحة مفادها أنه لا يمكن تنفيذ أي مخطط في المنطقة دون إيقاف تركيا.

إنهم يجربون طريقة تنظيمية جديدة عقب 15 تموز، فيجمعون تحت مظلة جبهة واحدة أحزابا سياسية وتنظيمات إرهابية وبعض منظمات المجتمع المدني والكيانات المحافظة، ليوحدوا هويات سياسية لا تربطها أي جوانب مشتركة من أجل تحقيق هدف واحد.

إنهم ينفذون عملية في غاية الغرابة لاستهداف الجانب النفسي للمجمعات، ويحاولون إثارة موجة شعورية اجتماعية تفقد فيها "الحقيقة" مفهومها. ولقد كانت نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول أول نموذج قوي على ذلك، غير أن المخطط ليس قاصرا على هذا وحسب.

تجهيز "البيئة النفسية" لتدخل جديد صريح وسافر

لقد طرحت تركيا طموحا عالميا عظيما للغاية. ولهذا فإنهم يستعدون علانية وبكل سفور أمام أعيننا للنيل من هذا الطموح من الداخل. ويبدو أن "البيئة النفسية" لهكذا "تدخل" قد وصلت إلى درجة كافية من النضج. فربما نكون أمام اختبار صعب للغاية.

أرى أننا بقدر ما نناقش ما يحدث في إيران علينا بشكل عاجل أن نركز على ما يمكن أن يحدث في تركيا وما نوع المخططات الجديدة التي يمكنهم تنفيذها. أضف إلى ذلك أن الأمر ربما يضم هذه المرة الكيانات المحافظة المدعومة من السعودية والإمارات.

إياكم أن تقولوا "ماذا يقول هذا الرجل؟"
نحن أمام "تصفية حسابات كبرى أخيرة"

يخيل إليّ أني أسمع البعض يقولون "ماذا يقول هذا الرجل؟"، فمن قالوا هذا كانوا دائما متأخرين عن إدراك كل شيء يحدث في هذا البلد. لا أدري إلى أي درجة يمكن أن يهتموا بهذا الأمر، لكنني سأوصل التركيز على هذه المسألة.

أؤمن بأنهم سيجربون أشياء أخرى جديدة. فكيف تدرك تركيا هذه "الموجة العالمية الثالثة"؟ وماذا تفعل إزاءها؟ وكيف تتصدى للتهديدات التي تستهدفها؟ وهل سيحاولون توجيه ضربة لتركيا من هذا المكان؟ هل سنكون أمام آخر تصفية للحسابات؟ نعم، هذا سيحدث... فكل التجهيزات المستمرة منذ فترة تشير إلى ذلك، ولهذا فاحتمال حدوثها كبير للغاية.

أسند ظهرك على شعبك وأعط قلبك للوطن، فهذا يكفينا، لأنهم لن يستطيعوا فعل أي شيء هذه المرة أيضا.

#إبراهيم قراغول
4 yıl önce
انتهاء الربيع العربي والثورة المخملية. فماذا إذن هذه الموجة الجديدة؟ غضب جديد ينتشر من أمريكا الجنوبية وحتى إيران:مطالب بريئة وشرور خبيئة. ماذا يحدث وإلى أين يسير العالم؟ تركيا ما بعد 15 تموز: تجهيز "البيئة النفسية" لتدخل جديد صريح وسافر
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية