|
الناتو يتحول لأكبر تهديد لتركيا فهدفه أصبح "إيقاف تركيا" وليس "حمايتها" كل التنظيمات الإرهابية تابعة لهم بل لربما نشهد تدخلا للناتو! لا يمكن استئمان بيروقراطية الناتو على هذا البلد! كما لا يمكن الحديث في العالم الجديد بالعبارات القديمة!

أسس حلف الناتو عام 1949 لحماية المصالح الأمريكية في مواجهة "التهديد السوفيتي" وضمان أمن أوروبا، فالتحقت تركيا بالحلف للتصدي للتهديد السوفيتي ولأنها كانت آنذاك ضمن المعسكر الغربي. لكن الأمر لم يكن بسيطا لهذه الدرجة؛ إذ كان هدفهم من قبول عضوية تركيا هو حصار الاتحاد السوفيتي من ناحية الجنوب.

لقد شهدت تلك الفترة تشكيل ممر جنوبي مكون من تركيا وإيران (في عهد الشاه) وباكستان وإندونيسيا يمتد من البحر المتوسط غربا إلى المحيط الهادئ شرقا لمواجهة الشيوعية السوفيتية والصينية، وكان هذه البلدان بمثابة جبهات لخريطة مصالح الغرب وأمنه.

كل بلدان هذا الحزام تبتعد عن الغرب لأن التهديد قادم منه!

لكن حبات عقد ذلك النظام قد انفرطت. فلم يعد هناك اتحاد سوفيتي ولا حلف وارسو ولا تهديد الشيوعية الصينية، بل الأدهى من ذلك أن كل الكيانات فوق القومية قد انهارت، وصارت الأمم المتحدة بلا مهمة تتبناها، بل إن المعاهدات الدولية فُرغت من مضامينها.

إن العالم اليوم يعيش تغيرات مثيرة للغاية في موازين القوى على المستويين السياسي والاقتصادي، ولم يعد هناك إمكانية لتأسيس نظام عالمي أحادي الجانب يراعي مصالح الغرب فقط. وربما نكون نشهد اليوم تغيرا كبيرا في موازين القوى يأتي بعد 400 عام من الهيمنة الغربية.

فإذا كان الأمر كذلك، فإنه لم يعد هناك أي مفهوم أمني قادر على الإبقاء على دول كتركيا وإندونيسيا وباكستان ضمن المعسكر الغربي. ولو لاحظتم سترون أن هذه الدول الثلاث على وجه الخصوص بدأ تتخذ مواقفها على المستوى الدولي وفق خرائط القوى الجديدة وشرعت في الابتعاد عن المعسكر الغربي.

لطالما عاملنا الناتو معاملة "المرتزقة"

وعليه فقد بدأوا يمارسون الضغوط على تركيا من خلال التنظيمات الإرهابية ودول الناتو نفسها، وعلى إندونيسيا من خلال أستراليا، وعلى باكستان من خلال الهند.

ولهذا فقد تحول الناتو، أي القوات الأطلسية التي كانت تحمي حدود هذه البلدان في وقت من الأوقات، إلى تهديد يحدق بهذه الدول التي حمت الغرب ومصالحه لعشرات السنين، لكنها لم تجده يقف بجانبها عندما واجهت مشاكل. ذلك أنه لطالما نظر إليها وعاملها معاملة "المرتزقة"، وهكذا أسند إليها المهام؛ إذ كان هدف هذه المعسكر الوحيد هو حماية المصالح الأمريكية وضمان أمن أوروبا.

هدف الناتو الجديد هو إيقاف تركيا

لقد كان حلف الناتو دائما هكذا بالنسبة لتركيا التي بالرغم من أنها تشكل ثاني أكبر قوة عسكرية دخل الحلف، لكنهم سخروا هذه القوة لحماية النفوذ الأمريكي والأمن الأوروبي، في حين أن تركيا لم تتلق الدعم أبدا من الحلف خلال مكافحتها للإرهاب المستمرة منذ 40 عاما، وليوم تواجه تركيا حقائق جديدة.

لقد أصبح الناتو يحاول حماية تركيا من نفسها، أي أنهي يسعى بشتى الطرق للحيلولة دون أن ترجع لوعيها وتاريخها وجغرافيتها وتنشئ قوتها وتحقق نموا وثروة وتكتسب استقلالها.

وكثيرا ما كان للناتو يد في الانقلاب العسكرية في تركيا خوفا من "جنوحها باتجاه المحور الشرقي السوفيتي" وتخليها عن "المعسكر الغربي"، واليوم كذلك لا يتورع الحلف عن محاولة تنفيذ الانقلابات من أجل "إيقاف تركيا" كيلا "ترجع إلى نفسها".

الناتو يتحول لأكبر تهديد لتركيا

لقد كانت محاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة هجوما كهذا، الأمر ذاته ينطبق على كل التدخلات التي حاولوا تنفيذها على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، وكذلك ينطبق على مخططات "الحصار" من شمال سوريا ومشاريع إقامة تلك "الجبهة" و"ممر الإرهاب".

وإن مخططات الحصار القائمة على استغلال موارد الطاقة التي يحاولون تنفيذها في البحر المتوسط، لا سيما شرقه، هي هجمات لتحقيق هذه الغاية. وما شحنات الأسلحة التي تنشرها الولايات المتحدة في بحر إيجة والقواعد العسكرية التي تبنيها في دول البلقان إلا عملية تهدف لـ"حصار" تركيا.

نعم، إننا ثاني أكبر قوة في حلف الناتو، لكن هذا الحلف صار "أكبر تهديد" بالنسبة لنا.

هم مصدر كل التهديدات
كل التنظيمات الإرهابية تابعة لهم

تتلقى كل التنظيمات الإرهابية الدعم من حلف تركيا داخل حلف الناتو، فهم الذين أسسوا داعش وبي كا كا ودعموهما حتى قوت شوكتهم وسلطوهما علينا وهاجمونا من خلالهما، كما أنهم هم الذين أسسوا ي ب ج وسلحوه وأطلقوا حملة احتلال في سوريا من خلاله.

ولنفترض الآن أن تركيا ليست عضوا بالحلف ولننظر إلى الصورة الأمنية من هذه الزاوية، سنرى أن كل التهديدات التي تحدق بتركيا اليوم تأتيها من الحلف وبلدانه، مهما كان طول قائمة هذه التهديدات، فمصدرها واحد.

حسنا، هل يحمي الناتو تركيا ضد أي تهديد؟ متى وقف بجانبها؟ لم يقف بجانبها أبدا!

انهيار النظام العالمي أحادي الجانب
حسنا، فلماذا الناتو لا يزال قائما؟

حسنا، فلماذا الناتو لا يزال قائما؟ إنه أمر غامض.. لقد كان هدفهم عقب انتهاء الحرب الباردة إقامة نظام عالمي أحادي الجانب بقيادة أمريكا، وكان الناتو سيعمل بصفته جيشا احتياطا للولايات المتحدة. بيد أن هذه المخطط انهار تماما.

لقد استغلوا الناتو لفترة من أجل ضمان السيطرة الغربية في مجالات مثل الاقتصاد والتكنولوجيا والاستخبارات والأمن والتدخل في الموارد، لكن هذا الأمر كذلك لم يكن كافيا لإضفاء معنى على حلف بهذا الحجم.

فإذا كان رئيس فرنسا اليوم يقول "لقد مات الناتو دماغيا"، ورئيس أمريكا يقول "سألغي ميزانيته"، ولم تتفق حتى الولايات المتحدة وأوروبا على مستقبل الحلف، فلماذا نحاول نحن حماية هذا الكيان الضخم؟

يجب طرح سؤال "هل هو حلف أم تهديد بالنسبة لتركيا" بكل "إخلاص"

لقد تغيرت العقيدة الأمنية وتعريفات التهديدات بالنسبة لأمريكا وأوروبا، ولهذا فإن النقاشات الدائرة حول الناتو تدور في فلك هذا التغيير، لكن الأمر بالنسبة لتركيا تغير جذريا منذ وقت طويل.

إننا اليوم نبني تركيا جديدة، وهو الأمر الذي نقوم به ونحن نتابع بدقة تحركات القوى على المستوى العالمي وتغيرات المعادلات السياسية والاقتصادية والتنافس الشرس على الأسواق والموارد والتسابق في مجالات مثل الدفاع والتكنولوجيا.

فإذا كان الأمر كذلك، علينا أن نطرح بشكل حقيقي أسئلة من قبيل "لماذا الناتو قائم؟"، "ماذا يعني بالنسبة لنا؟"، "هل هو حلف أم تهديد بالنسبة لتركيا؟".

لا يمكن استئمان بيروقراطية الناتو على هذا البلد!
كما لا يمكن الحديث في العالم الجديد بالعبارات القديمة!

لم تعد هناك إمكانية بعد اليوم لاستئمان بيروقراطية الناتو والولايات المتحدة واللوبيات على مستقبل هذا البلد، كما لا يمكن التخلي عن تركيا لتواجه تهديدات جديدة مصدرها الناتو من ناحية بحر إيجة والبحر المتوسط ومن كل مكان بالمنطقة.

إننا أمام عالم جديد ترسم ملامحه، فلا يمكننا الحديث عن هذا العالم الجديد بالعبارات القديمة، ولا يمكننا إدراكه بما حفظناه من عبارات فترة الحرب الباردة. ولا شك أن هذا الحلف سينهار بعد فترة ليست بالطويلة، فلهذا علينا على الأقل ألا ندفن تحت أنقاضه.

أعلم أن كثيرين ربما يفزعون عندما يسعمون عبارة "الناتو يتحول لأكبر تهديد بالنسبة لتركيا". لكن هذه الصورة سيراها كل من ينظر إلى العالم والناتو وتحركات القوى وتغيرات المعسكرات ومصدر التهديدات التي تحدق بتركيا "دون أي أحكام مسبقة".

وأما أنا فأرى خطرا أكبر وإشارات أقوى: تدخل ينفذه الناتو في تركيا...

#إبراهيم قراغول
#الناتو
٪d سنوات قبل
الناتو يتحول لأكبر تهديد لتركيا فهدفه أصبح "إيقاف تركيا" وليس "حمايتها" كل التنظيمات الإرهابية تابعة لهم بل لربما نشهد تدخلا للناتو! لا يمكن استئمان بيروقراطية الناتو على هذا البلد! كما لا يمكن الحديث في العالم الجديد بالعبارات القديمة!
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات