لماذا غضبنا عندما عاقب مساعد رئيس بلدية مقاطعة غونغورن في إسطنبول ويسل إيبكجي أحد موظفي البلدية ويدعى "إ.ت." بحجة أنه "لم ينهض لتحيته واقفًا"؟
ولماذا شعرنا بهذا القدر من الانفعال بسبب إجباره ذلك الموقف على الجلوس في الممرات والنهوض لتحية من يعبر من أمامه؟
لماذا عبرنا جميعا عن رد فعلنا ولماذا شعرنا بالألم والخزي واحمرت وجوهنا خجلا؟
لماذا أفضت هذه الواقعة إلى رد فعلي جمعي وليس فردي؟ ولماذا جاء أكبر رد فعل من أوساط حزب العدالة والتنمية وسائر الأوساط المحافظة الأخرى؟
إننا نعتبر هذا التصرف هجوما على كل مقدساتنا وقيمنا ونظرتنا للإنسان واحترامنا لأنفسنا، وهو تصرف لا يمكن التستر عليه تحت عباءة أي هوية سياسية أو هوية محافظة أو أي قناع آخر.
إن ما حدث هو عجز وضعف شخصية وإحداث نعمة وفظاظة ورعونة بسبب الوصول لمنصب لا يستحَق.
إن الكبر هو السمة السائدة لدى العاجزين من البشر. فالضعفاء والمحرومون من الثقة بالنفس والعلم والمعرفة والوعي والإنتاج يكونون مغرورين وقساة.
ولهذا يجب علينا جميعا أن نسأل هذا الرجل الوقح "من تكون أنت حتى تقول هذا الكلام؟" وأن نبعده وأمثاله عن العمل في القطاع العام.
إن عظم حجم رد الفعل مرتبط بشكل كبير – في الواقع – بحجم المشكلة وانتشارها وتكرارها؛ إذ إننا رأينا كثيرا بيروقراطيين ومديرين ظنوا أنفسهم "آلهة".
ولا نزال نرى أناسا يتقلدون أعلى المناصب في مختلف المؤسسات يحتقرون تركيا ومواطنيها والكفاح الذي خضناه ليلة 15 تموز، كما أنهم ليسوا على استعداد أبدا لأن يدفعوا أي ثمن مهما كانت الظروف.
إنهم ينظرون للآخرين من برج عاجي، كما تجد أن السمة المشتركة لهؤلاء هي عجزهم عن تقديم أي شيء نافع للآخرين. وإن أبرز السمات المميزة لهم هي سيرة ذاتية متكبرة وملابس فاخرة ومعرفة بعض الأشخاص المهمين واكتشاف فراغات البيروقراطية.
وفي الوقت الذي يشدد فيه صاحب أعلى منصب في هذا البلد، رئيس الجمهورية، على التواضع وأهمية الدخول إلى قلوب المواطنين وينبّه لمثل هذه الأمور في خطاب من كل بضعة خطابات يلقيها ويدفع الثمن وينجو من محاولات الاغتيال ويحبه الناس لهذه الدرجة لنجاحه في الدخول إلى قلوبهم، كيف يمكن لغرور رئيس بلدية أن يكون بهذا الحجم لدرجة تجعله يكاد أن يحرق هذا البلد؟
من تكون؟ وماذا تمثل؟ وإلى أي هوية وثقافة تنتمي؟ فليس في هذا البلد هوية أو ثقافة كهذه.
إن ذلك الرجل لن يتذكره أو يتصل به أحد عندما يقال من منصبه، وربما يبقى وحيدا. أليست الحياة في نهايتها تكون على هذا النحو؟ أليست "اليوم لك وغدا عليك"؟
هناك الكثير من الأشخاص في السياسة والإعلام وعالم الأعمال والقطاع البيروقراطي يظنون أنفسهم أصحاب الملك والدولة والوطن والشعب..
ننظر من ناحية لمن كرسوا حياتهم للكفاح الذي تخوضه تركيا ومن ناحية أخرى ننظر لأمثال هؤلاء.. وحينها يبدأ الخزي والعار بالظهور. ولهذا نقول إن لدينا مشكلة في اختيار الكوادر البشرية. فنحن بحاجة إلى "رجال حقيقيين" لا لأصحاب السير الذاتية الخداعة.
نعلم أن التواضع يعذيه النبل والمعرفة والنضج. فإذا لم يزد تواضع المرء بزيادة الغنى والمنصب والقوة، فهذا يعني أننا أمام وضعية في غاية الخطورة.
لا يمكن إخفاء التواضع تحت أي هوية سياسية أو دينية، بل يجب أن يكون في قلب الإنسان وعقله وشخصه.
فلا يمكنكم إخفاء الكبر بواسطة التواضع الشديد. ولهذا فهناك عبارة تقول "التواضع الشديد مصدره الكبر"، فهذه عبارة عالمية، وربما تكون مؤشرا بسيطا، لكنها معادلة استثنائية تساعدكم على فهم شخصية أعقد الناس.
تراهم يستخدمون عبارات منمقة ويقولون كلاما رائعا ويزينون كلامهم بكلمات شيقة. يظهرون بمظهر الأشخاص الناضجين، كما ترى كل تحركاتهم وكلماتهم متناسقة، فكلها محسوبة ومنتقاة بعناية فائقة.
تشعر بجوارهم أنك لا قيمة لك بسبب "رزاتهم". تراهم يسيرون يملأهم الوقار، فيخجل حتى الحجر والشجر من تواضعهم وحكمتهم! أخلاقهم حسنة، يتحدثون بطريقة تبهر الجميع، كما يتردون أحسن الثياب.
لكنهم في الواقع أبرز الأمثلة على الكبر والغرور والعنصرية.. ينظرون إلى الناس من منظور إسلامي، لكنهم لا يحبون من لا يتدين على طريقتهم، ولا يحبون كذلك الفقراء والمساكين، ولا يمثل بالنسبة لهم من ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل قضية ما أي شيء يذكر.
يحتقرون أمثال هؤلاء خلسة لا علانية. لا يحبون الصرحاء من الناس، يبتعدون عن من يعبرون عما بداخلهم، يبعدون عنهم من يجتهدون بكل ما أوتوا من قوة لمواصلة الحياة، فلا يتحدثون معهم ولا تربطهم بهم أي علاقة، بل إنهم لا يسكنون حتى في أحيائهم، لأنهم يحتقرونهم ويقللون من شأنهم.
إن أمثال هؤلاء يسممون حياتنا ويصيبونا بالخزي والعار والآلام. ولهذا فإن سبب انتشار رد الفعل الغاضب تجاه ويسل إيبكجي، لا سيما بين أبناء التيار المحافظ، هو جرح مشترك أصابنا جميعا.