|
هجوم مؤسسات التواصل الاجتماعي على تركيا بعد أمريكا. لقد وزعوا المهام بينهم منذ زمن بعيد
لقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي في بادئ الأمر أدوات
"
القوة الناعمة
"
التي استغلتها أمريكا في شتى بقاع العالم، فكانت تستخدمها من أجل تلميع صورتها وصورة أسلوب حياة شعبها وعولمتها وفي نهاية الأمر هيمنتها على العالم، كما كانت تروج لكل ذلك من خلال الديمقراطية وحرية التعبير وحساسية الجماهير
.
ولتحقيق هذا الهدف دعمت واشنطن هذه الشركات واستثماراتها الرقمية بشكل استثنائي حتى حولتها إلى كيانات اقتصادية عملاقة تقود عجلة التكنولوجيا وكذلك قاطرة الاقتصاد العالمي، بل إنها أضحت قوة دولية لا يستهان بها
.
مواقع التواصل الاجتماعي صارت تنفذ تدخلات عسكرية
!
ولقد حولت الإدارة الأمريكية هذه الشركات في هذه المرحلة إلى ما يشبه
"
القوة الخشنة
"
، فكانت وسيلة لتنفيذ تدخلات سياسية أكبر من تدخلات القوة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية وكذلك مخططات زعزعة استقلال الدول وتغيير أنظمتها
.
كما كانت هذه الشركات أداة لإعادة بسط السيطرة الأمريكية على العالم ونشر قوة لم يستطع الجيش الأمريكي الوصول لها وفرض كل ما هو جيد وسيئ لتحقيق المصالح الأمريكية وبالتالي تنفيذ تدخلات قهرية لخدمة هذه المصالح
.
أضف إلى ذلك أنّ هذه الشركات استغلت في عدة دول كأداة للتلاعب بعواطف الجماهير ودعم الأنظمة المناصرة للولايات المتحدة وإضعاف تلك التي تعارضها وبعد ذلك إسقاطها تمامًا، وكانت هذه الجهود مكثفة عبر الأنظمة والزعماء على حدّ سواء
.

تجهيز قرارات إعدام الزعماء وتنفيذها

ولقد كانوا يجهزون قرارات إعدام الزعماء الذين لم يكونوا يتحركون وفق المصالح الأمريكية سياسية وجيوسياسيا واقتصاديا وكذلك الدول التي كانت تغلق حدودها في وجه الشركات الأمريكية رغم مواردها وأسواقها
.
ولقد كانت الثورات المخملية التي رأيناها في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزستان ولبنان أولى نماذج هذا المخطط الذي كان أقذر نماذجه ما حدث في ليبيا عندما أسقطوا القذافي وأشعلوا الحرب الأهلية هناك
.
وكانت تحجيم الربيع العربي والسيطرة عليه والوصول به للنتيجة التي تريدها أمريكا والغرب هو أحد أشمل المخططات التي نفذوها
.
وقد كانت أحداث غيزي بارك في تركيا وتدخلات
17-25
كانون الأول
2013
وهجوم
15
تموز أبرز النماذج الوحشية لهذه التدخلات الدولية التي تتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
.

والآن هذه القوة تضرب أمريكا:

تجربة مشروع تغيير الأنظمة في أمريكا

لقد وصل الأمر لمرحلة ظنّ فيها من يبحثون عن دعم الإدارة الأمريكية للبقاء في السلطة أنّ بإمكانهم شراء السلطة من هذه الشركات، فكانوا يقدمون على خطوات في هذا الطريق؛ إذ رأينا الكثير من النماذج لهؤلاء في كل مكان حول العالم
.
لكن في النهاية ارتدت هذه القوة للولايات المتحدة وبدأت تضربها عندما بدأت الشركات التي دعمتها تجرب تغيير النظام الأمريكي كما فعلت حول العالم
.
إن الإدارة الأمريكية اليوم تتعرض للضربات بسلاحين صنعتهما بنفسها، أحدهما الإرهاب والآخر وسائل التواصل الاجتماعي
.
فأمريكا التي صنعت من عبارة
"
مكافحة الإرهاب
"
عقيدة دولية أصبحت تتحدث اليوم عن
"
الإرهاب الداخلي
".
فالولايات المتحدة التي كانت تغيّر الأنظمة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تناقش اليوم تغيير نظامها بالسلاح ذاته
.
كما أنّ أمريكا التي روجت للانقلابات بهذه الطريقة في العديد من الدول وصفت الهجوم الذي تعرض له الكونغرس الأسبوع الماضي بالانقلاب وأخذت تتناقش حوله
.

القضية ليست ترامب، ألم تفهموا ذلك؟

لقد استغلت الحكومات هذه المواقع في البداية، والآن بدأت هذه المواقع تستغل سلطة الحكومات لتكتسب مزيدًا من القوة، وفي المرحلة التالية ستقصي الحكومات من على الساحة وستسحق كل من يقف أمامها من خلال الجماهير
.
لا شك أنّ ترامب يمكن أن يكون موضع نقاش وجدل بكل جوانبه من افتقاره للاتزان وما يتبناه من آراء سياسية وعجزه عن توقع ما سيحدث وما إذا كان رئيسًا مناسبًا لأمريكا وموقفه من الصراع داخل أروقة السلطة في واشنطن وما ارتكبه من أخطاء، لكن ما يحدث في أمريكا مرتبط بأمور مختلفة تمامًا حتى وإن طرح للنقاش من خلال شخص ترامب، فالأمر معقد للغاية سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو سائر دول العالم، فهذه القوة التي تسعى لتصفية ترامب تحاول تنفيذ مخطط مختلف تمامًا
.

إنهم يؤسسون عالمًا منزوع الحكومات والقادة والدول والمعتقدات والقيم

إنهم يحاولون تأسيس عالم جديد لا تلعب به الدول والحكومات والمجتمعات أي دور ولا يكون لأحد به كلمة مسموعة سوى تحقيق مصالح هذه الشركات لتصل إلى ما تطمح إليه من قوة وسلطة
.
إننا ننجرف نحو هاوية الجشع والأنانية والجنون الخطير
.
ولو عجزنا عن إيقاف هذه العاصفة فإن الزعماء والدول والحكومات والمعتقدات والقيم والإنسانية كلها ستكون جزءًا من التاريخ وستختفي
.
لقد أعلنوا رئيس الولايات المتحدة
"
تهديدًا داخليًّا
"
، وحولوا إلى عدو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيس بوك وإنستغرام وغيرها، ضاربين عرض الحائط بحرية التعبير، فلم يسمحوا له حتى بإصدار أبسط التصريحات، بل وحاولوا عزله قبل
10
أيام فقط من انتهاء مدته
.
إنّ ما نعيشه هو حالة جديدة من أحوال الوتيرة التي بدأت بالثورات المخملية
.
فمثلًا إنهم يفعلون الشيء ذاته اليوم في الكونغو التي حظروا حسابات رئيسها وأفراد الحكومة قبيل الانتخابات
.
وغدًا سيفعلون الأمر ذاته في غيرها من الدول
.

بدء تحركات أعوانهم في تركيا منذ وقت طويل

عاصفة الأكاذيب جزء من هذا المخطط

إنّ هذه الشركات تفتح المجال أمام تنظيمات إرهابية مثل بي كا كا لتفرض علينا عالمًا يصدر الأحكام ضد الحكومات
.
كما أنّ عالم الأكاذيب على المستوى الدولي يفعل ذلك من خلال تشكيل موجات مجتمعية تستند إلى وعي الشعوب، ليمثل ذلك شكلًا من أشكال احتلال عقول الناس
.
وإنّ عاصفة الأكاذيب التي روجوا لها في تركيا بواسطة حزب الشعب الجمهوري وشركائه، تلك العاصفة التي أصابتها بالحيرة والدهشة، تستمد قواها من هذا المخطط الذي ظنناه جزءًا من نقاشات السياسة الداخلية لكنه يجمع تحت مظلته الأحزاب السياسية والتنظيمات الإرهابية معًا، وهو يعتبر النسخة التركية لما نراه اليوم في أمريكا
.
ينبغي للحكومات تحجيم هذه القوة والوصول لطريقة لتحقيق ذلك والاهتداء لدرب يمكنها من تخليص الشعوب والمجتمعات من هذه الوحشية الجديدة
.

هذه الأقلية الأنانية ستقول "علينا تقليل عدد سكان الأرض"

وإلا فستكون الأرض ملكًا لأقلية من الأنانيين
.
وهذا لا يمثل خطرًا بالنسبة للمجتمع الأمريكي وحسب بل لكل الشعوب والمجتمعات حول العالم
.
إننا نتابع هذه الشركات اليوم بصفتها طرفًا سياسيًّا في المعادلة، لكن في المرحلة المقبلة سنراها تعلن الحرب على الحكومات، وأما في المرحلة التي تلي ذلك فإنها ستعلن الحرب على الشعوب
.
كما أنهم سيجربون في يوم من الأيام الترويج لمخططاتهم لتقليل عدد سكان الأرض من خلال عبارات منمقة من قبيل
"
سكان الأرض كثر بالنسبة للموارد المتاحة، فعلينا تقليلهم
".

بصراحة ووضوح: سيهاجمون تركيا بعد الولايات المتحدة

لقد وزعوا المهام بينهم منذ زمن بعيد

أقولها صراحة؛ إنّ هذه الشركات بعد أن تربح معركتها داخل أمريكا سيكون أول شيء تفعله هو الهجوم على تركيا التي ستشن ضدها حركة شعثاء حتى عام
2023.
ستتدخل صراحة في الانتخابات، سيفعلون ذلك بكل وقاحة وصراحة، كما سينفذون تدخلًا أكبر مما حدث في
15
تموز/يوليو
.
فلم يعد اسم ذلك
"
انقلاب
".
ولقد وزعوا المهام والأدوار داخل تركيا منذ زمن بعيد
.
إننا نرى منذ اليوم الزعماء والأحزاب السياسية والتنظيمات الإرهابية ورؤساء البلديات والغرف المظلمة تعمل بتنسيق كامل
.
ولعل أولى خطوات هذا المخطط هي
"
الأكاذيب
"
التي يروجون لها بمنهجية من خلال حزب الشعب الجمهوري وعناصره
.

يجب تأسيس "نقاط مقاومة"

لقد انتهى التاريخ منذ وقت طويل بالنسبة للغرب

لكنه يبدأ حديث بالنسبة لنا

يجب على تركيا تأسيس نقاط مقاومة في كل شبر من أرضها وكل فئة من مجتمعها وكل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وأي مكان تصل إليه يدها
.
كما ينبغي لها تشكيل قلاع مدنية بقدر دروع الدفاع عن الدولة
.
لم يعد هناك شيء اسمه هوية سياسية داخلية في تركيا، فلم يعد هناك سوى أصحاب محور تركيا ومن يسعون الوصول للسلطة من خلال هذه الشركات، فالصراع في هذا المجال، وهو لم يعد داخليًّا بل أصبح دوليًّا
.
إذا ينبغي النظر لهذه الاستعدادات على أنها مسألة بقاء وأمن قومي
.
لقد ظهرنا على الساحة حديثًا ومجدّدًا
.
ففي الوقت الذي انتهى فيه التاريخ بالنسبة للغرب بدأ حديثا بالنسبة لنا
.
وسنعرف كيف نكون أقوياء وليس يائسين
.
فتاريخ هذا الصعود سيستمر طويلًا بالنسبة لنا
.
لسنا قلقين بعدما اتخذنا ما يلزم من احتياط، وسنربح نحن دائمًا
.
#تركيا
#الولايات المتحدة
#ترامب
#وسائل التواصل الاجتماعي
3 yıl önce
هجوم مؤسسات التواصل الاجتماعي على تركيا بعد أمريكا. لقد وزعوا المهام بينهم منذ زمن بعيد
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا