|
لماذا يتمّ الحديث عن اتفاق أضنة؟ ولماذا ترحّب أنقرة به؟

قضيت نصف شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 1998 وأنا أتجول على الحدود المشتركة لتركيا مع سوريا بصفتي مراسلًا شابًّا يعمل بقناة تلفزيونية.

انتقلنا من أورفا إلى هاتاي حاملين الميكروفونات، فسرنا بمحاذاة الأسلاك الشائكة الصدئة التي ترسم الحدود بين البلدين، كما شربنا من العيران الذي أكرمنا به في آنية نحاسية السكان المحليون الذين لم يكونوا يشعرون بأي هلع بسبب الحرب مثلما كنا نشعر، لحكمة لا يعلمها إلا الله، لكننا نقلنا إلى القنوات التي كنا نعمل بها أخبارًا عن "حالة من الحذر على الحدود مع سوريا".

لكننا ما كنا ننقل أخبارًا كاذبة أبدًا

وبالرغم من أنها لم تكن تلفت انتباه سكان القرى الحدودية كثيرًا، إلا أنّ البيانات التي كانت تصدر من أنقرة تحولت إلى العنوان الأبرز لأجندة "التعزيزات العسكرية" التي كان جانبها النفسي أقوى بكثير من واقعها.

وفي نهاية المطاف أثمر ذلك الضغط الذي يهدف لأن ينهي النظام السوري دعمه لمنظمة بي كا كا الإرهابية، وأصبح نظام حافظ الأسد مستعدًا لتلبية مطالب تركيا بمبادرة إيرانية – مصرية.

وقد أسفرت تلك الوتيرة عن عدة نتائج فعلية على أرض الواقع منها على سبيل المثال طرد عبد الله أوجلان من سوريا، كما كان من بين نتائجها الأخرى الاتفاق الذي أطلق عليه اتفاق أضنة الذي عاد النقاش حوله بعد 21 عامًا من توقيعه مع التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي بوتين خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره التركي أردوغان في موسكو قبل خمسة أيام.

ويمكن أن نرى المسألة وهي تكتسب صفة الجدية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ أردوغان رحّب بمقترح الاتفاق الذي أشار إليه نظيره الروسي.

لماذا تُرحّب أنقرة باتفاق أضنة؟ ما الهدف؟

كما تعلمون فقد وقع مسؤولون من أنقرة ودمشق في مدينة أضنة التركية قبل 21 عامًا الاتفاق الذي يشكل أساسه التعهدات التي قطعها النظام السوري على نفسه للحيلولة دون التهديدات الفعلية التي تستهدف من خلال منظمة بي كا كا الإرهابية الأراضي التركية.

حسنًا، ما هي أسباب تذكر هذا الاتفاق اليوم؟

وما هي السيناريوهات التي يمكن أن تظهر على الساحة إذا ما تطورت الأمور استنادًا إلى هذه الأرضية؟

فهذان السؤالان يعتبران سؤالين مهمين استنادًا لما سيحدث خلال المرحلة المقبلة.

لكن اسمحوا لي أولا أن أشدّد على النقطة التالية قبل أن نبدأ نقتفي أثر التطورات من خلال هذين السؤالين:

سيكون من قبيل الصواب أن نعتبر تذكير بوتين باتفاق أضنة أمام وسائل الإعلام وإعلان أنقرة على أعلى مستوى ترحيبها بهذه الصيغة بمثابة بديلا لمفاوضات أنقرة – واشنطن التي بدأ بقرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا.

وكما هو معلوم فإن المفاوضات التي تديرها واشنطن مع أنقرة ترمي إلى الحيلولة دون أي عملية عسكرية تنفذها تركيا قبل ظهور اتفاق يحمي بي كا كا/ي ب ك.

وأما الاتفاق الذي توصل إليه أردوغان مع بوتين فيستند إلى وجهة نظر مفادها استهداف نظام دمشق، المدعوم من روسيا، لمنظمة بي كا كا الإرهابية بغية تهدئة المخاوف الأمنية التركية.

وهذه النقطة بالتحديد هي النقطة التي جعلت من مقترح بوتين جذابا بالنسبة لأنقرة.

هل يستهدف نظام دمشق بي كا كا؟

عندما أخبرني مسؤول أمني في أنقرة تحدثت معه قبل أشهر حول الملف السوري أنه يتوقع أن يتضمن السيناريو النهائي اندلاع حرب بين نظام الأسد وبي كا كا، لم أقتنع بكلامه وطرحت عليه أسئلة متتالية كان مفادها "وهل هذا ممكن؟"

بيد أنّ كلّ تطور يدعم هذا السيناريو تذكرني بذلك اللقاء الذي أجريناه قبل أشهر.

وكنت قد نقلت في مقال سابق لي هنا ما سمعته من مسؤول إيراني أجرينا مقابلة معه يوم الخميس. وعندما ننظر إلى القضية انطلاقا من هذه النقطة سنرى أنه يمكن إضافة طهران كذلك إلى وتيرة التنسيق القائمة بين أنقرة وموسكو حول اتفاق أضنة. لكن بطبيعة الحال ينبغي أن نتوقع تخطي مجموعة من العقبات من أجل تنفيذ هذا الاتفاق.

كان الرئيس أردوغان قد كرّر في طريق عودته من موسكو تصميمه على عدم إقامة أي علاقة جديدة مع بشار الأسد الذي تلطخت يداه بدماء شعبه. وهو موقف محق للغاية وما يخالفه يحمل مخاطر قادرة على وضع التميز الأخلاقي لتركيا في موقف صعب.

غير أن لتركيا، مثل كل الدول، وحدات تحافظ على قنوات التواصل حتى مع "الثعبان" (ييلان) مفتوحة عند الحاجة. نذكر منها رئاسة الاستخبارات الوطنية.

ويمكن أن نضع في الحسبان أن يكون جهاز الاستخبارات التركي يعقد/سيعقد لقاءات مع نظام دمشق من أجل الأهداف المشتركة، لا سيما وأنه يقدم مساهمات مهمة لصالح مكاسب تركيا مستخدما دبلوماسيته الاستخباراتية في تعامله مع الملف السوري. فالمهم في الأمر هو القدرة على التقدم للأمام للوصول إلى الأهداف المرجوة.

وإذا ما استهدف نظام دمشق بي كا كا حتى استئصال شأفته وفق الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة مع موسكو، فإن المخاوف الأمنية التركية بشأن الحدود ستتلاشى من تلقاء نفسها. وهذا هو السبب الرئيس لترحيب تركيا باتفاق أضنة.

ويمكن اعتبار موقف بوتين على أنه إعلان لنية خيار كهذا، أي فكرة استهداف نظام دمشق لبي كا كا.

وبإمكاننا أن نرى كذلك أن عودة الحديث عن اتفاق أضنة وفق المعطيات المتاحة حاليًّا بثّ حالة من الرعب في صفوف بي كا كا، وحزب الشعوب الديمقراطي (حزب سياسي تركي). وربما تسألون من أين نفهم هذا؟

نفهمه مما قاله سزائي تمللي الرئيس العام المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الذي تسلم منصب صلاح الدين دميرطاش بعد دخوله السجن؛ إذ قال تمللي أمس ما يلي:

"ما الذي حدث لتتذكر اتفاق أضنة الموقع عام 1998؟ أدعوك ألا تتذكر مثل هذه الأشياء، بل عليك تذكر كيف ستترك الحكم بعد انتخابات 31 مارس/آذار. فإذا كان اتفاق سيبرم، فإنه سيبرم بالتضامن بين سكان سوريا ودستور سوريا الديمقراطية. فهذه هي الطريقة الوحيدة كي يحل السلام والديمقراطية في سوريا".

ونفهم من هذه الكلمات أن الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي يعلق آماله على الانتخابات المحلية التي ستجرى في تركيا نهاية مارس المقبل كي لا يتمّ "تحديث" اتفاق أضنة.

وإذا تذكرنا الوتيرة التي تنظر للانتخابات المحلية من نافذة "قضية البقاء" بالنسبة لتركيا، سيكون بإمكاننا أن ننظر إلى هذه الكلمات من خلال فكرة أن انتخابات 31 مارس/آذار ليس فقط عبارة عن انتخابات عادية

#محمد آجات
#سوريا
#شرق الفرات
#بي كا كا
5 yıl önce
لماذا يتمّ الحديث عن اتفاق أضنة؟ ولماذا ترحّب أنقرة به؟
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان