|
بضعة أسابيع على منبج وبضعة أشهر على شرق الفرات

عندما خرجت من باب مبنى البرلمان في أنقرة وقت الظهيرة لالتقاط بعض الأنفاس في الهواء المشمس، لاحظت على مسافة 10 أمتار أمامي نحو 20 كاميرا مصطفة وتلتقط الصور.

وفي الوقت الذي اعتقدت فيه أنّ هذا العدد من الكاميرات والميكروفونات قد احتشدت من أجل أحد زعماء الأحزاب السياسية، رأيت أنّ من يتحدث أمام عدسات الكاميرات هو النائب البرلماني تامر أكال الذي استقال من الحزب الجيد وانضمّ لصفوف حزب العدالة والتنمية.

يجب اعتبار أنه من الطبيعي أن تهتم وسائل الإعلام بنائب برلماني اصطبغ بصبغة حزب العدالة والتنمية بعدما استقال من الحزب الجيد.

ولنكتب ما يلي انطلاقًا مما قاله أحد مسؤولي العدالة والتنمية:

"إنّ الحزب الجيد ليس هوية سياسية، بل إنّه حركة وجدت لنفسها مكانًا على الساحة السياسية بجذبها الناخب الغاضب ليدعمها".

ليس من السهل أبدًا أن يصمد المرء بين صفوف حزب سياسي عاجز عن صياغة أيدولوجية محددة ومبادئ وقيما مشتركة خاصة به. وبانتقال أكال إلى صفوف العدالة والتنمية يظهر أمامنا سؤال آخر مهم:

هل تستمرّ مثل هذه الانتقالات خلال الفترة المقبلة؟

وإذا ما أقدم النواب الآخرون المنزعجون من تحالف الحزب الجيد مع حزب الشعوب الديمقراطي، كما قال أكال، ووصل عددهم إلى 7 أو 8 نواب، فإنّ هذا يعني أنّ حزب العدالة والتنمية سيتمكن من حيازة أغلبية البرلمان بمفرده.

وهو ما يضفي أهمية كبيرة على هذا السؤال.

أردوغان يحدد توقيت عمليتي منبج وشرق الفرات

الوفود القادمة من واشنطن، الزيارات التي تتم إلى موسكو، مكالمات أردوغان وترامب، مقترحات المنطقة الآمنة التي يكشف عنها النقاب...

لقد كانت هذه النقاط ترسم ملامح أجندة الأحداث في تركيا في معظم الأحيان على مدار شهر يناير/كانون اث الماضي، إلا أنها بدأت تأتي في المقام الثاني منذ بداية هذا الشهر في ظل الاهتمام بأجواء الانتخابات.

وكان الرئيس أردوغان قد ألقى كلمة أمس خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، فأدلى بتصريحات جديدة أعادت من جديد الحديث عن الملف السوري.

ومن الواضح أن أنقرة عادت من جديد لتتبنى الفكرة التي تقول إن "الولايات المتحدة ستترك الأمر معلقًا مجدّدًا من خلال تكتيك المراوغة".

ونفهم ذلك من كلام أردوغان الذي قال فيه:

"نجري اتصالات مثمرة ومفعمة بالأمل مع السيد ترامب. لكننا عاجزون عن الوصول للنتائج المثمرة ذاتها خلال اللقاءات التي تعقد على مستويات أقل. فهم لم يضعوا أمامنا حتى اليوم أي خطة واقعية ملموسة. كما أنّ صبرنا له حدود".

وتعكس هذه العبارات الوضعية المزمنة التي وصلت إليها المباحثات مع واشنطن حول سوريا في مرحلة ما. أي أنّ ترامب يتخذ قرارًا تستند إليه أنقرة في تحديد موقف جديد لها، إلا أن الإدارة والمؤسسات الأمريكية تبدأ تعليق الأمر في الهواء من خلال طرق كالمراوغة والتضليل وتفريغ القرار الصادر من محتواه.

فبالرغم من مرور نحو شهرين على قرار الانسحاب الذي أصدره ترامب، لم نشهد أي إشارات واقعية تبرهن على أن هذا القرار سينفذ على الأرض، ولهذا بدأ أردوغان أمس يتحدث من جديد عن هذه النقطة بتقديمه تواريخ محددة بعدما كان قد قال عندما أعلنت واشنطن قرار الانسحاب "سنؤخر العملية العسكرية".

وضع أردوغان تاريخا لتنفيذ عملية عسكرية في منبج خلال بضعة أسابيع وفي شرق الفرات خلال بضعة أشهر. ولهذا يجب الانتباه جيدا لكل عبارة قالها أردوغان على النحو التالي:

"إن لم يطرد الإرهابيون من منبج خلال بضعة أسابيع، ستنتهي فترة انتظارنا، وسيحق لنا تنفيذ خططنا الخاصة. فعندما تقصم القشة ظهر البعير، لن نكون مضطرين لاستئذان أحد أو أن يحاسبنا أحد على ما سنفعله. ولن يثنينا عن هذا الطريق أي تهديد بما في ذلك حزمة العقوبات. يسألنا كل العشائر التي في المنطقة متى سنأتي. ولقد أصدرت هذه التعليمات صراحة لكل الزملاء الذين يجرون هذه اللقاءات.

كما أن فترة انتظارنا ستنتهي إن لم ترسَّخ دعائم إدارة سكان المنطقة لشؤونهم بأنفسهم بمساعدة تركيا في شرق الفرات خلال بضعة أشهر".

من الواضح جدا ماذا كان يقصد أردوغان بعبارة "بضعة أسابيع".

وإذا اعتبرنا أننا سنبدأ بعدّ الأشهر بعد مرور 4 أسابيع، فيمكن أن نقول إن الرئيس التركي يتحدث عن مهلة لا تزيد على شهر من أجل تنفيذ عملية منبج.

"لن تستطيعوا إيقافنا بعصا الاقتصاد"

تعالوا نتذكر التغريدة التي نشرها ترامب بعد منتصف ليل أحد الأيام.

ماذا قال؟

"لو ضربت تركيا الأكراد سندمر اقتصادها".

كان أردوغان قد اتصل بترامب تلك الليلة بعد هذه التغريدة وأخبره بما كان سيقوله مباشرة بدلا من أن يدلي بتصريحات شديدة اللهجة أمام الرأي العالم حتى لا يؤجج نار القضية.

بيد أن الرئيس التركي قال أمس في كلمته عبارتين في غاية الأهمية أشارتا إلى أن أنقرة لن تتراجع قيد أنملة حتى لو استغلت واشنطن ورقة الاقتصاد للضغط:

"لن يوقفنا أي شيء في هذا الطريق بما في ذلك حزم العقوبات. سننفذ ما وعدنا به شعبنا بشأن سياستنا في سوريا مهما كان الثمن".

ويمكن قراءة هذه الكلمات على النحو التالي:

بعد أن امتصت أنقرة صدمة هجمات التهديد بالإيقاف التي جاءتها من واشنطن، بما في ذلك تهديد "تدمير الاقتصاد"، فقد ألقت الكرة مرة أخرى في ملعب الطرف الآخر.

لكن دعونا نرى كيف سيكون رد الفعل هذه المرة.

يمكننا أن نفهم هذا القدر من القضية:

إذا أدركت الإدارة الأمريكية أن عصا الاقتصاد كذلك لن تنفعها لردع تركيا، فإنها – في الواقع – ستجد صعوبة كبيرة للغاية هذه المرة لتخرج "أرنبا" آخر من قبعتها.

#منبج
#أردوغان
#حزب العدالة والتنمية
#تركيا
#شرق الفرات
#ترامب
٪d سنوات قبل
بضعة أسابيع على منبج وبضعة أشهر على شرق الفرات
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية