|
حان وقت تحويل الأنظار من البحر المتوسط نحو الغاز الطبيعي في البحر الأسود

خلال البث الذي عقدناه من سفينة الفاتح التي تقوم تقوم بأعمال الحفر والتنقيب في البحر الأسود، توجّهت بالسؤال لوزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، حول المحاولات التي تسعى إلى منع تركيا من مواصلة أنشطة التنقيب عن الغاز الطبيعي في أعماق البحر.

لا شك أن الخطوات التي اتخذتها أنقرة والتي أخذت زخمًا متسارعًا خلال الأعوام الخمسة الماضية، في مجال الطاقة، يعتبر "قفزة عالمية" مهمة للغاية فيما يتعلق بسياسات الطاقة، عالميًّا لا إقليميًّا فقط.

خلال عام واحد فقط، تم الإعلان عن اكتشاف 540 مليار متر مكعب من صافي احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأسود، بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار وفق الأسعار الجارية.

ونظرًا لأن أعماق البحر الأسود باتت معروفة بشكل أفضل من السابق من خلال الخوارزميات المطوّرة حديثًا، فإن توقعات وتقديرات عدة قوية تشير إلىوفرة الغاز الطبيعي في عمق البحر. بشكل أكبر.

ولذلك، بينما تقوم تركيا دون كلل وملل بمهمة استنخراج الغاز المكتشف من أجل إيصاله إلى المنازل، فإنها تبدو متيقظة للغاية في ظل هذه المرحلة، من أي حسابات أو محاولات تخريبية لما حققته حتى الآن.

نعود لسؤالي للوزير دونماز في هذا الصدد، حيث أجابني بالقول؛ "لقد واجهنا خلال أنشطتنا في البحر المتوسط، عددًا من العقوبات والتهديدات التي كانت في البدية سرًّا ثم ما لبثت أن تحولت إلى علانية. إلا أن رئيسنا وقف وراءنا بالفعل حتتى النهاية، دون تقديم أي تنازلات. ولذلك واصلنا أعمالنا بمثابرة، وسنواصلها بعد الآن كما هو مخطط".

لا يمكنك تحويل تدفق النهر نحو الأعلى

دعونا نواصل حديثنا، من خلال البحر المتوسط.

خلال الأيام الأولى من العام المنصرم عام 2020، تم التوقيع على اتفاقية في أثينا، بمشاركة زعماء اليونان وقبرص الرومية وإسرائيل.

وعُرفت هذه الاتفاقية بمشروع "إيست ميد" خط أنابيب البحر المتوسط، من أجل نقل الغاز الإسرائيلي عبر خطوط الأنانيب إلى إيطاليا عبر قبرص الرومية واليونان، عبر تهميش تركيا وتجاوزها.

ومما يبدو فإن تلك الدول قد أزالت كل علامات التردد حول هذا الخط، واتخذت قرارها النهائي في هذا الشأن. إلا أن هناك ريًا آخر، مصدره جهات معنية بملف شرق المتوسط وتعمل عليه ليل نهار.

هذا الرأي يقول أنه "لا يمكنك تحويل تدفق النهر نحو الأعلى"، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه في مثل هذه المشاريع يكون العامل المحدّد على الدوام هو الاقتصاد. وفقًا للاتفاقية الموجود، فمن الواجب مد خط أنابيب بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز من إسرائيل إلى إيطاليا، أي نحو الأسواق الأوروبية. إلا أن هذا الخط في حال مرّ من خلال تركيا، فستكون تكلفته أقل كما سيتقلص طوله أيضًا. وهذا يعني أن الغاز يصل إلى الأسواق الأوروبية بتكلفة أقل بكثير وبمكاسب أكبر بالنسبة لمالكي الغاز.

لقد بدأت تركيا في إحكام نفوذها على مسار مشروع خط أنانيب إيست ميد، تماشيًا مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مع ليبيا في نوفمبر 2019.

وهذا التحرك في الحقيقة يحتوي على رسالة واضحة مفادخا، أنه "لا يمكنكم تشغيل خط الأنابيب دون موافقتي".

لكن مع ذلك، يلاحظ أن هناك جهودًا تهدف للتفاهم والإقناع كوسيلة لتجاوز ذلك، ولقد بات ذلك أكثر بروزًا خلال الآونة الأخيرة.

لا تريد أنقرة علاقات متوترة مع الغرب، سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لا سيما في ظل تهديدات العقوبات.

من الممكن أن يوفر البحر الأسود تفوقًا على البحر المتوسط على اعتبار الثراء الجوفي خلال السنوات المقبلة

لقد تحدثنا حول البحر المتوسط وملف التنقيب هناك، إلا أن الموضوع الرئيسي لهذا المقال هو البحر الأسود.

ولو سألتم عن السبب، فإن ما سمعناه من الأوساط المعنية يشير بوضوح إلى أن الإمكانات في البحر الأسود ستصبح أكثر إثارة للأسواق الأوروبية مستقبلًا.

يتم استخدام نحو 500 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا في أوروبا. أي نحو عشرة أضعاف ما تستخدمه تركيا. ومع الاكتشافات التي ستجري في البحر الأسود خلال السنوات المقبلة، فإننا سنتحدث عن أرقام أكثر بكثير من كمية الغاز الطبيعي المكتشفة حتى الآن.

ومن ناحية أخرى، فإننا لا نحتاج إلى مد مئات الأميال من خطوط الأنابيب تحت سطح البحر لنقل الغاز الطبيعي من البحر الأسود إلى الأسواق الأوروبية، بينما سنحتاج إلى ذلك في البحر المتوسط.

وإن تكلفة استخراج الغاز الطبيعي، وتكلفة نقله للأسواق الأوروبية، ومن ثم تكلف شرائه في تلك البلدان، ستكون أرخص بكثير في البحر الأسود مقارنة بالبحر المتوسط.

كل هذا يدفع بالضرورة لتوقع أن يهيمن البحر الأسود على البحر المتوسط من حيث استخدام الثروات الجوفية المكتشفة خلال السنوات المقبلة.

إضافة لما سبق، فإن تقاسم النفوذ البحري وترسيم الحدود في البحر الأسود مسألة انتهت منذ ثمانينات القرن الماضي، بخلاف البحر المتوسط الذي لا يزال محل صراع على النفوذ وتقاسم الحدود.

لكن مع ذلك فإن أنقرة تبدو متيقظة حتى في عمليات التنقيب في البحر الأسود، من أي محاولات تسعى لإعاقتها عن مواصلة أنشطتها هناك. ومن المهم جدًّا أن نضع في الاعتبار أن لعبة الطاقة هي لعبة ضخمة.

ومن الواجب التذكير بأهمية الاستقرار لا سيما الاستقرار السياسي إلى حين استخراج الغاز الطبيعي وجلبه إلى منازلنا.


#البحر الأسود
#الغاز الطبيعي
#فاتح دونماز
#الغاز تركيا
3 yıl önce
حان وقت تحويل الأنظار من البحر المتوسط نحو الغاز الطبيعي في البحر الأسود
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية