|
مفاوضات صعبة في سوتشي

أذكر قبل سنوات خلال حديثي مع أحد الدبلوماسيين (الأتراك)، تحدث عن صعوبة التعامل مع الروس، وقال؛ "أولًا يقومون بتنحية حصصهم عن أية مفاوضات ولا يلمسونها، ثم يحاولون أخذ ما يستطيعون من خلال التفاوض على ما دون ذلك".

بالنسبة لي، أعتقد أن أقوى نقاط القوة بيد تركيا خلال "المفاوضات الصعبة" مع الروس، هي أن الرئيس أردوغان أيضًا "مفاوض صعب" يعرف كيف يستخدم اوراقه الرابحة بشكل مناسب".

التقى بالأمس الرئيس التركي أردوغان مع نظيره الروسي بويتن في سوتشي، في قمة مهمة للغاية.

بوتين قال في بداية اللقاء؛ "اجتماعاتنا مع أردوغان لا تسير دائما بشكل سلس، ومع ذلك، يمكن لمؤسساتنا ومنظماتنا ذات الصلة أن تجد توافقا في الآراء".

كان من الواضح بالفعل أن أبرز المواضيع الهامة التي ستكون على طاولة سوتشي، موضوع إدلب السورية.

ونظرًا لتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي أدلى بها في نيويورك خلال اجتماعات الأمم المتحدة، فقد أشار إلى أن هذه القضية ستطرح في قمة سوتشي بين أردوغان وبوتين، بعد أن تهم بالطبع تركيا بما وصفه بـ"عدم التمييز بشكل كاف بين الإرهابيين وغير الإرهابيين في إدلب".

في الحقيقة ما يجعل الأمر معقدًا، هو أن الروس يعتبرون "إدلب" من جملة حصصهم. ولذلك السبب يعملون على فكرة أن تركيا ليس لها مكان في السيناريو النهائي.

لم يكن من الممكن حفاظ تركيا على وجودها هناك وإصراها على ذلك، إلا من خلال إظهار مقاومة كانت على حساب دفع الثمن وتقديم الشهداء وغظهار يقل قوتها عند الضرورة؛ على سبيل المثال الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالنظام السوري وعناصره عبر الضربات الجوية المكثفة من قبل المسيّرات التركية في فبراير/شباط 2020.

يتهم لافروف تركيا بعدم التمييز بين الإرهابيين وغيرهم، إلا أن هذا الاتهام في الواقع ليس سوى عبث لفظي. فكما يعلم الجميع بأن الروس ضربوا من المعارضة المعتدلة أكثر مما ضربوا بكثير من الجماعات المعترف عليها أنها إرهابية، منذ سبتمبر/أيلول 2015 حتى الآن، أي منذ ان أقحمت روسيا بكل قوتها في الحرب السورية.

بغض النظر عن ذلك، أليس معلومًا للجميع كيف قامت الطائرات الروسية وعناصر النظام السوري بوحشية لا تصدق، باستهداف المدارس والمستشفيات والأسواق التي يكتظ فيها المدنيون؟

لز نظرنا إلى التصريحات التي أدلي بها بداية الاجتماع أمس على أنها "مرجع"، سنجد أن بوتين ليس على استعداد كبير للتفاوض بشأن الملف السوري.

أشار بوتين خلال تصريحاته إلى أنه مع إدخال خط أنابيب "ترك ستريم" جعل تركيا تشعر بالأمان، على عكس الشعور الذي خيّم على الفترة الهشة في سوق الغاز الطبيعي بأوروبا.

كما تحدث عن نمو حجم التجارة الثنائية بين البلدين، بل وأشار إلى التعاون مع تركيا في ملف قره باغ وحتى ليبيا، لكنه لم يذكر شيئًا حيال التعاون في سوريا، وإن ذكر لكن ليس بذات المستوى والحجم.

في هذه الحالة يمكن ان نفهم نوابا بوتين من خلال احتمالين؛ الأول: ربما تقصد فعل ذلك لأنه لا يريد أن يعطي انطباعًا بأن الملف السوري وإدلب بالتحديد هما محور القمة. الثاني: أنه يريد القيام بهامش تفاوضي معين في الملف السوري وإدلب، بعد تحقيق بعض النتائج لصالح روسيا في ملفات أخرى.

لكن في المقابل، يمكن الملاحظ بسهولة ان محور الاجتماع بالنسبة لأردوغان كان الملف السوري وإدلب كانت الأولوية.

لقد قال أردوغان أن "السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا، والخطوات التي يتخذها البلدان معًا بشأن سوريا لها أهمية كبيرة"، كما أعرب عن ثقته بوجود فائدة كبيرة من استمرار العلاقات التركية الروسية وتعزيزها.

إضاففذلك، فإن شتى وسائل الإعلام عامة حينما ناقشت قمة سوتشي كانت تركز بشكل أساسي على موضوع.

من المحتمل بقوة ان يكون أردوغان خلال الاجتماع ذكّر الجانب الروسي ببعض الوعود التي قطعتها روسيا لكن لم تلتزم بها في إدلب.


نفهم ذلك من تصريحات مسؤول تركي كبير أدلى بها لوكالة بلومبرج قبيل القمة. حيث أوضح هذا المسؤول أن أردوغان خلال قمة بوتين، سيذكّر الأخير بقضية تنظيم " ي ب ك" الإرهابي ضمن الاتفاق المبرم بين البلدين. حيث يقتضي الاتفاق أن ينسحب تنظيم "ي ب ك" من مناطق مثل منبج وتل رفعت، التي أصبحت فيها روسيا ضامنًا بعد انسحاب الولايات المتحدة.

ولنتذكر أن تركيا التي تمكنت من تحرير المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض شرقي الفرات عبر عملية "نبع السلام" العسكرية، أجرت مفاوضات مع الولايات المتحدة ثم مع روسيا وتوصلت لاتفاقيات مع كلا الطرفين.

وفقًا لتلك الاتفاقيات فإن تنظيم "ي ب ك" الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية، سينسحب لمسافة 30 كيلومتر عن الحدود التركية.

لكن بالطبع لم يحدث أي من هذا القبيل، ولم يف الروس بوعودهم.



#تركيا
#روسيا
#قمة بوتين أردوغان
#سوتشي
#إدلب
٪d سنوات قبل
مفاوضات صعبة في سوتشي
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان