|
الشعور بالخوف!..

من الأهمية بمكان لأي جيش أن يُحرك جنوده وقواته إلى اليمين أو إلى اليسار، وأن يجعل تدريباتهم الروتينية ملفتة للنظر، أو أن يجعل قواته تتمركز عند نقطة معينة. لكن كل ذلك لا يخيفني بقدر التصريحات والأفعال التي تصدر عن فئة غير عادية.

فعلى سبيل المثال …

عينت بريطانيا، الجنرال السير باتريك ساندرز رئيسًا جديدًا للأركان العامة، الشهر الجاري، وكان الأمر الأول الذي أصدره لجيشه مفاده: "يجب أن نستعد مجددًا للقتال على الأرضي الأوروبية".

وفي اليوم التالي، أدلى قائد القوات الجوية الألمانية، الجنرال إنغو غيرهاردتز ببيان مفاده: "يجب علينا، نحن دول الناتو، أن نكون مستعدين لاستخدام الأسلحة النووية".

ألم تتوتروا بعد؟

في 14 يونيو/حزيران، أعلنت الحكومة الهندية عن خطتها لتحديث نظام التجنيد الخاص بها والمعروفة باسم "Agnipath" (وتعني بالهندية درب النار)، والتي وصفتها بأنها "إصلاح دفاعي كبير". وكانت النتيجة انتفاضة عشرات الآلاف من الشباب الهندي في عدد من الولايات بالبلاد.

والخميس الماضي، شنت طائرات روسية، ضربات جوية استهدفت مجموعات بقاعدة "التنف" الأمريكية الواقعة على الحدود "الجنوبية الغربية" من سوريا.

وحذر هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي الأسبق)، مؤخرًا ، من أن الأزمة الأوكرانية على وشك التحول إلى حرب شاملة ضد روسيا، وأنه يجب إيقافها في غضون شهرين.

كما أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، أن هذه الحرب قد تستمر لسنوات.

وتابع ستولتنبرغ: "يجب ألا نتوقف عن دعم أوكرانيا، وألا نستسلم مهما كانت التكلفة. وينبغي أن نقدم أسلحة متطورة حتى تتمكن أوكرانيا من استعادة أراضيها ".

أما عن موقف بريطانيا ، الراعي الرئيسي للحرب الأوكرانية ، فليس مختلفًا عن موقف حلفائها.

حيث قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: "يجب أن نزود أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة والتدريب على وجه السرعة. كما يجب علينا تطوير قدرتها القتالية. وكل هذا يتطلب سنوات من الجهود الحثيثة ".

كل هذه التصريحات، للأسف، بمثابة بناء صلب للشر ضد أدعية غالبية العالم، الذين يرغبون في أن تتحول الحرب الحالية إلى سلام؛ وعلاوة على ذلك، فإن تغذية الحلم المتمثل في أن أوكرانيا يمكنها هزيمة روسيا، وعرضه مع حزمة "مهما كان الثمن" يعني أن حلف الناتو سيشارك أكثر في الحرب. وليس هناك أدنى شك في أنهم جميعًا يستمدون قوتهم من تلقين واشنطن وتشجيعها.

وفي النهاية، يرتبط الأمر بخطط قمة "قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)" المقبلة التي ستُعقد في نهاية الشهر الجاري في العاصمة الإسبانية "مدريد"، وسيعطي ذلك فكرة عن طبيعة القرارات التي يتعين اتخاذها.

هذه هي الأجواء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفي الغرب. لكن الوضع في ساحة القتال ليس كذلك. فروسيا تتقدم ببطء ولكنها دائمًا في تقدم، وتستعد لطرح مجملها الاستراتيجي على الطاولة من خلال تجميع "نجاحات تكتيكية".

الهزيمة المحتملة في منطقة "دونباس" الأوكرانية بمثابة باب مفتوح على طريق مسدود بالنسبة للرئيس الأوكراني زيلنسكي. لأنه لم يبق من قواته شيء، والحاجز "السفلي" أمام القوات الروسية ضئيل للغاية. وستؤدي بطاقة قياس الأداء هذه أيضًا إلى تآكل هيبة حلف الناتو. أما عن هيبة الولايات المتحدة فقد قلت بالفعل، وسنرى نتيجة ذلك أيضًا في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة.

وفي غضون ذلك، قد تتزامن الانتخابات التي ستُجرى في أشهر الشتاء في بعض الدول الأوروبية، مع فترة تبلغ فيها مشكلة "التدفئة والوقود" ذروتها .وقد يتسبب هذا في "ارتعاش الأيدي" أثناء تصويت الأشخاص الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن الانتخابات في الاقتصادات الرائدة في أوروبا ستُجرى بحلول الشتاء المقبل، حيث سيؤثر نقص الغاز الروسي في المنازل والشركات الأوروبية بشدة. وسيبدأ اختبار الانتخابات في ألمانيا، التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الروسي، بالانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. كما ينتظر إيطاليا، وهي مستورد مهم آخر للغاز الروسي، الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في منتصف العام المقبل ".

ولأسباب مماثلة، تستمر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في نشر الخوف بين حلفائهما قبل قمة حلف الناتو المقبلة.

ببساطة، فإن "أسطورة الغول"، الراسخة بالعقل والتي يمكننا أن نقول فيها "تُرى على من سيحين الدور بعد أوكرانيا؟" من الممكن أن تكون فعالة أيضًا.

إن خطة أوكرانيا للقتال حتى تستعيد أراضيها المفقودة، ستجعل هذا البلد عبدًا لحلفائه، وستورطه في قيود عسكرية واقتصادية تستمر لعقود من الزمان.

وسيُشهد الانكسار الثاني في الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر طبيعي. إنها الحلقة الأكثر طبيعية في الغرب. فهو طاعن في السن، وسرعان ما يتعب.

وكتبت الصحف في كل بلد من بلدان القارة، أن التحالفات التقليدية داخل الاتحاد الأوروبي قد اهتزت. وبدورها قالت صحيفة "الباييس" الإسبانية الشهيرة: "لقد تسببت العملية العسكرية في ضرر لا يمكن إصلاحه في أقوى التحالفات داخل الاتحاد الأوروبي. حيث نشأت الخلافات والانقسامات بين "تحالف المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك" من ناحية، وبين تحالف "ألمانيا وفرنسا وبولندا" الثلاثي من ناحية أخرى.

واتفق بشدة مع ما قاله نائب رئيس الوزراء البولندي: "يؤسفني أن أقول، أن ألمانيا عنصر مدمر بشكل غير عادي لأوروبا. إنهم لا يروننا على قدم المساواة معهم. فهم ليس لديهم جنون هتلر، لكنهم يستخدمون أساليب أخرى."

ويتزامن هذا الخطاب مع التوقيت الذي سيتم فيه التنازل عن الجزء الغربي من أوكرانيا لبولندا، والذي أعلنت فيه بيلاروسيا قائلة: "إذا حدث هذا فسوف أتدخل."

أما المثال الأخير فهو زيارة رئيس الوزراء البريطاني لأوكرانيا، بعد يوم واحد من زيارة القادة الألمان والفرنسيين والإيطاليين إلى العاصمة الأوكرانية كييف. الجميع يعرف أن بوريس جونسون كان هناك (في أوكرانيا) في اليوم التالي لمفاوضات اسطنبول وقام بفسخ الاتفاق. ونفس الشئ؛ من المحتمل أنه قد قام بتعطيل اقتراحات باريس وبرلين وروما الرامية إلى إرساء السلام مع الروس.

هل يمكن للقيادات الأوروبية أن ترى أن هذا جزء من خطة الولايات المتحدة؟

هذا ما كان يعنيه "أمريكا عادت". هل يمكن أن يتم توطيد الخط الأوروبي - الأمريكي دون تخفيف القوات داخل الاتحاد الأوروبي؟

الصورة الحالية هي أن لحظة الفشل السياسي للغرب تقترب، في الوقت الذي يستعد فيه حلفاء الناتو للدفاع عن الوثيقة الاستراتيجية الجديدة التي سيكشفون عنها. وبالطبع، لن يقدموا جديدًا، بل سيضعون الشعب الأوكراني ودمى كييف في المقدمة، ولكن عندما يتعلق الأمر بباب أوديسا، سيتعين عليهم اتخاذ قرار.

#نيدرت إيرسانال
2 years ago
الشعور بالخوف!..
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن