إن تصريحات الرئيس أردوغان بمناسبة افتتاح السنة الثالثة من الدورة التشريعية الثامنة والعشرين أمام البرلمان، والتي حذر فيها من أن إسرائيل تسعى لتحقيق أوهامها التوسعية لتشمل الأناضول، تحتاج إلى توضيح أكثر لبعض الأطراف. وهناك بالطبع مجموعة لا يمكن اعتبارها "معارضة" بعد الآن، بل تنتمي إلى فئة التعصب الأعمى غير التقليدي، وهؤلاء ببساطة مضيعة للوقت. ومن جهة أخرى، هناك عقول تقليدية بالية تتأمل في الجيوسياسة الحالية والمتطورة للمنطقة، لكنهم لا يفهمونها، ثم يحمِّلون الحكومة مسؤولية هذا الفشل في الفهم، ويتساءلون
إن تصريحات الرئيس أردوغان بمناسبة افتتاح السنة الثالثة من الدورة التشريعية الثامنة والعشرين أمام البرلمان، والتي حذر فيها من أن إسرائيل تسعى لتحقيق أوهامها التوسعية لتشمل الأناضول، تحتاج إلى توضيح أكثر لبعض الأطراف.
وهناك بالطبع مجموعة لا يمكن اعتبارها "معارضة" بعد الآن، بل تنتمي إلى فئة التعصب الأعمى غير التقليدي، وهؤلاء ببساطة مضيعة للوقت.
ومن جهة أخرى، هناك عقول تقليدية بالية تتأمل في الجيوسياسة الحالية والمتطورة للمنطقة، لكنهم لا يفهمونها، ثم يحمِّلون الحكومة مسؤولية هذا الفشل في الفهم، ويتساءلون مثلًا: "هل ستحتل إسرائيل الأناضول؟ كيف ستفعل ذلك؟ كم هو عدد جنودها؟" وهذه الأسئلة السخيفة. أما من نوجه كلامنا إليه، فهم أولئك الذين ينظرون إلى المنطقة والعالم بعيون سياسية ثاقبة، ويتجاوزون النظارات السياسية والمقاربات التقليدية.
دعونا نستذكر بإيجاز الجزء المعني من خطاب الرئيس أردوغان:
"إن الإدارة الإسرائيلية التي تتحرك من منطلق هذيان الأرض الموعودة، تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان".
هذا هو المحور الذي تدور عليه كل الحسابات حاليًا. وهذا بالضبط ما لا يفهمه بعض أنصار إسرائيل في تركيا، وبعض محبي الصهيونية، الذين ينشرون الدعاية الصهيونية إما طواعية أو مقابل أجر.
ورغم إصرار البعض على تجاهل هذا الواقع، إلا أن حكومة نتنياهو تسعى لتحقيق حلم أرض الميعاد الذي يشمل الأناضول، وراء هذه الوهم،، وهو ما أفصحت عنه في مناسبات متعددة. وكل التطورات التي شهدناها منذ 7 أكتوبر تؤكد خطورة هذا التهديد المتزايد.
ويضيف أردوغان: "بينما نتابع هجمات إسرائيل في فلسطين ولبنان عن كثب، فإننا نرى أيضا بوضوح شديد كيف تريد إنشاء هياكل صغيرة تابعة لها في شمال العراق وسوريا، باستخدام التنظيم الانفصالي (بي كي كي) كأداة".
إن أول ما يجب أن نؤكده هو أنه لا توجد دولة في المنطقة تمتلك القدرة على مواجهة القوات المسلحة التركية، ناهيك عن احتلال أي جزء من أراضيها. هذا هو تعريف القوة، و لكنه لا ينبغي لهذا أن يطمئننا. يجب أن نواصل تطوير وتقوية قواتنا المسلحة. والخريطة الشاملة للتهديدات القريبة التي ستطلعون عليها قريبًا تؤكد هذه الحاجة.
إن خط إيران - العراق - سوريا - البحر الأبيض المتوسط - قبرص اليونانية - اليونان - أوروبا - البحر الأبيض المتوسط، يشكل ممرًا للإرهاب. وهناك خط ثانٍ يتحرك على طول هذا الممر أو يحاول ذلك، وهو الخط الإيراني. يحاول هذا الخط أحيانًا التمسك أو التوسع من خلال التعاون المؤقت مع العناصر الموجودة على الممر.
ويمكننا أن نرى أمثلة عملية لذلك في العلاقات التي أقامها بافيل طالباني، أو أحدث من ذلك، علاقة الرئيس الإيراني الجديد وحكومته بالولايات المتحدة. إذ نعتبر أن نفوذها الحالي في العراق وسوريا أصبح أمرًا مسلمًا به.
أما الخط الثالث، فهو الخط الذي بدأ بجرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ويمتد من فلسطين (غزة والضفة الغربية) ولبنان وسوريا إلى الحدود التركية.
وهنا تتقاطع "الجذور" فبينما يسعى تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي إلى إحياء الجينات والتراث الإسرائيلي في تأسيسه وبنائه، فإنه يلتقي بالقوات الأمريكية وقواتها المتحالفة في العراق وسوريا. وفي الأيام الأخيرة، تستمر المحاولات لإجراء انتخابات جديدة في المنطقة، والتي يسعى صديقنا القديم ماكغورك لتنظيمها، بل إن السعي مستمر لإجراء انتخابات مزدوجة متزامنة (في بلدين في آن واحد) إذا توفرت الظروف المناسبة.
هذه الصورة التي وصفناها بإيجاز يمكن أن تولد واقعًا مختلفًا في "لحظة" واحدة. فالالتقاء بين هذه الخطوط يمكن أن يؤدي إلى نشوء تفاعلات جيوسياسية خطيرة، وهذا يشكل تهديدًا واضحًا للأمن القومي. ولهذا السبب تقوم الدول بحسابات أمنها القومي. وفي تلك اللحظة، لن يبقى سوى خيار المواجهة العسكرية.
في جميع الدول المذكورة، تتشكل فجوات استراتيجية كبيرة، وقد تتحول الطاقة الناتجة عن هذه الفجوات إلى تحدٍ كبير يواجه تركيا. لقد شهدنا مثالاً مماثلاً على مستوى آني من قبل، وهو محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو. لم تكن هذه المحاولة موجهة ضد تركيا وحدها، بل كانت لها تداعيات إقليمية، حيث أدركت دول مثل إيران والعراق وسوريا وروسيا تداعيات هذا الحدث في تلك الليلة وخشيت من نتائجه. وكانوا يعلمون أنه، لا قدر الله، إذا سقطت تركيا، فسيسقطون جميعًا، وسيكون السقوط مفاجئًا وسريعًا وصادماً وليس تدريجياً.
إن القلق بشأن كيفية تقسيم الجغرافيا التركية في مثل هذه الحالة ليس أمراً يمكن أن تتوقعه العقول المتوسطة، أو أن يعتمد على أسئلة ساذجة مثل "كم عدد الجنود؟" أو ادعاءات فارغة مثل "يحاول أردوغان إسكات المعارضة وتقوية سلطته".
بالإضافة إلى أن إن البنية التحتية للأمن القومي التركي تدرس هذا التهديد منذ الأيام التي طرح فيها سؤال "لماذا تتواجد هذه حاملات الطائرات هنا؟".
فهل يمكن إجراء تحليل للمخاطر من منظور ضيق يعتقد أن إسرائيل ستغزو تركيا بجيشها؟ وماذا عن الولايات المتحدة؟ وماذا عن تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي وماذا عن التنظيمات الأخرى في المنطقة التي تغذت وتربت وتطورت تحت رعايتهم؟ وماذا عن اليونان؟ وماذا عن إنجلترا؟ ماذا عن كل هؤلاء مجتمعيين؟ وماذا عن التحولات الهائلة التي تحدث في المنطقة؟
لماذا تطرح روسيا الآن وبسرعة قضية تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا على الطاولة وتدعمها؟ هل تخشى غزو الجيش الإسرائيلي لموسكو؟ أم أنها تسعى لمنع الغرب من السير نحو الشمال عبر إسرائيل والالتقاء بحلفائه؟
لماذا تحظى إسرائيل بدعم وتشجيع غير محدودين من الولايات المتحدة وبريطانيا رغم ارتكابها مذبحة إنسانية مروعة واستنزافها لرصيد هذين البلدين أمام العالم؟ هل يعود ذلك لمكانة تل أبيب الخاصة لدى هاتين الدولتين؟
الأمر يتعلق بتقسيم الجبهة الشرقية في الشرق الأوسط، تمامًا كما حدث في أوكرانيا بأوروبا. ويتعلق أيضًا بمنع بعض الدول في المنطقة من الانحراف عن المسار الصحيح. ويتعلق بالحفاظ على سيطرة الدول في منطقة المحيط الهندي.
وماذا عن قبرص اليونانية واليونان؟ الإجابة تكمن في البند الخامس من بيان مجلس الأمن القومي الصادر في 3 أكتوبر. إنها نفس الخرائط التي عرضها نتنياهو في الأمم المتحدة والتي تُظهر "محاور الخير والشر". ما هو الطريق الذي يمتد من الهند مروراً بإسرائيل وصولاً إلى اليونان؟ أليس هذا الطريق "يقطع" طريق التنمية بين تركيا والعراق؟
تركيا لا تريد أن تفاجأ بالأمر الواقع. هذه هي اللحظة الحاسمة.