|
ضغط مزدوج

أثار الاجتماع الثلاثي، الذي عُقد بين قادة دول تركيا وروسيا وإيران في العاصمة الإيرانية طهران على غرار اجتماع أستانا، ومن بعده الاجتماع المطول الذي عُقد بين الرئيس أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة "سوتشي" الروسية، ردَّ فعل من قِبل المعسكر الغربي وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

فالتقارب التركي الروسي الإيراني في هذه الجغرافيا يعتبر بمثابة تطور يثير قلق الغرب وإسرائيل أكثر من غيره. وفي حالة تعزيز ذلك التقارب، فسوف تسارع القوى الغربية إلى محاولة الحيلولة دونه. وعلينا أن نعترف بأن هذه القوى لم تواجه صعوبة كبيرة في ذلك، فقد نقاط ضعف مختلفة لعرقلة هذا النوع من التقارب.

بدايةً أقول إن قمة أستانا الثلاثية ليست بمثابة شراكة استراتيجية. فثمة اختلافات خطيرة للغاية في المصالح بين هذه الدول الثلاث. وتنعكس هذه الاختلافات على الساحة بطريقة ملموسة؛ لدرجة أنها من الممكن أن تقود القوات إلى نقطة صراع من مكان إلى آخر. وما يجعل أستانا ذات قيمة، على الرغم من كل شيء، هو الإرادة المشتركة لهذه الدول الثلاث لإبقاء أبواب التواصل والمفاوضات مفتوحة.

ويعد مسار أستانا بمثابة مسار ديناميكي، يتحول ويختلف بمرور الوقت؛ إذ إن الأوضاع المشهودة في المرحلة التي تشكل فيها ذلك المسار، مختلفة عن الظروف والأوضاع القائمة في الوقت الحالي. ويمكننا أن نرى هذا بوضوح عندما ننظر إلى خلفية المسار.

والقاسم المشترك الأكثر شيوعًا بين دول المشاركة في قمة أستانا هو حالة الإقصاء المنفذة من قِبل الغرب. فنحن نعلم أن الغرب قام بإقصاء إيران بشكل صريح لما يقرب من نصف قرن من الزمان، وباتت بالنسبة له خصمًا وعدوًا لدودًا. وحالة الإقصاء هذه هي بمثابة بيانات ومعطيات بالنسبة لإيران. فبينما يصوغ الإيرانيون سياساتهم الخارجية ويضعون استراتيجياتهم، فإنهم يأخذون تلك الحالة كبيانات ويتصرفون بشكل استباقي في خط يزيد من حالة الفوضى.

ولقد شهدت روسيا تجربة تعميق علاقاتها مع الغرب على مختلف المستويات في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ولكن الأمور تغيرت تمامًا في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن. وبعد الأزمة الأوكرانية، رأينا أن روسيا تقاربت بسرعة نحو إيران.

وكنا نعلم بالفعل أن روسيا كانت تتحرك جنبًا إلى جنب مع إيران في سوريا، ولاسيما في غرب الفرات. إلا أن روسيا كانت تتغاضى عن الهجمات الجوية التي يشنها الطيران الإسرائيلي من حين إلى آخر لقصف الامتدادات الإيرانية في سوريا؛ وذلك من أجل عدم إفساد العلاقات بينها وبين إسرائيل.

من ناحية أخرى، اعتبرت إيران ذلك ضرورة سياسية واقعية ولم تنتقد روسيا. وفي ذلك الوقت، كانت روسيا، مهتمة بالاندماج مع الغرب، وكانت ترى في التعاون الذي طورته مع إيران حجر عثرة يضر بهذا الاندماج، إلا أنها اضطرت إلى مواصلة ذلك التعاون لأنها كانت بحاجة إلى ثقل إيران في الساحة.

وعلى الجانب الآخر، كانت روسيا تتبع سياسة متوازنة قدر الإمكان مع تركيا وإيران اللتين تشكلان الركيزتين الأخريين لثلاثي قمة أستانا. ونحن نعلم جيدًا أن روسيا أحياناً تفسح المجال لتركيا دون الاستماع لشكاوى إيران، وأحياناً تفعل العكس تمامًا. وربما كان ينبغي لإيران أن تكون غاضبة جدًا من روسيا بسبب إعطائها الضوء الأخضر لتركيا من أجل شن عملياتها العسكرية غرب الفرات، ولعدم اتخاذ المبادرة المناسبة في الحرب الأذربيجانية الأرمنية في القوقاز، وتغاضيها عن تعميق التحالف التركي الأذربيجاني.

ومع ذلك، علينا أن نعترف أنه في حالة إقصاء روسيا من قِبل الغرب، بعد الحرب الأوكرانية، فإن التعاون بين روسيا وإيران سيكتسب عمقًا استراتيجيًا، وسيزداد التقارب بينهما. ومن الواضح للعيان أن هذا التعاون سيكون له عواقب وخيمة للغاية على تركيا.

ونحن نعلم أن قضية الإقصاء هي حالة تتعرض لها تركيا أيضًا. لكن الغريب في الأمر هنا هو أن العملية ليست علنية، ولكنها تسير بعمق. ولا تزال تركيا شريكًا في مختلف المؤسسات والمنظمات التابعة للمعسكر الغربي، وفي مقدمتها حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ولكن الغرب منخرط بحزم في حسابات وممارسات طرد تركيا من هذا المعسكر. وتنتهي حدود الغرب في الواقع عند منطقة "ميريتش" الحدودية، حيث تبقى تركيا خارجًا بالمعنى الحرفي للكلمة. ولم يكتفِ الغرب بذلك؛ فهو يهدف إلى ترهيب تركيا من خلال تسليح اليونان ضد تركيا التي تم إخراجها من برنامج F-35 وإضعافها بعدم تجديد طائراتها من طراز F-16 . فإذا كان الأمر متروكًا للمحافظين الجدد، داخل الكتلة الأنجلو أمريكية، فمن الطبيعي أن يتم إخراج تركيا من البرنامج.

من ناحية أخرى، يبدو أن بريطانيا تنوي تطوير أعمال تطويق روسيا باستخدام التحالف التركي الأذربيجاني، ودمج تركيا في تشكيل أوروبا البديلة. وفي الوقت الحالي، تعتبر أطروحة بريطانيا في حيز التنفيذ. ولكن كلما حدث تقارب بين تركيا وروسيا، فمن المحتمل أن تشهد المنطقة تنفيذ عمليات استخباراتية بريطانية.

تعيش تركيا تحت ضغط مزدوج؛ ضغط الغرب من جهة، وضغط روسيا وإيران من جهة أخرى. وبالطبع، لن تتخلى روسيا عن تركيا. وقد اكتسبت تركيا، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، قيمة وأهمية إضافية بالنسبة لروسيا وذلك باتباعها سياسة الحياد.

وينبغي التنويه بأن روسيا ستتخذ من الآن فصاعدًا خطوات تمكنها من استغلال تركيا أكثر فأكثر، ومن شأنها أيضًا أن تجعلها أكثر اعتمادًا عليها، وخصوصًا أن تركيا تمر بظروف عصيبة من الناحية الاقتصادية.

وبمعنى آخر، يمكننا أن نتنبأ بأن قمة أستانا ستكون في اتجاه الضغط على تركيا وإدارة انفصالها عن المعسكر الغربي من خلال التقارب الروسي مع إيران، بدلاً من إقامة توازن بين تركيا وإيران كما كانت في الأيام الأولى.

وأخيرًا، ينبغي أن أشير إلى أن بوتين دعا أردوغان للقاء الأسد، والأهم من ذلك أنه دعاه لحضور اجتماع شنغهاي، الذي سيعقد في قريبًا، وذلك يحمل دلالات ومعان كثيرة في هذا الصدد.

#تركيا
#روسيا
#إيران
#الغرب
#القمة الثلاثية
#تقارب
#أردوغان
#بوتين
2 yıl önce
ضغط مزدوج
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا