|
أية رؤية هذه؟

انتشر وباء كورونا وبعده نشبت الحرب الأوكرانية وحدثت المجاعة وباتت تكلفة المعيشة الباهظة. كل هذه الأحداث جاءت واحدة تلو الأخرى خلال السنوات الأخيرة. وكانت الشكوك والغموض تدور حول وباء كورونا. ولا يزال هناك جدل حول انتهاء الوباء وإزالته عن قصد. إن عدد الضحايا يجعلنا نتساءل هل الأمر يستحق الذعر؟ فقد كانت هناك الكثير من المخاوف والتدابير التي تزعج روتين الحياة اليومية. ولن أطرح مبررات ذلك، لأن مثل هذه القضايا تحتاج إلى شرح وتفصيل. ولكن الشيء الوحيد المؤكد خلال فترة الوباء هو أن الشركات الكبيرة في قطاعات الرعاية الصحية حققت أرباحا كبيرة.

وبعد انتهاء وباء كورونا، نشبت الحرب الروسية الأوكرانية. وكانت الحرب بين الصين وتايوان تدق الأبواب. وكانت الحروب تحدث عادة خارج المركز لكنها فجأة نشبت في المركز. وبدأت مناقشة إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة.


بدأت دول العالم تتسلح بسرعة، وانكمش قطاع الطاقة، الذي يعتبر شريان الحياة للاقتصادات القائمة، نتيجة لعمليات الحظر والعقوبات، ما أدى إلى زيادة أسعار الطاقة .وحققت شركات صناعات الأسلحة وشركات الطاقة أرباحًا طائلة.

تم التوصل إلى اتفاق منصف بين قطاع الصحة وقطاعي الحرب والطاقة! جنت قطاعات الصحة الأرباح في البداية ومن ثم برزت شركات الأسلحة والطاقة على الساحة وبدأت تمتص دماء البشرية بأكملها.


يتميز نمط الإنتاج الرأسمالي بهيكل غريب، فهناك من يتغذى على الأزمات الناتجة عنه. وتكمن القضية الرئيسية في طبيعة هذه الأزمات.

الأوبئة والحروب وانخفاض الطاقة ليست أسبابا بل نتائج. إن النظام ينكمش، وسادة هذا النظام يدركون ذلك أيضا.

من الواضح الآن أن الثورة الصناعية الثالثة (الفوردية- التايلورية)، التي اعتمدت الإنتاج الضخم من مصادر الطاقة الهيدروليكية القائمة على الكهرباء والفحم والنفط قد انتهت. وباتت الرقمنة، التي بدأت في خمسينات القرن الماضي وتطورت بسرعة منذ سبعينيات القرن الماضي، تمثل تحولا كبيرا في القوى المنتجة.

أعتقد أن هناك مسارين ونمطين رئيسيين يجب اتباعهما عند هذه العتبة الحرجة.

النظرة الأولى تميل إلى تطبيع القوى المنتجة. يبرز نمطان في نظرة التطبيع. النمط الأول: القدرة الاستسلامية الكاملة. على سبيل المثال، الليبرتاريون يتبنون هذه الرؤية وشعارهم "فليفعلوا ما يشاؤون" يعبر عن ذلك

ولديهم اعتقاد ساذج مفاده أن "اليد السحرية الخفية" ستنظم في النهاية كل شيء. ولمواجهة وجهة النظر الاستسلامية هذه ظهرت وجهة نظر "راغبة" أخرى.

كيفية تفسير التحول لصالح البشرية موضوع مختلف تمامًا. ويشير تاريخ التنوير وأفكار ما بعد التنوير إلى هذا الموضوع. على سبيل المثال، الفيلسوف الألماني كارل ماركس هو أحد المفكرين الذين وضعوا هذه القضية في مكانها الصحيح. ولو كان ماركس على قيد الحياة اليوم، فمن المحتمل أن يكون متحمسا لهذا التحول، وربما ينشر من جديد كتاب رأس المال: المجلد الثاني ليكتب كلامًا جديدًا يشير فيه إلى أن ذلك التحول لم يحدث في المجلد الأول لكن هذه المرة سيحدث.

وجهة النظر الثانية في مواجهة تحول القوى المنتجة: تعتبر معارضة هذا التحول استنادًا إلى ما يثيره من مخاطر بشرية خيار أخلاقي. والذي يتبنى هذا الفكر هم "اللاضيون".

أخذت حركة "اللاضية" اسمها من عامل النسيج نيد لود. الذي عارض بشدة استبدال العمالة البشرية بالآلات وبدأ في كسرها.

سيكون هذا مواجهة للأيقونات في العالم الحديث. أعمال الكاتب الأمريكي كورت فونيجت جونيور لم يكن لها تأثير كبير في تركيا على الرغم من ترجمة بعض أعماله إلى اللغة التركية. وتعتبر أعماله الرد الحديث على ذلك.

ويتميز فونيغوت بقلمه الساخر وقال ذات مرة: "لمجرد أن البعض منا متعلم ويفهم العمليات الحسابية الأربع أرى أنه يستحق غزو الكون"

هناك بالتأكيد أشكال مختلفة من هذه النظرة الأخلاقية في بلدنا ويعرفون بالرجعيين. (سؤال: هل هناك رد فعل في تركيا إزاء ذلك؟)

عندما ننظر إلى أطلس الفكر في العالم اليوم، يمكننا اتباع توزيع مماثل. من بين علماء التكنولوجيا الأناركيين الساذجين الذين وقعوا في فخ إثارة هذه المسألة، هناك عدد كبير من الذين يفضلون"عدم التدخل"، ولعلهم المسيطرون. إنهم ينجرفون من الخيال إلى الخيال. البعض يسير على خطى كارل ماركس. يحاولون معالجة الجوانب الخيرية لهذه العملية. ويعتقدون أن التكنولوجيا الجديدة ستصحح الرأسمالية وسينشأ توازن طال انتظاره بين ثالوث الطبيعة والإنسان ورأس المال. ريفكين واحد من الشخصيات البارزة بين هؤلاء. ومن الغريب أن الأحزاب الإيكولوجية (الخضر) ما زالت ترى نفسها على اليسار لأنها تخلت عن التحليل الطبقي. وعلى الرغم من تخليها عن الثورة السياسية، إلا أنه يجب الاعتراف بأنها تسير على خطى ماركس. وبكل تأكيد لا يرى أتباع هذا الحزب الأخطاء التي ارتكبها ماركس لأن يرون أن أي خطأ يقوم به ماركس ناجم عن نضجه. أليس النضج نوعًا من التسليم؟

منذ أن تم إهمال عقله المذهل عام 1844 لم يجد النظام صعوبة في فرض أفكاره. واليوم نرى أن اليسار أكثر "نضجا" من أي وقت مضى، أي أكثر استسلاما.

واللاضيون لا ينقصهم التنوع، فهم يتوزعون على شرائح وطبقات كثيرة، فمنهم من يبيع سيارات الفريراي الفاخرة، وأتباع المذاهب الفنية، والقروين الذين تعلموا في المدن وعارضوا نمط العيش فيها وغادروا إلى القرى ليرتدوا السراويل العريضة ويحلبوا المواشي، والميليشيات التي تهاجم الصرافات الآلية ومراكز التسوق.


لا يواجه النظام صعوبة في جذبهم. ويضع أمامهم طرق ناعمة لجذبهم إلى الصف الأول. ففي مثل هذا العالم ليس هناك رؤية أو وجهة نظر، ولكن ثمة أوهام توصف بأنها وجهة نظر.

#ماركس
#لاضية
#ثورة
#فكر
1 yıl önce
أية رؤية هذه؟
هجوم أصفهان
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى