|
خط الدفاع

شاركتُ في موسم الحج لعام 2016 كضيف رسميّ مدعوّ من قبل المملكة العربية السعودية، بحكم الوظيفة التي كنت أشغلها في ذلك الوقت. وبعد استيفاء الأركان الأساسية لفريضة الحج، أقيم في اليوم الثاني من عيد الأضحى، اجتماع عشاء كبير في قصر الملك سلمان بمنطقة "منى"، للاجتماع بجميع الضيوف الأجانب.

بعد العديد من الإجراءات الأمنية المشددة، من بينها عدم السماح بإدخال الهاتف أو الكاميرا بأي شكل من الأشكال، وبعد تعقيم أيدينا بشكل مستمر من قبل العاملين هناك؛ تم توجيهنا نحو قاعة ذات سقف مرتفع، كان فيها الملك سلمان يستقبل الضيوف الأجانب واحدًا واحدًا.

لقد حان دورنا لمصافحة الملك، وكان الدور موضوعًا لكل بلد حسب الترتيب الهجائي، توجهنا بصحبة موظفين معنيين رافقونا وصولًا نحو الملك الذي كان يقف في نهاية ممر بشري من جنود يرتدون الزي الرسمي بوجوه عابسة. بعد مصافحة الملك، صافحنا على يمينه ولي عهده آنذاك الأمير محمد بن نايف، ومن ثمّ ولي العهد الثاني محمد بن سلمان الذي كان على يسار الملك.

بعد الانتهاء من مراسم المصافحة، انطلقنا نحو القاعة المجاورة، حيث توجد طاولات طعام مجهزة للضيوف الأجانب.

تفاصيل هذا المشهد في قصر منى لا تزال مطبوعة في ذاكرتي، ومشبعة بصور الإجراءات الأمنية المشددة، ولا شك أن هذا التشديد الأمني بحد ذاته كان نتيجة دروس مستخلصة من حادثة الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، والذي قُتل على يد ابن أخيه خلال حفل استقبال شبيه في قصر الملك بالرياض، في الخامس والعشرين من مارس/آذار عام 1975.

نعم على الرغم من أن تلك الحادثة قد تبدوا تاريخًا بعيدًا بالنسبة لنا اليوم، لكن مع ذلك فإنّ الملك فيصل بالنهاية هو شقيق الملك سلمان، وبالتالي لا يمكن أن ينسى الملك ولا الدولة حادثة اغتيال من هذا النوع.

نقطة أخرى لا يمكن غض الطرف عنها، ألا وهي الوقفة الواثقة من النفس لولي العهد السعودي آنذاك محمد بن نايف، حيث كان الشخص الأكثر نفوذًا في التسلسل الهرمي للدولة السعودية بعد الملك سلمان.

الأمر محمد بن نايف هو نجل الأمير نايف شقيق الملك سلمان. والأمير نايف شغل منصب وزير الداخلية منذ عام 1975 حتى وفاته عام 2012، وكان شخصية بارزة اشتُهر بصراعه مع هياكل المعارضة داخل المملكة، لا سيما مع حركة "القاعدة".

قبل أن يتوفى بوقت قصير شغل منصب ولي العهد بين عامي 2011 و2012، وبعد وفاته تولى ابنه محمد منصب وزير الداخلية. ولأن محمد كان بمثابة اليد اليمنى لأبيه طيلة توليه منصب وزير الداخلية؛ فإن علاقات وثيقة تربطه بالاستخبارات الأمريكية على وجه التحديد ولذلك السبب يمكن القول أن تعيين الملك سلمان للأمير محمد بن نايف وليًّا للعهد عام 2015، قوبل بجو إيجابي في واشنطن والعديد من عواصم العالم.

لكن كان هناك شخص واحد فقط غير راضٍ على تعيين ابن نايف، ولم يستقبل الخبر بحرارة، إنه ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، حيث أنه يكره ابن نايف بشكل كبير، لدرجة أنه -وفقًا لوثيقة ويكيليس عام 2003-، تحدث ابن زايد عن ابن نايف وأبيه بالقول؛ "كان داروين على حق حينما اعتبر أن أصل الإنسان قردًا".

لا شك أن ابن نايف على علم بهذه الكراهية، ولا بد أنه كان يخطط جيدًا للإجراءات التي يمكن أن يتخذها حين توليه العرش بعد رحيل الملك سلمان، إلا أن ذلك انتهى حين عزله من ولاية العهد يوم 21 يونيو/حزيران عام 2017. حيث عزل الملك سلمان ابن اخيه من ولاية العهد، وعيّن مكانه ابنه محمد. بينما يقبع محمد بن نايف الآن تحت الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين.

كان محمد بن سلمان منذ وقت مبكر بمثابة الحلم الذي يطمح له ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد. لدرجة أن عملية التغيير التي حصلت في ولاية العهد بالسعودية، والتي لا شك كان مجيء ترامب للحكم من أبرز العوامل التي هيأت الجو لذلك؛ كان السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبي يهيّأ الأجواء اللازمة أيضًا من خلال اتصالاته بالبيت الأبيض في الوقت ذاته.

وبعد اكتمال هذه العملية التي كان بين لاعبيها أيضًا صهر ترامب اليهودي، جاريد كوشنر، أضحى هناك ممثل سياسي جديد في الشرق الأوسط يُدعى محمد بن سلمان.

لو كانت هيلاري كلينتون هي من فازت في انتخابات عام 2016، لكنا قد رأينا الآن محمد بن نايف بجوار الملك سلمان وليًّا للعهد، أو حتى جالسًا على العرش السعودي. وبالطبع لم يكن خاشقجي سيقتل حينها، بل سيكون على قيد الحياة، ولم نكن مضطرين لنشهد حادثة قتل وحشية تجري داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، لتُحرق جثته بعد ذلك في فرن.

من المعروف أن الإدارة الأمريكية الجديدة كانت ترغب في رؤية محمد نايف أو الأمير أحمد شقيق الملك سلمان، في منصب ولي العهد في السعودية. لكن ومع ذلك هناك عقبة جديدة الآن تقف أمام التخلص من ولي العهد السعوي ابن سلمان بهذه السهولة، ألا وهي "إسرائيل".

حيث أن جو بادين وفريقه من أجل التخلص من الحطام الذي خلفه ترامب، سيحتاجان إلى دعم وتعاون إسرائيلي، التي أصبحت شريكًا استراتيجيًّا للسعودية خلال السنوات الأخيرة. وفي حال تم إنشاء "خط دفاع" ما بين محمد بن سلمان وإسرائيل إضافة بالطبع للإمارات ومن ورائها مصر؛ فإن نطاق التحرك لإدارة بايدن سيتم تقييدها بشكل كبير جدًّا. وسنرى جميعًا نوع الخطوات التي يمكن ان يتخذها الطرفان.

#محمد بن سلمان
#السعودية
#محمد بن نايف
#ولي العهد السعودية
#حاشقجي
3 yıl önce
خط الدفاع
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان