|
جزار حماة

في 26 من يونيو/حزيران عام 1980، كان رئيس سوريا السابق حافظ الأسد، يستعد لاستقبال وفد دبلوماسي إفريقي في قصره بالعاصمة دمشق. اُتخذت التدابير وفقًا لقواعد البروتوكول، ولم يتبق سوى دقائق للترحيب بالضيوف.

بينما كان الأسد ينتظر عند باب القصر، سقطت قنبلة يدوية فجأة أمام قدميه. سرعان ما تمكن من تفاديها بردة فعل سريعة، لتعقبها الثانية، لكن أحد الحراس هناك تمكن من تحييد خطرها عن حافظ الأسد.

على الرغم من ذلك، لم يكن من السهل إسكات وابل الصواريخ الذي أعقب تلك القنابل مباشرة. استمر هذا الوضع نحو ساعة، ليتحقق الهدوء أخيرًا بعد ساعة جهود مكثفة من القوات الخاصة الموالية لرفعت الأسد شقيق حافظ الأصغر.

كان ما جرى يعني باختصار؛ أن المعارضة المسلحة التي دخلت في صراع مكثف مع نظام البعث منذ سنوات، باتت تتمتع بقوة تمكنها من مهاجمة القصر الرئاسي.

لم يطلع صباح اليوم التالي، إلا وكان رفعت الأسد قد أرسل عددًا من جنود قواته الخاصة، إلى سجن تدمر، عبر مروحيات. يقع هذا السجن الرهيب وسط الصحراء، على بعد 200 كيلومتر شمال شرقي دنشق. وقد اشتهر ولا يزال بالتعذيب الوحشي الذي يتعرض له المعارضون للنظام.

بأمر رسمي من رفعت الأسد، قام أولئك الجنود التابعين له بقتل ألف سجين محتجر داخل السجن، بأسلحة آلية وهم على أسرتهم داخل عنابر السجن بطريقة وحشية. وبلحظات انتقل هؤلاء المساجين من النوم إلى الموت.

كانت مجزرة وحشية نفذت كردة فعل على محاولة اغيتال حافظ الأسد، راح ضحيتها عدد كبير من المثقفين والنخبة من السنّة، ممن اعتقلوا بذرائع وحجج مختلفة. يمكن القول أن مجزرة تدمر تلك كانت إلى حد ما مشروعًا لتشكيل مستقبل سوريا القادم.

لا ننسى طبعًا، أن قبل مجزرة تدمر، كان رفعت الأسد قد قاد مجزرة وحشية أخرى أيضًا في بلدة جسر الشغور بإدلب، حيث كانت تتجمع المعارضة، في 19 مارس/آذار عام 1980، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 200 مدني.

في صباح يوم التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 1981، واجه أهل العاصمة دمشق وضعًا لم يشهده تاريخ سوريا يومًا ما؛ حيث انتشرت القوات التابعة لرفعت الأسد وسط شوارع العاصمة لتقوم برفع الحجاب عن وجه كل امرأة يرونها قسرًا تحت تهديد السلاح.

كان الوضع متأزمًا ومتوترًا بالفعل في عموم البلد، لتأتي هذه الخطوة الفاضحة لتصب الزيت على النار وتحدث ضجة كبيرة. ويقال أن مفتي سوريا في ذلك الوقت، الشيخ أحمد كفتارو، قال بأن "هذا الوضع قد تجاوز الحد"، بينما رفع عدد قليل من العلماء وأئمة المساجد وخطبائها أصواتهم ضد ذلك.

اضطر حافظ الأسد أن يخرج أمام الجمهور على شاشات التلفزيون، ويخبرهم بأنه يحترم جميع النساء، وأن جميعهن تحت حمايته، بعد أن استشعر بأن الوضع قد يخرج عن السيطرة.

بعد بضعة شهور، وما بين 2 إلى 28 من فبراير/شباط عام 1982، شهدت مدينة حماة السورية مجزرة غير مسبوقة، بقيادة رفعت الأسد من جديد. استولت وحدات الجيش التابعة لرفعت الأسد على المدينة بحصار من البر والجو، وقتلت بوحشية ما لا يقل عن 40 ألف شخص. كانت المدينة معزولة عن العالم بشكل كامل خلال الحصار، ولم تخرج من الحصار إلا وهي مدمرة في حالة خراب.

كانت هذه المجزرة الوحشية كافية للإشارة لرفعت الأسد بأنه "جزار حماة".

عقب تلك المرحلة، وضع رفعت الأسد نصب عينيه رئاسة سوريا خلفًا لأخيه حافظ. لا سيما عقب خضوع الأخير لعملية استئصال الزائدة الدودية، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1983. في تلك الأثناء، كانت صحيفة معاريف العبرية إحدى كبريات الصحف العبرية، نشرت خبرًا خاصًّا مفاده أن حافظ الأسد أصيب بنوبة قلبية حادة لا يزال في غيبوبة بسببها. كما ذكرت أنه يعاني من مرض السكري المتقدم، فضلًا عن ارتفاع في ضغط الدم.

كان رفعت الأسد على يقين تام أن شقيقه حافظ يستعد لموت وشيك، مما دفعه لتسريع العملية ومحاولة الاستيلاء على زمام الأمور في البلد. لكن ما حصل لاحقًا لم يكن في حسبان رفعت وتخطيطه، حيث خرج حافظ الأسد من غيبوبته مطلع 1984، ليجلس مرة أخرى على كرسي الحكم.

سرعان ما قرر حافظ الأسد نفي أخيه رفعت إلى خارج البلد، توجه الأخير أولًا إلى إسبانيا ثم إلى فرنسا، ليعيش في المنفى طيلة 37 عامًا إلى حين عودته إلى دمشق الأسبوع الماضي. لكن بعد أن أفرغ البنك المركزي السوري بشكل شبع كامل قبه أن يخرج من سوريا آنذاك، ويكون لاحقًا إمبراطورية عقارية فاسدة.

في الحقيقة، يكمن سبب منح رفعت الأسد حق العودة إلى سوريا، بعد أن تلخطت يداه بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء السوريين، وملايين الدولارات المسروقة من الشعب السوري؛ يكمن في الفساد الذي جسده في دول أوروبية عدة.

أعطى بشار الأسد الضوء الأخضر لعمه كي يعود إلى دمشق، لحمايته من المحاكمة في أوروبا بتهم غسيل الأموال في إسبانيا وفرنسا. ولم يبق أمام رفعت سوى القبول بهذا العرض، ويعود إلى حضن ابن أخيه، على الرغم من أن رفعت قال قبل 10 سنوات مع انطلاقة الثورة السورية، أن "بشار لم يعد بإمكانه مواصلة حكم سوريا".

ينص الاتفاق الذي أبرمه مع نظام الأسد، على أن لا يكون لرفعت أي دور سياسي أو اجتماعي في سوريا بعد عودته إليها. لكنه سيظل بلا شك يعيش في ذاكرة الشعب السوري كرمز للوحشية في أظلم فترة من تاريخ سوريا.

#رفعت الأسد
#حافظ الأسد
#سوريا
#نظام البعث
2 yıl önce
جزار حماة
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا