|
نظرة من الداخل

لا تزال زيارة ولي عهد الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة، الأسبوع الماضي، تتصدر أهم الأحداث التي يتناقشها العالم، كما أنها حملت صدى واسعًا وأصبحت حديث وسائل الإعلام.

وعلى الرغم من أن الموضوع يناقش من قبل البعض في بلادنا من خلال التركيز على تغيير "السياسة التي تتبعها تركيا"، إلا أن الشيء الرئيسي الذي يجب الحديث عنه هو التغيير في الخط الإماراتي.

وذلك لأن تركيا لم تغير سياستها، بل لا تزال تواصل سياسة إبقاء جميع الخيارات على الطاولة وعدم إغلاق الأبواب أمام أي أحد.

وإذا جاء شخص إلى أنقرة بعد وقوفه ضد تركيا، فمن الضروري ربط التغيير ودوافعه بالطرف الآخر، وليس تركيا.

وبرأيي هناك حاجة إلى نظرة من الداخل للجبهة العربية من أجل فهم التغيير الذي حدث في خط الإمارات.

المنافسة المدمرة

هناك دولتان في العالم العربي، هم في تنافس طويل الأمد: مصر والمملكة العربية السعودية.

وعلى الرغم من أن مصر دولة تستحق أن يطلق عليها "الرائد" في عدة مجالات، فإن السعوديين، الذين يتصرفون بهيبة وجود مكة والمدينة على أراضيهم، يسعون لتوسيع مناطق نفوذهم في العالم العربي والإسلامي.

وتحظى دولة مصر بمكانة استثنائية في العالم العربي، وذلك لأنها تستضيف جماعة الإخوان المسلمين، الحركة "الإسلامية" الأكثر نفوذاً التي ظهر فيها العالم الإسلامي في العصر الحديث، ولأنها أيضًا كانت مهد القومية العربية التي أصبحت أسطورية مع جمال عبد الناصر.

كما أن مصر هي دولة قوية وفيها العديد من المزايا الإستراتيجية كتلك التي يوفرها نهر النيل، كما أنها الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وتدير قناة السويس الهامة، ولديها أقوى جيش في العالم العربي، ولديها موقع جغرافي مميز ومتعدد الاستخدامات يصل بين إفريقيا والشرق الأوسط.

ويحاول السعوديون، التغلب على كل هذه المزايا الرابحة لمصر، من خلال المزايا الروحية للحرمين ووضع الاتحاد الاقتصادي النفطي الذي أنشأوه بين دول الخليج وجعل دول مختلفة من العالم العربي الإسلامي تتعقبها.

لقد كانت الحرب المدمرة بين مصر والسعودية على أراضي اليمن بين عامي 1962 و 1970 من أكثر المشاهد دموية خلال هذا التنافس.

وعندما بدأ "الربيع العربي" والذي هز الشرق الأوسط، كانت كل الدول العربية كلها غير مستعدة لهذه العاصفة، لاسيما الدول المذكورة.

وبغض النظر عن الخصومات والخلافات القديمة، كان التركيز على عدم زعزعة الوضع الراهن وعدم تدمير الأنظمة القائمة.

وفي هذا السياق، تم تبني سياسة تركز على هدف إبقاء جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات المستوحاة منها بعيدين عن الحكم وعن المقدمة.

ومع ذلك، لم تختف المنافسات الداخلية، ولم تتمكن تلك الدول من إزالة الخلافات والاختلافات المستمرة في الرأي حول كل قضية تقريبًا.

وجهة إلزامية

عندما تم اتخاذ قرار الحصار ضد قطر في يونيو 2017، تم استبعاد دولتين مهمتين في الخليج - الكويت وسلطنة عمان - من هذه العملية.

وبعد انتهاء الحصار بالسرعة التي بدأ بها، فإن التقارب المفاجئ بين السعودية وقطر لا يمكن أن ينشأ بنفس الدرجة بين الإمارات وقطر.

وعلى الرغم من تعاون مصر والمملكة العربية السعودية بشكل وثيق خلال الانقلاب العسكري في عام 2013، إلا أنهما فضلا البقاء على مسافة بعد ذلك.

وردًا على التقارب السعودي مع قطر، اختارت دولة الإمارات الاقتراب من تركيا مرة أخرى، وبالطبع كان العامل الإيراني يظهر نفسه أيضًا في وسط كل هذه المعادلات.

في واقع الأمر، لم تتخذ قطر والإمارات ومصر موقفًا ضد إيران كموقف السعودية الصارم.

علاوة على ذلك، من المعروف أن هناك خلافات وتنافسات جدية بين الإمارات والسعودية في اليمن، في وقت تدعم فيه إيران الحوثيين الذين احتلوا العاصمة اليمنية صنعاء منذ 2014.

وإضافة إلى الوضع الحائر بين الدول العربي، لا بد أيضًا من النظر إلى تأثير الوضع في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة على التطورات الأخيرة.

ولو تم انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمرة الثانية، فكنا بالتأكيد سنشهد اليوم شرق أوسط مختلف تمامًا.

ولعل فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن في الرئاسة الأمريكية وقيامه بتحركات ماكرة للغاية، زادت من أهمية تركيا بالصراعات الداخلية في الوطن العربي.

كما ذكرت في المقدمة، لطالما قالت تركيا، إن الصراع والخلاف بين الدول الإسلامية يؤدي إلى الضعف والتشتت، وإن سياسة العداء بين هذه الدول لا تفيد أحد بل على العكس تؤثر سلبًا على الجميع.

وفي النهاية فإن المكاسب التي سيكسبها الطرفان من بعضهما البعض في هذه الفترة الجديدة ستعتمد الآن على قوة المساومة وأهمية الأوراق الرابحة الموجودة على الطاولة.

#تركيا
#الإمارات
#محمد بن زايد
#أردوغان
#طحنون بن زايد
#استثمارات إماراتية في تركيا
٪d سنوات قبل
نظرة من الداخل
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن