علاقاتنا مع الغرب متوترة منذ فترة طويلة، ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى عدم اعتياد الغرب على فكرة "تركيا المستقلة". يتعاملون بمنطق الحرب الباردة، "إما أن تكون معي أو ضدّي". ومن الطبيعي أن تؤدي مثل هذه المواقف إلى توترات. أسهمت هيمنة الولايات المتحدة أحادية القطب في زيادة هذا التوتر، إلا أن العالم اليوم يتجه نحو تعددية الأقطاب وتجمعات دولية متعددة، مما يجعل موقف أنقرة أقوى في تعاملها مع الغرب. هذا ينعكس أيضًا على العلاقات الثنائية، إذ تتعامل الولايات المتحدة – بما في ذلك مع تركيا – مع التوترات الإقليمية
علاقاتنا مع الغرب متوترة منذ فترة طويلة، ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى عدم اعتياد الغرب على فكرة "تركيا المستقلة". يتعاملون بمنطق الحرب الباردة، "إما أن تكون معي أو ضدّي". ومن الطبيعي أن تؤدي مثل هذه المواقف إلى توترات.
أسهمت هيمنة الولايات المتحدة أحادية القطب في زيادة هذا التوتر، إلا أن العالم اليوم يتجه نحو تعددية الأقطاب وتجمعات دولية متعددة، مما يجعل موقف أنقرة أقوى في تعاملها مع الغرب. هذا ينعكس أيضًا على العلاقات الثنائية، إذ تتعامل الولايات المتحدة – بما في ذلك مع تركيا – مع التوترات الإقليمية بقدر أكبر من الهدوء، مما يشير إلى وجود توجه جديد في هذا الصدد. يتم تحقيق تقدم في العديد من الملفات على خط أنقرة-واشنطن، ويؤثر هذا التحسن أيضًا على العواصم الأوروبية. زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس مؤخرًا والاستعداد لرفع الحظر عن صفقة مقاتلات اليوروفايتر يُعد مثالًا على ذلك.
تاريخيًا، تعتبر أنقرة جزءًا من النظام الدولي الغربي، فهي عضو في حلف الناتو، وتقوم بجزء كبير من تجارتها مع أوروبا، لكنها ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي. تنظر بروكسل إلى أنقرة على أنها "شريك ذو امتياز خاص لا ينبغي إهماله". وأعتقد أن أنقرة بدورها بدأت تنظر إلى بروكسل وواشنطن من المنظور ذاته، وأن هذا التصور سيترسخ بشكل مؤسسي على المدى المتوسط والبعيد.
في ظل هذه الظروف، تواجد الرئيس أردوغان في قازان للمشاركة في قمة البريكس، حيث التقى بالرئيس الروسي بوتين. التصريحات الصادرة والنتائج التي أسفرت عنها القمة تستحق تناولًا مفصلًا في مقال آخر، لكن يمكن تلخيص الاتجاه العام كالتالي: أبدت أنقرة اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة البريكس، والتي تفرض على الأعضاء معايير وشروطًا خاصة. للانضمام، يتعين أولًا تقديم طلب رسمي، يليه تقييم من قبل البريكس، ثم دعوة للانضمام.
حتى الآن، لم يتحدد بعد ما إذا كانت تركيا ستصبح "عضوًا كاملًا" في البريكس. هل ستتحقق العضوية الكاملة، أم سيتم التوصل إلى صيغة مؤقتة كـ"شريك استراتيجي"، أم ستظل الأمور على وضعها الحالي؟ من المبكر الحديث عن ذلك. ما يتردد في أنقرة هو: "إذا جاء عرض مغرٍ من البريكس، سنقوم بدراسته."
بغض النظر عن مستوى تطور العلاقة بين أنقرة والبريكس، فإن تركيا لا تنوي ربط مصيرها تمامًا بالغرب، ولا ترغب كذلك في الارتباط الكلي بالشرق. بل ستواصل توسيع أفقها، وتعزيز تعاونها مع المجموعات الدولية، في إطار سعيها الدائم لزيادة تأثيرها وقوتها على الساحة العالمية.
تركيا تستثمر استراتيجيًا في موقع يربط بين هاتين المنطقتين، وتفتح لنفسها مسارًا جديدًا. هناك مجالان تركز عليهما تركيا على المدى الطويل؛ الأول هو العالم التركي. تأسيس منظمة الدول التركية، بل وحتى قرار "الأبجدية المشتركة"، له أهمية كبيرة. أما المجال الثاني فهو القارة الإفريقية. يشمل التركيز الدبلوماسي لتركيا على المدى المتوسط والطويل نشر قوات عسكرية خارج حدودها (مثل ليبيا والصومال)، بالإضافة إلى التوسع التجاري في القارة الإفريقية، حيث تشهد تركيا هناك تطورات هامة. أشارك هنا بعض الملاحظات التي سجلتها خلال حديثي مع بعض المصادر في الأيام الماضية:
منذ عام 2008، تُعد تركيا شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الإفريقي (حيث توجد دول أخرى شريكة مثل الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا). وفي إطار تعزيز هذه العلاقات، ستُعقد "المؤتمر الوزاري الثالث لمراجعة الشراكة بين تركيا وإفريقيا" في جيبوتي خلال الأيام المقبلة (2-3 نوفمبر)، بمشاركة تركيا و14 دولة أخرى. وعقب المؤتمر، سيتم توقيع بيان مشترك بين الاتحاد الإفريقي وتركيا، يتضمن الأسس الرئيسية لشراكة تركيا-إفريقيا، وسيتم الإعلان عن برنامج مشترك للتوافق والتعاون بين الطرفين.
تُعد تركيا واحدة من أكثر الدول التي تحظى بثقة الدول الإفريقية، نظرًا لعدم وجود تاريخ استعماري لها مثل الدول الغربية. فهي تتعامل مع هذه الدول على قدم المساواة وبمبدأ رابح-رابح. فعلى سبيل المثال، طلبت الدول الإفريقية وساطة أنقرة في النزاع بين إثيوبيا والصومال (حيث تم عقد جولتين من المفاوضات فيما يُعرف بـ"عملية أنقرة"، ومن المتوقع تحقيق تطورات ملموسة في الأيام المقبلة).
تبني تركيا علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية مع العديد من الدول الإفريقية، لكنها لا تكتفي بدورها كشريك تنموي فحسب، بل تُعد أيضًا شريكًا أمنيًا. ففي مالي وبوركينا فاسو، تنشط الجماعات الإرهابية بشكل كبير (وقد ذكرنا سابقًا انتقال إرهابيين من أفغانستان وسوريا إلى هذه المناطق). تقدم تركيا لهذه الدول خبراتها في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التدريب العسكري ومنتجات الصناعات الدفاعية.
على سبيل المثال، ساهم استخدام بوركينا فاسو للطائرات المُسيّرة التركية في تعزيز قدرتها على مواجهة الإرهاب، حيث ارتفعت نسبة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من 30% إلى 65%. ومع ذلك، فإن مكافحة الإرهاب ليست فقط باستخدام الوسائل العسكرية، بل يجب أن تترافق مع تنمية اقتصادية، تتطلب بنية قانونية وتشريعية ملائمة. في هذا الإطار، تصدّر تركيا مفهومها لمكافحة الإرهاب إلى الدول الإفريقية.
ويُعد اتفاق التعاون الأمني مع الصومال أحد أبرز التطورات في الفترة الأخيرة، وكذلك اتفاق التنقيب عن الغاز والنفط. من المتوقع وصول السفينة "أوروتش رئيس" إلى ميناء مقديشو قريبًا. وتنتشر الشركات التركية في مختلف أنحاء الصومال، من الموانئ إلى الشوارع. كما تم توقيع اتفاقية للتعدين مع النيجر لاستخراج الذهب، حيث تستمر الأعمال في ثلاثة مواقع، ويتولى الجيش النيجري حماية هذه المناطق.
بلغ حجم التجارة مع الدول الإفريقية ثمانية أضعاف ما كان عليه سابقًا، ليصل إلى أكثر من 40 مليار دولار. ويبرز قطاع المقاولات التركي في هذه الدول، حيث أكملت إحدى الشركات التركية مشروع سكة حديدية بقيمة 6.5 مليار دولار في تنزانيا، كما قامت شركة تركية ببناء واحد من أكبر الملاعب في رواندا.