|
مكر التحالف الدولي.. والقضية الكردية-التركية

ياسين أقطاي | يني شفق

نعيش اليوم واقعة مثيرة إذ تتحول فجأة مسألة "إنقاذ كوباني" إلى الأولوية رقم واحد على المستوى الدولي. علينا ألا ننسى كيف أن إنشاء تحالف مكون من 40 دولة، قد استطاع تحويل تنظيم الدولة إلى موضوع ساخن إعلامياً.

ولو كانت حصة الأسد من هذه الحملة الإعلامية يقع على عاتق تركيا، فلا خطأ في ذلك. فبطبيعة الحال فإن تغلب الحلف المكون من 40 دولة من بينها أقوى الدول الكبرى عالمياً على أكبر وأخطر التنظيمات يرتبط بقرار تركيا ومشاركة تركيا في المعركة. فعلى عاتق تركيا تقع مسؤولية تخليص العالم من التنظيم الذي جعل العالم بأسره أسيراً بين يديه. وإن لم تقدم تركيا الدعم فإن العالم سوف يسير نحو الهلاك.

جميع المقالات والتحليلات التي قرأناها في الآونة الأخيرة حول كوباني وتنظيم الدولة تحاول إيصال هذه الرسائل. نعم تركيا مهمة وقوية جداً. ولكن الخطاب بهذه اللهجة لا يقدر قوة تركيا بقدر ما يحمل الكثير من المكر بشكل واضح. تركيا دولة تنقذ العالم ولكنها في الوقت نفسه دولة تحافظ على قوتها وقدرتها على المساعدة حين ينتظر العالم منها ذلك.

إن مجريات الأحداث في العالم اليوم مليئة العجائب. والألاعيب التي تحاك ضد تركيا خلالها أكبر مما نتخيل. فقد شاهدنا مسبقاً كيف تم تشجيع صدام للدخول في حرب ضد الكويت ومن ثم تم معاقبته بحجة تلك الحرب وجعل الدنيا تضيق به. إن المراحل الأولى من هذه اللعبة لم تطبق بسبب عدم اشتراك تركيا فيها أو لفقدانها الصلاحية. ولكن قوانين اللعبة أو اللعبة نفسها قد تكون تغيرت من أجل الوصول إلى الهدف. وفوق ذلك فإن الأدوارالتي رسمت لتركيا ولتنظيم الدولة وحتى الدور الذي رسمته الولايات المتحدة لنفسها لا يبدو طبيعياً.

فلو دققنا النظر لرأينا بأن جميع اللاعبين في المنطقة بمن فيهم إيران وإسرائيل يعيشون حالة من التخبط في الأدوار. في حديثي حول هذا التخبط مع المفكر اللبناني منير شفيق الذي التقيته في السودان ضمن مجلس حزب المؤتمر الوطني، قال لي: "إنني أراقب الأوضاع السياسية منذ أربعين عاماً، وأستطيع القول بأن أحداث العام الأخير قد أبطلت جميع نظرياتي وكل ما معتقداتي حول السياسة الدولية والشرق الأوسط."

الولايات المتحدة لا تتصرف كما يليق بها في إطار هذه المسألة، فهي تترك العالم بأسره وراء ظهرها لتلاحق تنظيم الدولة. إيران قلقة حول أمن إسرائيل. وتحذر الولايات المتحدة من أن سقوط الأسد يعني تعريض أمن إسرائيل للخطر. والعراق وسوريا يتعرضان لخطر الاحتلال بذريعة وجود تنظيم الدولة في العراق، وربما تتعرض اليمن للاحتلال بذريعة وجود الحوثيين. ومصر وليبيا لم تستطيعا توفير الأمن بعد الانقلاب وسعيدتان بتصدير الأزمة.

جميع هذه الأحداث غريبة بالفعل. وقد عشنا أحداثاً مشابهة لها من قبل. وبعض اللاعبين والتوجهات لم تتغير. فحزبا العمال الكردستاني -تنظيم "بي كا كا"- والشعوب الديمقراطي –تنظيم "بي يه ديه"- اللذان صدعا رؤوسنا باستغاثاتهم القائلة: "يجب على الدولة أن تتركنا نذهب لكي نقاتل"، وبعد أن ذهبوا قرروا العودة من جديد إلى تركيا. لأن الحرب مع داعش تتطلب نوعاً آخر من القدرة القتالية غير التي عهدها الحزبان من نصب الأفخاخ وضرب الناس وقتلهم في أضعف حالاتهم.

وبدأنا حينها بسماع نداءات: "فلتفتح الدولة لنا معبراً لإرسال السلاح". وعندما أغنتهم الأسلحة الأمريكية عن الأسلحة التي كانت سترسلها تركيا ولم يسجل حزب الاتحاد الديمقراطي أي تقدم في المعارك، عاد الحزب من جديد إلى استخدام أساليبه القديمة التي عبرها عنها بقوله: "على الجيش التركي أن يذهب للقتال، فلا يجب أن يبقى متفرجاً على الكرثة في كوباني، على الجيش التركي أن ينقذ كوباني". والترجمة الدقيقة للغاية خلف هذا النداء :"فلتذهب الدولة لتقاتل بدلا ً منا. ولتنشئ لنا دولة هناك ما دامت قد سيطرت على المنطقة." فهذا الطلب يعبر حقيقة عن واقع الخط السياسي للـ بي كا كا وحزب الاتحاد الديمقراطي -بي يه ديه-. حزب الاتحاد الديمقرطي لا يرغب في مخاطبة رغبات الجمهور الكردي واقناعه والحصول على دعمه الحر. فعلى العكس من ذلك، فقد رمى الحزب حمل مطالبه على الجمهور الكردي. وأجبر الأكراد غير المتفقين مع منهجه على ملائمة مواقفه. وبسبب سلوكه هذا تجاه الأكراد طلب الحزب الإذن من الحكومة.

يعني باختصار، إن مطالب حزب الشعوب الديمقراطي من الحكومة تتمثل في إعطاء الوصاية على الأكراد وليس المطالبة بحريتهم. وتنظيم بي كا كا يريد الحصول على الوصاية على الأكراد من الدولة لا من الأكراد أنفسهم. والاعتراض الأول والأهم على ذلك يكمن في معرفته لمستقبله من الأكراد ومعرفته بالآليات المناسبة لاقناع الأكراد والمتمثلة في التهديد والضغط والإرهاب. لذلك فهو يطلب من الدولة أن تشرع الوصاية التي يريد فرضها على الأكراد باسماء منمقة من قبيل "الحكم الذاتي الديمقراطي" ويريد علاوة على ذلك أن تؤمن له الدولة الشروط والموجبات لتحقيق غرضه.

تظهر هذه المطالب جلية في قضية كوباني. فبعدما رآى الحزب عدم قدرته على تحقيق المكاسب حتى باستخدام أفضل أساليبه المتمثلة في العنف، قرر أن يضع هذه المسؤولية على الدولة. ولسان حاله يقول: "من حقنا إنشاء دولتنا، إلا أن قوتنا لا تكفي لتحقيق ذلك، فلتنشئ الدوة لنا دولة إذاً!!"


9 yıl önce
مكر التحالف الدولي.. والقضية الكردية-التركية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان