|
ما الذي تخسره تركيا في الشرق الأوسط؟ ومن الرابح؟

ياسين أقطاي | يني شفق

إن الانتخابات التونسية التي أجريت على أساس الدستور الجديد الذي وضع بعد الثورة التونسية التي كانت شرارة الربيع العربي أظهرت تقدم حرب نداء العلماني الليبرالي بمعدل أصوات يصل إلى 38%، تاركة حزب النهضة في المرتبة الثانية. وبهذا تحتل حركة نداء تونس 85 مقعداً من مقاعد المجلس النيابي ليبقى لحزب النهضة الممثل بنسبة 32% 69 مقعداً.

وبذلك تكون هذه الانتخابات هي الأولى التي يتقدم فيها حزب علماني ليبرالي على الإسلاميين المتمثلين في حركة الإخوان، وذلك في انتخابات مرحلة ما بعد الربيع العربي.

لقد اختارت تركيا منذ بدء أحداث الربيع العربي الوقوف إلى جانب الإرادة الشعبية من خلال حركة اجتماعية طبيعية. ولم يكن ذلك بغية اسقاط الأنظمة العربية أو التدخل في شؤون بلادها الداخلية. إلا أن تركيا ببساطة قد استمعت لصوت ضميرها ضد محاولات حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي لقمع مطالب شعوبهم بالقوة. فاستجابت للمسؤولية الانسانية بالتذكير بحق هذه الشعوب في المقاومة وقررت الوقوف إلى جانبها.

وبالفعل بعد فترة من إتخاذ تركيا لهذا الموقف استطاعت العملية أن تزيح الأنظمة الديكتاتورية عن السلطة. لم يكن من الواضح حينها من الذي أنجح الثورات ومن الذي سيأتي للسلطة من بعدها. حتى أن أحداً لم يكن يتوقع قدوم الإسلاميين والإخوان المسلمين إلى السلطة بعد الثورات. فالجماهير التي انتفضت في الشارع كانت تطالب بالحرية ولقمة العيش، وليس بقدوم الإخوان على أية حال.

لقد دعمت تركيا هذه الثورات من دون أن تعرف من الذي سيصل للسلطة من بعدها. لأن المهم في القضية هو تلبية حاجات الشعوب تجاه الحرية والكرامة ولقمة العيش. إلا أن صناديق انتخابات ما بعد الثورة قادت الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية إلى السلطة، ولم تشكل ذلك أية مشكلة لتركيا. فما دامت الانتخابات قد تمت بإجراءات ديمقراطية نزيهة فلا سبب للاعتراض أو عدم احترام نتائجها.

وكردٍ فعلي طبيعي، أنشأت تركيا علاقات جيدة مع كل الأطراف التي حققت النجاح في الانتخابات. ولو أن الانتخابات أفرزت غير الإخوان من الأحزاب الأخرى لما ترددت تركيا في خطاب تلك الأطراف بصفتها الممثل الجديد لدولها.

وهل كان في تركيا انتخابات أخرى في تلك الفترة؟

البعض يظن أن تركيا قد اختارت الإخوان المسلمين وعملت على إيصالهم دون غيرهم إلى السلطة. إن وجود علاقات طيبة بين حزب العدالة والتنمية والإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية أمر صحيح. إلا أن الظن بأن حسن العلاقات هو الذي بات يقرر من سيصل إلى السلطة فهذا وهم قد استغله البعض. وفي المحصلة، ما المانع من أن تدعم تركيا حزباً قد اختير برضى من شعبه؟

وبعدها عندما جرى الانقلاب الدموي ضد الحكومات المنتخبة رامياً بالإرادة الشعبية عرض الحائط، وقفت تركيا ضد الانقلاب ليس لكونه انقلاباً على الإخوان المسلمين. إن بعض الذين لم يسموا الانقلاب بمسماه الحقيقي، وغضوا الطرف عن حقيقة أن مجرمي الانقلاب وسافكي الدم لم ينالوا بعد عقابهم، يتجرأون الآن بالإشارة بأصابع الاتهام تجاه تركيا والقول بأنها قد ربطت جميع سياساتها الخارجية بالإخوان مما أدى إلى إفلاسها. هؤلاء في الحقيقة شركاء في الجريمة بحق الإنسانية والديمقراطية.

فتركيا لم تقف ضد الانقلاب لكونه يستهدف الإخوان المسلمين، بل لأنه "انقلاب" بالدرجة الأولى، ولكونه في الحقيقة إجراماً ترتكب بحق الإنسانية. ولو انقلبت الآية وكان الإخوان هم المنقلبون على الإرادة الشعبية، لما تغير الموقف التركي.

وفي الحقيقة فإن تقدم نداء تونس على النهضة في انتخابات ما بعد عملية الحوار الوطني التونسي لم يزعج تركيا مطلقاً. بل تتقدم تركيا بالتهنئة للحزب الذي نال على الرضى الشعبي سواء أكان نداء تونس أو النهضة أو أي حزب آخر، وتحترم الخيار الشعبي المتمثل في نتائج الانتخابات. فالمنتصر في هذه الانتخابات هو الربيع العربي وأعني الإرادة الشعبية.

لقد دعمت تركيا الربيع العربي لما فيه من إظهار للإرادة الحقيقية للشعوب من دون أية تدخلات خارجية. إلا أن هناك محاولات لإغراق الثورات الحالية في المؤامرات والانقلابات والمجازر والحروب والتدخلات الخارجية المباشرة. إن الذين نتوقع منهم أن يبدوا بعضاً من ردات الفعل الإنسانية تجاه ما كل ما يجري، سيغرقون اليوم في السعادة عندما يرون تضرر تركيا وعزلتها، بدلا ً من أن يبدو أدنى درجات الإنسانية والتحضر اللازمة في مثل هذه المواقف.

نعم تركيا تواجه العزلة، ولكن من الذي يتقوى اليوم بالتحالف مع من؟ ومن الذي ربح المعركة إن قلنا بأن تركيا قد خسرتها؟

هل سنربح الكثير من دعم هذه الانقلابات والأحداث الدامية في الشرق الأوسط؟ إن دول الخليج التي لفّها جنون العظمة لن ترفع يدها حتى تدمر كل شيء. إن أي من الأطراف لن يكون مرتاحاً بسبب جرائمه وبسبب شركائه في الجريمة.

في الأيام القليلة الماضية كنت قد سألت "جنكيز شاندار" الذي قال بأنه قد شاهد مقابلتي في برنامج "بالعين المجردة" عن الذي قد فهمه من المقابلة مع وجود عشرات الأغشية على عينيه. وها هو الآن يلخص مقابلتي مع صحيفة الوول ستريت على أنها "مجرد هراء". إن طبيعة النقد التي يوجهها جنكيز لي وتماهيها مع نقد الإعلام الأجنبي يعد دليلاً كافياً على ماهية الغشاوة التي تعمي عينيه. ولكنه في الحقيقة قد كتب الكثير حول جملتين كنت قد صرحت بهما. وكل ما كتبه لم يكن له علاقة بإثبات "هرائي"، فقد توقف في مقالتيه عند نقطة حملي لعنوان البروفسور. إن كانت مشكلته مع حملي لصفة البوفيسور فإن مشكلته تتعداني. وأنا أحول مشكلته إلى زميلي صالح تونا.

قل لي يا صالح، ما مشكلة أخينا هذا؟ أنت لم تعتني به لفترة طويلة، ألا يكون ذلك هو السبب!!


٪d سنوات قبل
ما الذي تخسره تركيا في الشرق الأوسط؟ ومن الرابح؟
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات
هجمات إسرائيل على عمال الإغاثة في غزة تضع بايدن في اختبار صعب
الجماعات الدينية المحافظة.. من وجَّه غضبها نحو أردوغان؟
ثورة المتقاعدين