|
تنظيم "بي كا كا" والقضية الكردية المستعصية

ياسين أقطاي | يني شفق

التحرر من الدولة والوقوع في العبودية لتنظيم "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني)

في حين كان الجميع في البلاد ينتظر من مفاوضات فترة الحل للمسألة الكردية في تركيت، أن تُسكت لغة السلاح ويتوقف نزيف الدماء وينتشر الأمن والرخاء، فكان تجاوب الجميع مع هذه الخطوات ودعمَ المفاوضات، فظهر من هذه المفاوضات أن تنظيم "بي كا كا" أراد أن يستغل هذه الفترة لصالحه ليعزز طموحه وأطماعه في تركيا.

فكانت أعمال الشغب في 6-8 تشرين الأول / أكتوبر عبارة عن ترجمة عملية لما رافق مفاوضات فترة الحل وما رافقها من تهدئة بين الطرفين، واستغلال الـ"بي كا كا" لهذه التهدئة لينقضّ على المفاوضات ويحولها لصالحه. فكان هناك خيرا لتمكن الجميع من رؤية ذلك.

كان من الأمور المتفق عليها مبدئيا في فترة الحل أن توقف الدولة جميع عملياتها، في مقابل أن تتخلى الـ"بي كا كا" عن جميع أنشطتها المسلحة.

في أثناء فترة الحل هذه قامت قوات الأمن التركية بوقف عملياتها تماما، بينما قام التنظيم بوقف عملياته فقط ضد الجيش وقوات الأمن، بينما استمر في الصدامات المسلحة ضد شعب المناطق الموجود فيها، وبات يشكل عنصر تهديد ووصاية على هذه الشعوب.

لم يكن في نية التنظيم أن يترك السلاح، بل على العكس استمر منذ بداية مفاوضات فترة الحل وبشكل قياسيّ في جلب الأطفال والشباب إلى مخيماته في الجبال. وظاهرة توسيع كوادره في الجبال في الوقت الذي ُيبحث فيه عن ترك كل أنواع الصدامات، يعطينا فكرة عن نية هذا التنظيم من عدم جديته في هذه المفاوضات.

والأهم من ذلك هو استغلاله للفرص والنوايا الطيبة من جراء فترة الحل وقيامه في تلك الفترة بأعمال إرهابية في المدن. وبدأ التنظيم بتطبيق الضغوطات على كل من يعارضه. حتى أنه بدأ بفرض عقوبات مباشرة وتهديداته لنواب مجلس الشعب الأكراد في حزب العدالة والتنمية الحاكم، وعلى المنتمين لهذا الحزب ومؤيديه، وعلى أفراد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. فرض عليهم التهجير من مناطقهم كما فرض عليهم بعض الإتاوات. ومن يرفض دفع الإتاوة فكان ينتقم منه بشكل آخر. إما يحرقون متاجرهم أو يضربونهم أو يقتلونهم.

من حُرقت متاجرهم أو بيوتهم في أعمال العنف بتاريخ 6-8 تشرين الأول / أكتوبر، لم تكن مصادفة. بل اختيرت العناوين مسبقا وبدقة، وبذلك أُوصلت رسالة قاسية تقضي بفرض التهجير القسري من المنطقة لكل من لا يبايع التنظيم.

في هذه الأثناء لم تقتصر المضايقات والضغوطات في 6-8 تشرين الأول / أكتوبر على المتدينين من الأكراد. فقبل يومين مثلا وجد الحج "عرفان أطسيز" ذو الستين عاما، وهو من الناس المحترمين والمعتبرين عند كل سكان "يوكسيك أوفا"، وُجد مقتولا بالرصاص أمام منزله. تبين لنا هذه الحادثة مدى عدم تحمل الأكراد لبعضهم لمن يخالفهم الفكر والرأي.

هكذا نرى محاولة التنظيم تجنيد الشباب الخاوي فكريا لزجه إلى المناطق التي تقع تحت سيطرته، وذلك لاستعمالهم في تصفية من يخالفهم. فيقومون بعملية ما يشبه التطهير العرقي ومن جنسهم وممن يخالفهم في التوجهات السياسية.

ومن هذا المنطلق نفهم معنى السياق الذي كانوا يتغنون به والقائل "حرية الحكم الذاتي"، فتنظيم "بي كا كا" يقول للأكراد: "إما أن تؤيدني وإما أن ترحل عن أرضك. فأنت لا تملك القدرة العقلية والقابلية على التفريق بين الصح والخطأ. فإذا لم تنتخبني فاختيارك خاطئ، وستدفع ثمن ذلك دمك أو حياتك أو مالك!"

وبذلك نرى أنه لا يوجد أدنى ديمقراطية في مطالبتهم بالحكم الذاتي الديمقراطي.

ذاتا يرى الـ"بي كا كا" وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي من خلال انتهاجهم هذه الطريقة عدم استحقاق الأكراد للديمقراطية. فهدفهم هو استبعاد الأكراد عن أية حقوق في الانتخابات، لعدم أهليتهم بها. فنرى التنظيم يراقب ويحتفظ بسجلات أي فرد كردي لم ينتخب حزب الشعوب الديمقراطي ويتهمه بعدم استيعابه للقومية الكردية أو عدم انتمائه للأكراد. وهم بهذه التهمة يعرّفون بمعنى الكردية التي ينشدونها. وهم أيضا يحطّون من قدر الأكراد، أكثر مما يحطّ أنفسهم المنتسبين للكمالية. يتضح من خلال ذلك أنهم يحاولون إيجاد قومية كردية لا يحق لها الانتخاب، بل تطيع طاعة عمياء. ويريد حزب الشعوب الديمقراطي والذي يعتبر الناطق السياسي عن الـ "بي كا كا" أن يشكّل عبيدا له من الأكراد.

وبذلك تتحول الفكرة التي انطلقوا منها بتشكيل الحرية للأكراد، إلى هوية الاستعباد لهم من قبل المجتمع الكردي.

كذلك تذهب جهود من كانوا ينتظرون منهم العمل لكسب هوية مشرفة للأكراد، فيرون المأساة أمامهم، أنهم فقدوا هذه الحريات.


9 yıl önce
تنظيم "بي كا كا" والقضية الكردية المستعصية
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا