|
الأشقياء لا يحكمون العالم

قاطع الطرق لا يحكم العالم، لكن ما رأيناه أنه سيطر على العالم حقا.

إن احتلال إسرائيل، قاطع طريق العالم، للقدس هو صورة لاحتلال تل أبيب للعالم بأسره وسيطرته عليه. ذلك أن القدس هو مرآة العالم، فما يحدث بتلك المدينة المقدسة يعكس ما يحدث بالعالم.

إن النظام المسيطر على العالم هو نسخة وانعكاس للنظام السائد في القدس. ولهذا السبب فمن أراد تأسيس نظام عالمي فإن مهمته تبدأ من القدس، والعكس صحيح. ومن أراد إنقاذ القدس فعليه أولا البدء بالعالم. هناك من يعتبر أن العالم عبارة عن القوى الخمس الكبرى ويظن أن هذه الفرضية مقبولة قبولًا مسبقًا، ولهذا فهو يقبل بهذا ويرضى به، واليوم نرى هؤلاء لا يتفوهون، بل هم عاجزون عن أن يتفوهوا بشيء أمام ما يحدث في القدس. ذلك أنّ القدس هي مرآة حالهم هم أيضًا. إنّ حرية من هم واقعون تحت الاحتلال ومفتاحها في القدس. فطوال التاريخ كانت القدس مرآة لما يحدث حول العالم، كما كان العالم مرآة لما يحدث في القدس..

إنّ وقوع القدس تحت وطأة حكم قطاع الطرق يحدث برضا ورغبة وتدخل من الولايات المتحدة نفسها. إنّ العالم بأسره يعارض هذا الاحتلال ويشعر بالانزعاج بسبب سيطرة قطاع الطرق هؤلاء، حتى وإن كان عاجز عن الاعتراض علنًا لحصوله على رشوة من النظام العالم أو لقربه أو لشعوره بالخوف. لكن أحدًا غير قادر على رفع صوته أو الاعتراض. فهذا العالم هو عالم المخاوف والرشاوي والصعاب، وما يحدث في القدس هو مرآة مطابقة تمامًا لهذا العالم.

لكن بالرغم من ذلك فهناك أيضًا من يقاومون في القدس، ثمة من لا يستسلمون حتى وإن كان العالم أجمع قد بيع أو استسلم جميع الخلق بسبب مخاوفهم أو اشتركوا في هذا الظلم بهذه الطريقة أو تلك. بالضبط كما أنه لم ينته من يتصدون لنظام قطاع الطرق المنتشر في ربوع العالم. لا يمكن للظلم أن يبقى أبد الدهر. فمهما ارتقت أقوى جيوش ظلم قطاع الطرق، فإن القوة المنقذة ترتقي هي الأخرى. ولا ريب أن مع كل عسر يسرًا وضد كل ظلم مقاومة.

هناك من يصمدون صمود الشجعان في القدس، هناك من يقاومون دون أن يفقدوا ذرة من قدرتهم على المقاومة بعدما بترت أقدامهم في الهجوم الوحشي الذي تعرضوا له خلال المقاومة السابقة، فهم يقاومون هذه المرة جالسين على ركبهم. فغزة ورام الله تنتفض بشبابها وعجزتها ورجالها ونسائها لتعلن للعالم أجمع في شموخ فريد أن سيطرة قطاع الطرق على العالم لن تستمر أبد الدهر، يقولون "لن يكون قطاع الطرق حكاما للعالم أبدا!".

إن هذا الصوت يتحول إلى كابوس بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر جناح لقطاع الطرق هؤلاء في فلسطين، فهي تخشى حتى ظله. فهذا الشعور يتحول إلى خوف مفزع وجنوني لا تستطيع السيطرة عليه داخل قلبها بالرغم من كل أسلحتها القوية. فأسلحة الدول الإسلامية المزعومة المجاورة لها، والمشتراة بمئات المليارات من الدولارات، لا تخيفها، لكنها تخشى ذلك الحجر الذي يرميه الشاب القعيد المبتور القدمين وهو جالس على كرسيه المتحرك. لأنها تعلم جيدا أن من يقهره سيتحول في نهاية المطاف إلى حجارة، كما تعلم علم اليقين أنها تحل محل جالوت وتشبهه وتلعب دوره.

يقف الطفل الفلسطيني في مواجهة جالوت في هيبة داود ليعلن نهاية جالوت في هيبة عزرائيل. فمن سيقهر إسرائيل ليست الدول الإسلامية المزعومة بحياتها المقرفة وأسلحتها المجمعة من خلال مشتريات أعطت قبلة الحياة للولايات المتحدة، بل تلك الحجارة التي يحملها الأطفال الفلسطينيون في غزة ورام الله.

لا شك أن إضاعة الوقت هي من نصيب كل من ينتظر رد فعل ومقاومة بارزة من دول أوروبا في مواجهة هذا الظلم. فتلك الدول – في الواقع – هي المسؤول الأول عن احتلال إسرائيل وتمردها وظلمها. فمن غير المنطقي أن ينتظر أحد من تلك الدول أن تقول شيئا إزاء الدماء التي تراق على تراب فلسطين، ربما لأنها تريد التخلص من المشكلة اليهودية التي تؤرقها أو لأنها وقعت رهينة للشبكة الصهيونية العالمية، أو ربما لأنها فقط، وبمنتهى البساطة، تشعر بالخوف.

وعلى أقصى تقدير يكون رد فعلها مثلما فعلت بريطانيا التي يزوروها الرئيس أردوغان هذه الأيام. فرئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي أدلت بتصريح "صوري" مندد بالإرهاب والمجازر التي ترتكبها إسرائيل هذه الأيام في سبيل جعل القدس عاصمة لها؛ إذ قالت "بريطانيا لا توافق على جعل القدس عاصمة لإسرائيل وتتابع التطورات بقلق". فمحاولة الدولة التي أسست إسرائيل أن تتحايل على ما يحدث اليوم لهو مثال صارخ على نفاق لم نر له مثيل. فلو كانت لندن مخلصة في هذا الأمر، فهناك الكثير من الأشياء التي كانت لتفعلها. بيد أنها هي أكبر شريك في كل الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل اليوم.

غزة لا تدمي، بل تتبرع بدمائها للأمة التي لا دم لها

إن الشباب والنساء والأطفال من سكان غزة ليسوا أبدا هو أكثر المساكين المتضررين من إرهاب الدولة الإسرائيلية، بل المساكين هي الدول الإسلامية المزعومة التي لا تجرأ على النظر أمامها، فتلتفت يمنة ويسرة حتى لا تتحمل أية مسؤولية عما يحدث.

إن الدماء تسيل على تراب غزة، لكن تلك الدول الإسلامية هي التي تنزف جروحها. تلك الدول التي تدعو في كل صلاة من الصباح إلى المساء بخبث وزيف "اللهم انصر إخواننا في فلسطين!" وهي تدعم في كل سياساتها وتجارتها ومواقفها إسرائيل التي تقتل إخوانهم في فلسطين. وكما قال الشاعر "جثث على قيد الحياة، فمن ذا الذي سيحيها؟".

وكانت سيدة من غزة قد قارنت بأفضل طريقة بين هؤلاء وأوضاع سكان القطاع، وبكلامها أختم: "من يعتقد أن غزة تنزف عليه أن ينظر إلى نفسه... فغزة تعرضت لفقدان دم كبير، وهي تتبرع بدمائها إلى الأمة".

#الطريق
6 yıl önce
الأشقياء لا يحكمون العالم
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات
هجمات إسرائيل على عمال الإغاثة في غزة تضع بايدن في اختبار صعب
الجماعات الدينية المحافظة.. من وجَّه غضبها نحو أردوغان؟
ثورة المتقاعدين