|
ليست مشكلة الأكراد بل هي مشكلة "بي كا كا"، كما أنها مشكلة الولايات المتحدة

إن من الحقيقة بمكان أنّ مكافحة الإرهاب ليست عبارة عن مكافحة الإرهابيين فحسب. إنّ للإرهاب في كل وقت أرضية سياسية، واجتماعية عميقة، وإذا لم يتم تصحيح هذه الأرضية فلن يتم الوصول إلى مكان في ظل الانشغال مع هؤلاء الإرهابيين الذين أنتجتهم تلك الأرضية ذاتها، وإنّ هذه الحقيقة باتت شيئًا مطبوعًا في الذاكرة من كثرة تكراره مع كل حادثة تظهر. بل إن ما يقابلها في الواقع بات شيئًا بديهيًّا أيضًا.

إلى جانب ذلك، فإن الأرضية الاجتماعية إلى جانب الطرح المختلف ليسا مستقرّين من أجل تحديد ماهية الأرضية المجتمعية الحقيقة التي يقوم عليها الإرهاب. هناك أسباب في ديمومة استمرار الإرهاب وفق أرضية سياسية ومجتمعية متغيرة على الدوام، وإنّ الآراء والمواقف إزاء تلك الأسباب، نراها هي الأخرى تتغير مع مرور الوقت.

على سبيل المثال، هناك من حاولوا تفسير إرهاب منظمة بي كا كا الإرهابية على أساس النهج الخاطئ الذي سلكته الدولة لسنوات إزاء المسألة الكردية. أو على الأصح؛ إنّ التحليلات القائمة على أنّ سياسة الدولة كانت خاطئة تجاه الأكراد، من حيث إنكارهم، ومنعهم من التحدث بلغتهم والتعبير عن ثقافتهم ومماسة السياسة؛ لم تترك لهم من طريق للتعبير عن أنفسهم إلا من خلال الإرهاب؛ هذه التحليلات كانت بشكل ما تصبّ في صالح تبرير الإرهاب. بغض النظر عن ذلك، إلا أنّه ليس سرًّا في أن سياسة الدولة (سابقًا) إزاء المسألة الكردية لم يكن بالطبع يضفي شرعية على الإرهاب، لكنه كان يقدّم دعمًا نفسيًا قويًّا لذلك الإرهاب.

ولقد كان استغلال منظمة بي كا كا الإرهابية لتلك الأرضية سهلًا للغاية، بل شيئًا لا مفرّ منه. إنّ من الضروري من اجل إنجاح مكافحة الإرهاب هو القضاء على تلك الأرضية التي تقوم بإنتاج الإرهابيين قبل كلّ شيء. لكن حزب العدالة والتنمية قام بتغيير منظور الدولة إزاء المسألة الكردية؛ الأكراد ليسوا مشكلة بل إنهم جزء لا يتجزأ من الدولة. ولذلك تم توفير حريات تضمن الوجود الكردي، والتحدث باللغة الكردية، والتعلّم بها، وحرية النشر بتلك اللغة أيضًا، ومن جانب آخر تم إزالة كافة العوائق أمام أي سياسة ترمي إلى تطوير أوضاع الأكراد في مجال الحريات. إن الأكراد ليسوا مشكلة بل هم أيضًا أصحاب هذا البلد، تمامًا كما الأتراك، وكأي أحد يعيش في تركيا من عرب، وشركس، وبوشناق، وألبانيين، ولازيين، وزازيين، وجورجيين إلى غير ذلك.

إن ذلك لم يكن عبارة عن إطار تمّ طرحه من أجل معالجة قضية الإرهاب فحسب، بل إنه إطار يتناسب أصلًا مع رؤية العدالة والتنمية، نحو مساحة أكثر ديمقراطية، أكثر إنسانية وأكثر إسلامًا، وعلى هذا الأساس تمّ طرحه. إنّ كلّ فرد يعيش في تركيا له حريته المضمونة في التحدث بلغته، والتعبير عن ثقافته، وأن يعيش دينه أو لا يعيش. وبفضل هذه الحريات تم دحر الأرضية التي تغذي الإرهاب، كما تمّ دحر القوانين والذرائع التي تغذيه أيضًا.

أما الآن، فإننا أمام مفارقة تتمحور حول استمرار الإرهاب، على الرغم من دحر الذرائع والأرضية المجتمعية التي عملت على تغذيته لسنوات، فهل هذا يدل بدوره على أن التحليلات القديمة التي كانت قائمة على تفسير الإرهاب استنادًا إلى الوضع المجتمعي كانت خاطئة؟.

سنجيب عن ذلك من خلال القراءة التي عرضناها في الأعلى، لنقول: نعم، لم يكن الوضع المجتمعي ولا الممارسات الخاطئة للدولة السبب الوحيد للإرهاب. لقد كان استخدام الإرهاب لذلك الوضعَ المجتمعي والسياسي بالتعبير عنه من خلال "المشكلة الكردية"؛ مجرّد ذريعة ليس إلا. ولم يكن إنتاج الإرهاب يومًا ما نتيجة للوضع المجتمعي والسياسي، بل إنّ الخطوات التي كانت تصب في صالح حل المشكلة الكردية؛ كانت صائبة للغاية.

علاوة على ذلك، فإنه تبعًا للخطوات الموضوعة في إطار معالجة المشكلة الكردية؛ كانت قد بدأت مرحلتها عبر توفير ملاذ آمن يعود إليه أولئك الشباب الذين فرًوا نحو الجبال، بعد أن تأثروا او تسمموا من تلك الأرضية المجتمعية. إلا أنّنا رأينا كيف استغلت المنظمة الإرهابية ذلك، واعتبرته فرصة وتكتيكًا يصب في صالح استراتيجيتها الخاصة.

عندما يتم الحديث عن الإرهاب اليوم، لا يوجد حاجة لتناوله من خلال المسألة الكردية، وذلك لأن الإرهاب لم يعد في وضع يسمح له الارتباط بالمسألة الكردية بأي شكل من الأشكال. حتى مع حصول أحزاب سياسية مساندة لمنظمة بي كا كا الإرهاب على أصوات ناخبين أكراد، فإن ذلك لا يعني بالضرورة ارتباط ذلك بالمسألة الكردية ككل.

إننا نستطيع اليوم أن نرى بوضوح من خلال التطورات في سوريا، كيف أصبحت منظمة بي كا كا الإرهابية قضيةً هامة في شبكة العلاقات الدولية. إننا نشهد جميعًا اليوم كيف أنّ حربًا دولية تشاركية تقوم على استخدام تلك المنظمة من خلال سوريا، بعد أن قاربت على الاندثار في تركيا. إننا نرى اليوم كيف يتم تقديم دعم واضح من قبل القوى العظمى في العالم، يتعارض بشكل تام مع البنية المجتمعية والديموغرافية في سوريا. إن إرهاب منظمة بي كا كا اليوم بات تدخلًا أجنبيًّا بعيدًا كل البعد عن مجرد كونه نتاجًا لحالة مجتمعية ما في تركيا. إن جميع عناصر تنظيمي "ب ي د" "ي ب ك" هم من منظمة بي كا كا، وفي مخيماتهم ليس هناك من يتحدثون الكردية والعربية فحسب، بل التركية أيضًا.

ألا نرى كيف أنّ تقديم الولايات المتحدة ٧ آلاف شاحنة على الأقل فضلًا عن آلاف طائرات الشحن المحمّلة بالأسلحة، إلى أذرعة منظمة بي كا كا الإرهابية في سوريا؛ ليس إنشاءً للمجتمعية التي تحتاجها منظمة فقدت خطابها وحجتها وحقّها، بل تخريبًا لها؟.

إنّ النظر لما يحدث على أنه قضية أو مشكلة ضمن نطاق الديمقراطية، دون النظر إلى اللعبة التي تلعبها الولايات المتحدة في المنطقة، عبر استخدامها منظمة بي كا كا الإرهابية وتنظيم "ب ي د- ي ب ك" كوكلاء أو مجرّد أوراق؛ لهو بأبسط العبارات وأكثرها براءةً يبدو ساذجًا وسطحيًّا. إن الولايات المتحدة لا تأتي إلى المنطقة من أجل الديمقراطية وليس ذلك همها، وبالتالي إن أطنان الأسلحة تلك لم تقدمها لتلك المنظمات الإرهابية في سبيل تأسيس ديمقراطية في المنطقة. بل على العكس تمامًا، إن كل ما تقوم به يتمثل في محاولة تصميم المنطقة تمامًا عبر اللاديمقراطية فضلًا عن التطهير العرقي.

انظروًا جليًّا، إنهم على الرغم من كل الممارسات غير الإنسانية التي يقومون بها، نراهم أول من يصيح باسم الديمقراطية ضدّ عزل رؤساء بلديات مثلًا. الديمقراطية آخر همهم، الديمقراطية ليست أداة لتمرير احتلالهم المعادي أصلًا لكل ما هو ديمقراطي.

#بي كا كا
5 yıl önce
ليست مشكلة الأكراد بل هي مشكلة "بي كا كا"، كما أنها مشكلة الولايات المتحدة
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا