|
هل باتت حماية الأكراد على عاتق الولايات المتحدة؟

لقد كان الأمر الأبرز الذي أظهرته الولايات المتحدة كسبب لوجودها في سوريا، هو التهديد القادم من تنظيم داعش، إلا أن التنظيم تم سحقه من المناطق السورية 100% حسب تعبير ترامب؛ وبالتالي إذن على الولايات المتحدة أن تغادر سوريا منذ ذلك الوقت.

في الأصل كان قد صرّح ترامب منذ مطلع العام الجاري بذلك، وقال بأنه لم يعد هناك أي معنى لإضاعة مزيد من الوقت هناك عبر الإبقاء على وجود الجنود الأمريكيين، وهدر الطاقة والمال، معلنًا انسحاب قوات بلاده من سوريا. كانت كل تصريحات ترامب حول مسألة الانسحاب من سوريا، تمثل وجهة النظر الأكثر عقلانية بالنسبة للولايات المتحدة.

وكما ذكرت في المقال السابق؛ لقد بات من الصعب جدًّا إيضاح معنى الوجود الأمريكي في سوريا، للمواطن الأمريكي. الجانب المثير في هذا الأمر هو أن ترامب الذي يبدو معقّدًا للغاية بات هو اللسان المترجم لشعور الرأي العام الأمريكي. بالمقابل كانت الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون وحتى الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي؛ يعارضون قرار ترامب حول الانسحاب من سوريا. لكن بما أن تنظيم داعش الذي يعتبر السبب الذي جلب الولايات المتحدة إلى سوريا قد تم التخلص من تهديده؛ إذن لماذا يدافع هؤلاء عن فكرة البقاء في سوريا؟.

إنهم لا يريدون ترك تنظيم "بي يي دي" وحيدًا دون حماية أمام تركيا، التنظيم ذاته الذي أغدقوا عليه بالأسلحة بحجة محاربة تنظيم داعش. طبعًا أنا أقول تنظيم "بي يي دي"، إلا أنهم أي الأمريكان يختصرون التنظيم بكلمة "الأكراد"، حتى أن السيناتور الجمهوري الفذ ليندسي غراهام ذاته يستخدم هذا التعبير.

لكنّ اللافت أنّ غراهام ذاته قد انتقد سابقًا الديمقراطيين ومسؤولي البنتاغون، خلال جلسة في الكونغرس، واتهمهم آنذاك بدعم تنظيم في سوريا هو امتداد لمنظمة تصنفها الولايات المتحدة كإرهابية وهي بي كا كا، وانتقد بذلك السياسة الخاطئة مع حليف هو تركيا، والتعامل مع تنظيم إرهابيّ. لذلك من الضروري متابعة ومحاولة فهم سبب تغير موقف غراهام وما وراء ذلك.

في الحقيقة، إن الولايات المتحدة لم تكن عقليتها واضحة إزاء مسألة دخول سوريا والبقاء فيها وكذا الخروج منها. كما تذكرون كانت الولايات المتحدة قد أعلنت نيتها حول دخول سوريا، بعد أن استخدم الديكتاتور الأسد أسلحة كيميائية كي يقتل شعبه. في الأصل كان الأسد قد ارتكب العديد من المجازر قبل ذلك، فضلًا عن الجرائم بحق الإنسانية، ودعم الإرهاب، حتى التنظيمات الإرهابية التي حاربته في الظاهر كان هو سبب وجودها بسوريا. لقد كان إسقاط الأسد بهدف تأسيس نظام ديمقراطي في سوريا، سيخدم المنطقة والعالم بأسره بما فيه الكفاية.

إلا أن الولايات المتحدة في الواقع لم تبد أي اهتمام بالقضاء على الإرهاب كاملًا، ولا باستقرار المنطقة ولا بإيقاف حمام الدم هناك. لم تلبث الولايات المتحدة فور دخولها سوريا حتى عدلت عن سبب دخولها الأصلي، حيث أعلنت أن القضاء على داعش هو الأولوية متناسية إسقاط الأسد، ومن أجل الحرب على داعش راحت كي تعلن تحالفها مع تنظيم إرهابي آخر. وبذلك بدلًا من القضاء على أصل المشكلة في سوريا، شرعت الولايات المتحدة بتعميق المشاكل وإيصالها إلى طريق مسدود أمام الحل. أما اليوم فبينما يستمر الأسد الذي هو أصل المشكلة في سوريا؛ بقتل شعبه والإجرام بحق الإنسانية أجمع؛ تخرج الولايات المتحدة لتعلن نصرها على تنظيم داعش، في مشهد تراجيدي-كوميدي.

نقول عليكم أن تذهبوا، إلا أن لوبي الحرب داخل الولايات المتحدة يريدون استمرار البقاء في سوريا، وتوليد أسباب جديدة لذلك؛ والأسباب هي: حماية الأكراد. ممّن؟ من تركيا. شيء لا يصدّق لكن هذا ما يحدث.

من أين خرجت هذه الذريعة؛ حماية الأكراد من تركيا؟

إذا كنتم تقصدون بذلك تنظيم "بي يي دي"، فإن الموقف الذي تتخذه تركيا ضدّهم لا علاقة له بالأكراد، بل يتعلق بكونهم تنظيمًا إرهابيًّا، تستخدمه الولايات المتحدة بشكل يتنافى مع روح وديموغرافية وتاريخ والتركيبة الاجتماعية في المنطقة، ويهدف إلى تأسيس نظام بعثي جديد هناك. أما ملخص المهمة التي حمّلتهم بها الولايات المتحدة، هي فتح الطريق أمام عملية تطهير عرقي في مساحة تصل إلى 30% من مجمل مساحة سوريا. والذين فرّوا سواء من العرب أو الأكراد، نحو تركيا والعراق والأدرن هربًا من جور تنظيم "بي يي دي"، هم الشاهد الفعلي على ذلك. الولايات المتحدة لا تقوم بحماية الأكراد، بل برمي قسم كبير منهم نحو دائرة مستعرة من النار.

إن قولًا من قبيل أن الولايات المتحدة تحمي الأكراد من تركيا، يمثّل بطبيعته مثالًا على تجاوز الحدود.

إنه اصلًا يتناقض مع ممارساتهم، لكنهم لا يملكون سوى ذلك عملًا وهدفًا من أجل بث الفتنة فيما بين تركيا والأكراد.

إن الأكراد بالنسبة لتركيا ليسوا طرفًا منفصلًا عنها، بل هم قطعة لا تتجزأ منها. عندما يُصاب كرديٌّ بأسى ما فإن تركيا كلها تصاب بذلك الأسى. أما الذين يقحمون أنفسهم، فإنهم لا يبتغون من ذلك سوى إلحاق الضرر بين الأتراك والأكراد ليس إلا. الأكراد هم ذاتهم تركيا. والعملية العسكرية التركية هي ليست ضد الأكراد، بل ضدّ تنظيم إرهابيّ.

عندما تتحدث الولايات المتحدة عن حماية الأكراد، فمن الضروري أن نفهم بأنها تستخدمهم كورقة فحسب.

تستخدم الولايات المتحدة الأكراد سببًا من أجل استمرار شرعنة بقائها في سوريا، وبالتالي استمرار حالة عدم الاستقرار بسوريا لصالح إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة التي لا تحمل أي وفاء أو مسؤولية الحماية حتى لأصدقائها وحلفائها؛ لن يكون لديها أي وفاء أو مرحمة تجاه الأكراد.

#الولايات المتحدة
#الأكراد
#سوريا
#تركيا
#تنظيم بي يي دي
5 yıl önce
هل باتت حماية الأكراد على عاتق الولايات المتحدة؟
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات