|
في مواجهة سلطة فيروس كورونا العالمية..

لقد استطاع فيروس كورونا أن يؤسس سلطة قوية مهيبة لا مثيل لها على حياتنا، وهو العدو المجهول الذي لا نراه ولا نسمعه وحتى الآن ليس معروفًا.

لقد استطاع إلى الآن أن يفعل ما عجزت عنه أي قوة كانت. لقد جعل جميع دول العالم على اختلافها فيما بينها وتناحرها وتنافسها؛ جعلها تتوحد في مواجهة عدو مشترك. لقد توقفت تلك المؤسسات التي كانت تبدو ضرورة من ضروريات ثقافة الحياة العالمية، وأن بإمكانها إعاقة الحياة لو توقفت ساعة واحدة، إلا أنها قد توقفت ودخلت في عطلة لأجل غير مسمى، غيّرت العادات الحياتية، وتوقفت فجأة فرامل الحياة التي كانت تسير بأقصى سرعة. تلك المؤسسات التي قتلت قبل أن تحيي، وأقامت القيامة قبل أن تقوم.

يخوض المؤمنون التجارب قبل موتهم، من خلال الحج والصوم والصلاة، حيث تعتبر تجربة ذلك وظيفة دينية. إنها دعوة لأداء تجربة توحّد وتجمع وتلمّ واقفة ضد عادة الفرقة والبعد والتناحر في حياة مجتمع كامل، وإجابة هذه الدعوة تعلّمنا الكثير وتجعلنا نستشعر تجربة الموت قبل أن نموت.

بالطبع يقوم الناس بإجابة تلك الدعوة طوعًا لا كرهًا.

تعلّمنا هذه التجربة أن الحياة مجرد لعبة ومتعة، إلا أنها مع ذلك لا تدعونا لعدم الاكتراث بهذه الحياة بل على العكس تحثّنا على التعامع بها بجدية، لكن من خلال معناها الحقيقي. تدفعنا لتكوين وعي وقوة إرادة لأخذ العهد بعدم الاستسلام لسحر حياة لا نضمن فيها نفَسًا من أنفاسنا، أن لا تجاوز حقوق الناس، ولا نظلمهم، وأن لا ننحني للظالمين، ولا نسمع لهم ولا نركن إليهم. أن ندرك بأن لا شيء نظن أننا قد كسبناه سيبقى دائمًا لنا، وأن لا شيء في الحياة تعود ملكيته لنا، بالعكس بل ونحن وما نظن بأننا نملكه يعود له سبحانه فقط.

بالطبع نحن ندرك تماشيًا مع وضعنا البشري، واختلافاتنا في التفسير البشري، وفي النهاية ليس من الضرورة أن تنتهي هذه التجربة بالتأثير ذاته بالنسبة للجميع.

الآن يبدو أننا ذلك الفيروس يجبر الجميع على خوض هذه التجربة بطريقة مختلفة. أليس من المتوقع أن التجربة التي تعيد إلى الصفر جميع المسافات التي قطعتها البشرية باسم العلم والتكنولوجيا والتقدّم، أن تُذكّر البشرية ببعض التواضع باسم الإنسانية؟ بغض النظر عن مستوى المعرفة التي وصلت إليه، إلا أن ما لم تصل له يبدو كثيرًا وفائقًا..

في الواقع، إن المنشغلين بفلسفة العلم، أو المنشغلين بالعلم ذاته، قد اقتربوا من هذا الوعي بشكل عام على مستوى العالم. إن هذه الدوائر تدرك سخافة المشاحنة بين الدين والإنسانية المتغطرية لفترة طويلة بالقرن التاسع عشر.

لقد تمكن فيروس كورونا من توحيد العالم كله بشكل مثير للتوجه نحو عدو مشترك، حتى تحققت القاعدة الاجتماعية الشهيرة، العدو المشترك يعزز ولاء المجموعة ويخلق وعيًا جماعيًّا جديدًا.

ربما قد اقتحم هذا الفيروس حياتنا للعب دور من هذا النوع. كما لو أن الإنسانية أتت بنفسها تشرح لنا ماهية دورنا الحقيقي كبشر، تعلمنا فهم أنفسنا. من المثير تحميل هذا الفيروس عقلًا وهدفًا بهذا الحجم. ربما لو تم الكشف عن جيناته البيولوجية لما تمكنا من نشر هذه الرسالة، إلا أنه في علم الجينات الروحية تتم قراءة ذلك التأثير بوضوح.

مرة أخرى يجدر القول أن قراءة ذلك يختلف تبعًا لوضعنا البشري واختلافاتنا في التفسير البشري. لكن على الرغم من ذلك هناك من يمتنع عن قراءة ذلك.

من وليّ مَن؟

هناك البعض ممن لا يستحق ذكر اسمه، قد أعمى عينه وصم أذنه عن كل ما قامت به تركيا حتى الآن في مكافحة هذا الفيروس، مما يجدر أن يكون نموذجًا عالميًّا، وراح يسخر ويستهزئ قائلًا؛ لو وجدوا لقاحًا ضد الفيروس فسيجدونه عند أولياء تيللو (تيللو: مقاطعة بولاية سيرت التركية). يقول ذلك ولا يدرك أنه مع كلامه هذا يدعوان للسخرية.

لا يهمني المقصود من هذه السخرية من أولياء تيللو، لأنه بالنسبة لي جميع الناس أولياء؛ إما أولياء لله أو أولياء للشيطان. المسلمون أولياء بعض، وكذا الكفار بعضهم أولياء بعض. لا يوجد تصنيف غير ذلك أصلًا، جميع الناس أولياء، وكلّ فرد فيهم يبحث عن وليه.

لكن على الرغم من ذلك، هناك في تيللو تقاليد علمية إيجابية بحجم تقاليد العلوم الإسلامية أيضًا. قبل 250 عامًا كانت دراسات إسماعيل حقي تلميذ إسماعيل فقير الله في مقاطعة تيللو، وكتابه الشهير "المعرفة"، تجمع شتى العلوم المختلفة تلك الفترة، وهي بمثابة آثار تمكنت من سبك العلوم الطبيعية وفق نموذج إسلامي فريد.

إنه شيء لا يمكننا أن نتوقع إدراكه من شخص يرى نفسه معارضًا وقد ضرب ونسف بكل الأسلوب والثقافة. إنهم يعمون أبصاهم ويغضونها عن رؤية آية واضحة شلت العالم بأسره، بعلمه وتقنيته ووسائل نقله واتصالاته، ورأسماليته وتمويله، ودفعت للتأمل على أرضية معينة، فكيف ستدرك أبصارهم العمياء ذلك، وكيف ستستشعر آذانهم الصمّاء كنهه؟

وهو يسخر من الأولياء ألا يدرك أنه في النهاية واحد من الأولياء؟ نعم واحد منهم لكن مَن أي نوع؟.


#ياسين اكتاي
4 yıl önce
في مواجهة سلطة فيروس كورونا العالمية..
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات
هجمات إسرائيل على عمال الإغاثة في غزة تضع بايدن في اختبار صعب
الجماعات الدينية المحافظة.. من وجَّه غضبها نحو أردوغان؟
ثورة المتقاعدين