|
وفاة عصام العريان.. هل يوجد وفاة طبيعية في ظل ظروف غير طبيعية؟

ليس يوم 14 أغسطس/آب ذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي فحسب، بل يصادف هذا اليوم ذكرى أكبر مجزرة وقعت عقب انقلاب 2013 في مصر، المليء بالدسائس والمكائد. انقلابٌ استخدم أفظع الجرائم اللاإنسانية من أجل كسر إرادة شعب يقاوم. وإنّ تصادف الحدثين في اليوم ذاته، يعتبر في الواقع مؤشرًا رمزيًّا على تضادّ كلا السياستين والاتجاهين، ومدى واقعيتهما في العالم الإسلامي اليوم.

يتميز أسلوب وسياسة النظام العالمي في الشرق الأوسط بتنفيذ الانقلابات، والمجازر وانتهاك حقوق الإنسان والتعذيب وسجون "العقرب"، وقتل الناس وضح النهار بالمنشار، وإعطاء موارد البلد للأجنبي. يعتقد حكام تلك الدول أنهم بسبب عدم اعتمادهم على شعوبهم، فإنّ ضخ موارد البلد للأجنبي كرشوة، سيضمن لهم الحفاظ على عروشهم. ولهذا السبب تجدهم يتخلون عن شعوبهم، طالبين المدد من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الإمبريالية في أوروبا. ولذلك لم يعودوا يمتلكون تنازلات يقدمونها. الآن مثلًا تم الإعلان وأخيرًا عن العشق الدفين بين ولي العهد الإماراتي ابن زايد وبين إسرائيل، بطريقة لا نظير لها في إهانة شعبه وإنكار إرادته في هذا الصدد.

إنه عشق ممنوع يحتبس في نفس محمد بن زايد، الذي لم يجرؤ على إخبار والده بذلك، إلا أنه يعلن عنه الآن بكل وقاحة دون الحاجة لأن يخفيه عن أي أحد.

هذا النوع من السياسة لا شك أنه يتوافق مع مزاج الولايات المتحدة وإسرائيل، ولذلك على الرغم من كل انتهاكات حقوق الإنسان المثيرة للاشمئزاز، وأعمال القتل والفساد؛ لا يصدر عنهم انتقادات جادة في هذا الصدد. لأن الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دوائر الاتحاد الأوروبي متواطئون بشكل مباشر معهم.

أما الجانب النقيض لهذه السياسة فإنه يتمثل في تركيا، الدولة في العالم الإسلامي التي ترتبط فيها السلطة بإرادة الشعب بشكل مباشر، مما يولّد سياسة في البلاد تتلاءم مع حال الشعب وتعبّر عنه، وتقوم على إرادة ديمقراطية تعتمد على إرادة الشعب فحسب. إنها تركيا التي حققت تطورًّا تنمويًّا واضحًا على مدى الـ18 عامًا الماضية، وواصلت محافظتها ودفاعها عن حقوقها في المنطقة دون ملل. إنها تركيا القادرة على إفساد الألاعيب، سواء في الشرق الأوسط، أو البحر المتوسط. وحتى الآن يمكن القول أن تركيا نجحت في تحطيم ما قامت بنسجه الصهيونية حتى الآن.

ألم يكن من المحتم عليها أن توقف ذلك؟ ألم تشهد محاولات عديدة من المؤامرات؟

حتى الآن، كم من الحملات ومحاولات الانقلابات تمت بالفعل ضد أردوغان الذي يقود هذا الدور في تركيا؟

هاتان إذن السياستان المضادتان اللتان تصادفتا يوم 14 أغسطس/آب. وفي الأصل لا يمكن وصف إحداهما بـ "السياسة" حتى، بل هي عبارة عن دسائس وانقلابات وخيانة واحتلال ومجازر وجرائم ضد الإنسانية.

لقد شهد يوم 14 أغسطس عام 2013 في مصر، مقتل ما لا يقل عن 3 آلاف مواطن مصري في ميدان رابعة العدوية، إثر وابل من الرصاص أطلقته قوى الأمن ذاتها. أما الخيَم التي كانت تضم مصابين أو جثث قتلى، فلقد تم تجميعها من قبل قوى الأمن أيضًا، لتضرم النيران فيها بما فيها من جرحى وجثث. هذا القدر من الظلم والاضطهاد الذي رضيه الانقلابيون بحق شعبهم، قد جسّد مشاهد يصعب محيها من الضمير الإنساني لقرون عدة. أما الناس الذين راحوا ضحية هذا الظلم فإنهم لم يكونوا يحملون أي سلاح ولو سكينة. إن الجيش المصري الذي لم نره شديدًا قاسيًا لهذا الحد لا مع إسرائيل ولا مع أي عدو أجنبي آخر، قد استخدم بطشه وقساوته ضد أبناء شعبه من الأبرياء المدنيين الذين لم يرتكبوا ذنبًا سوى مقاومة الانقلاب.

هذا الشخص الذي لا يمتلك الشفقة إزاء أبناء شعبه، ويجرؤ على إلحاق الظلم والاضطهاد بهم على هذا النحو، دعوكم من أنه لا يستحق أن يكون على رأس السلطة، بل إنه من الظلم الكبير للإنسانية أن يمشي هذا الشخص في بلده ساعة واحدة بحرية. هذا الشخص ذاته نجده اليوم على عجره وبجره وكذبه وخيانته ويده الملطخة بالدماء، يقود بلدًا عظيمًا مثل مصر.

أما الذين لم يلقوا حتفهم في مجزرة ميدان رابعة العدوية يوم 14 أغسطس، فقد تعرض معظمهم للاعتقال. حوكم بعضهم في محاكم وهمية وكان مصيرهم الإعدام، أما الباقون فإن الزنزانات المحصّنة تشهد على تعذيبهم وسوء المعاملة بحقهم. في عام 2017 توفي أحد قادة الإخوان والمرشد العام السابق للجماعة، محمد مهدي عاكف، عن عمر ناهز الـ90 عامًا، في إحدى الزنزانات التي كانت تشهد وفاة عدد من الأشخاص كل أسبوع. كذلك الأمر في العام الماضي حيث توفي الرئيس السابق محمد مرسي في حادثة أشبه بالاغتيال على مرأى ومسمع من الجميع.

أما هذا العام فلقد صادف يوم 14 أغسطس الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لمجزرة رابعة، وفاة عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري السابق، عن عمر يناهز 66 عامًا. تم اعتقال العريان في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، ومكث في السجن نحو 7 سنوات، ليودع الحياة أخيرًا في سجن العقرب، نتيجة نوبة قلبية إثر التعذيب وسوء المعاملة.

من اللافت أن المسؤولين المصريين قدّموا تفسيرًا واحدً من كلمتين لوفاة الرجل، هي "الموت الطبيعي"، دون أن يوضحوا ماذا جرى قبل وبعد ذلك. كان من المعروف أن العريان لم يكن يلتقي أيًّا من أقاربه أو محاميه أو أي أحد آخر. ليس هو فحسب، بل جميع معتقلي سجن العقرب كذلك الأمر.

لكن هل يعقل أن يكون هناك موت طبيعي في ظل ظروف غير طبيعية؟

هل يعقل أن يكون هناك موت طبيعي في ظل ظروف تستنجد بالموت كل لحظة، لا سيما في سجن مثل سجن العقرب بمصر، حيث يتم حرمان الناس من حقوق العلاج وأبسط حقوقهم الإنسانية؟

إن تصادف موت عصام العريان في يوم 14 أغسطس تحديدًا، بمثابة طلب شهادة أراد أن يقدّمها قبل أن يرحل عن دنياه، لنفسه وبلده والعالم الإسلامي كي يحكي ويشهد أمامهم جميعًا على ما عاشه ورآه. نسأل الله أن يتقبل شهادته ويرفعه إلى مقام الشهداء.

#عصام العريان
#الإمارات
#إسرائيل
4 yıl önce
وفاة عصام العريان.. هل يوجد وفاة طبيعية في ظل ظروف غير طبيعية؟
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا