|
العالَم الذي قتل خاشقجي

صادف يوم أمس 2 أكتوبر/تشرين الأول الذكرى الثانية لمقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول. لقد تحول الباب الذي دخله خاشقجي مع خطيبته لبدء حياة جديدة، إلى باب خروج من هذه الحياة والدخول نحو الحياة الأبدية. بعد عشر دقائق من دخوله قُتل على يد أصحاب إرادة متكبرة منغلقين على وهم القوة التي يظنون أنهم يقتلون بها من يريدون ويحيون من يريدون، تمامًا كمثل فرعون والنمرود.

بعد مرور عامين على تلك الحادثة، لم يبق هناك أي سؤال بدون إجابة؛ لماذا وقعت الحادثة، وما الذي حدث خلف ذلك الباب وكيف انتهى، من جاء إلى تركيا ولأي هدف، والتخطيط الذي تم قبل الحادثة مع جميع التفاصيل الأخرى المتعلقة بذلك. حيث أن المعطيات الموجودة تكفي بشكل كبير للإجابة عن تلك الأسئلة.

إلا أن الأهم من ذلك أن تكون هذه المعطيات صلة الوصل للقرار الذي يمكن أن يصدر عن "محكمة عادلة" بهذا الخصوص، وبالتالي يجب تسليم المتهمين إلى هذه المحكمة العادلة. لكن جميع المتهمين الآن هم في السعودية، أي في المكان الذي يفرض المتهمون الأساسيون المحرضون على الجريمة؛ سلطتهم على المحاكم ذاتها.

إن المتهمين الأساسيين الذين هم من يتحكمون بتلك المحاكم، يقولون أنهم هم من سيديرون المحاكمات حول حادثة القتل، ساعين في ذلك إلى حماية المجرمين من القضاء التركي. لا أحد يشك بالطبع أن أي قرار تصدره المحاكم السعودية فيما يتعلق بجريمة خاشقجي، بعيد عن العدالة بعد المشرق عن المغرب. حيث أن المحاكم تلك لم تُقم لأجل المحاكمة بقدر ما هي معنية بالتستر على المتهمين بتلك الجريمة وحمايتهم. كما أن القرارات التي صدرت عن المحكمة تبدو وكانها مكتوبة بصيغة دفاع عن المتهم لا بصيغة الحكم عليه، وكذلك جميع المراحل القضائية إنما تسير على مبدأ أساسي هو التستر على المتهم الأساسي وحمايته.

لا شك أنه كان واضحًا منذ البداية أن الأمور ستسير على هذا المنحى، ولذلك السبب قلنا منذ البداية أن المحكمة السعودية لن تفصح في نهاية المطاف عن قرار عادل إزاء قضية خاشقجي.

إن لتركيا الحق في التحقيق والمحاكمة كذلك في هذه القضية، لأن الحادثة قد وقعت ضمن حدود الجمهورية التركية. وليس للقضاء التركي بطبيعة الحال أحكام مسبقة على أحد. إن الجلسات التي بدأت منذ مطلع يوليو انطلقت وفقًا للقوانين الجنائية، بل نجدها قد التزمت بأدق الحقوق التي لم يُعرِها المحامون السعوديون اهتمامًا حيال المتهمين والجناة.

إن الدعوى (في تركيا) التي تسير وفق أتم معايير الشفافية حول قضية خاشقجي، أضافت في الأسبوع الماضي لوائح اتهام جديدة بحق 6 أشخاص. ومن اللافت أن بعض تلك اللوائح تتعلق بالفريق الذي جاء عقب مقتل خاشقجي بأيام قليلة لتنظيف جميع الأدلة وإزالتها من مسرح الجريمة عبر استخدام المواد الكيميائية. هذه التفاصيل مهمة للغاية، من حيث نسفها للرواية السعودية غير المقنعة أصلًا والتي تعتمدها المحكمة هناك، والتي تؤكد على أن الجريمة تم تنفيذها دون علم من السلطات. المعطيات المتوفرة تنسف هذه الرواية جملة وتفصيلًا، حيث أنه حتى ولو سلمنا بأن الجريمة وقعت دون علم السلطات السعودية، فهل الفريق الذي جاء بعد أيام من وقوع الجريمة وقام بمسح وإزالة جميع الأدلة، هو الآخر جاء أيضًا دون علم السلطات السعودية؟

ولذلك فإن جميع ما قام به فريق مسح الأدلة يدخل في حيز الجريمة ذاتها، ولا شك أن هذه الخطوة ستؤدي إلى نتائج صائبة. وفي هذا الصدد نجد أن مكتب الادعاء العام بإسطنبول أصدر لوائح اتهام بحق فريق مسح الأدلة.

يجدر بنا القول بأنّ جريمة قتل خاشقجي يجب أن تكون امتحانًا للعالم بأسره، وهي كذلك مرآة تعكس كشف درجات ذلك الاختبار؛ اختبار الإنسانية للعالم كله. وخلال العامين الماضيين على وقوع الجريمة، تم تسجيل موقف وتصرّف الجميع على العلن تجاه هذه القضية.

لكن دعونا نركز على شيء مهم للغاية، وهو أن جريمة قتل خاشقجي ليست مجرد حادثة أسفرت عن قتل خاشقجي. بل إنها جريمة تكشف معها مئات الآلاف من الجرائم مثلها، بحق أشخاص يتعرضون يوميًّا للقتل الظالم والوحشي، أو يتم تكميم أفواههم، أو حجزهم واعتقالهم، أو تعذيبهم. إنها جريمة كشفت الموقف الانتهازي-البراغماتي للعالم المفترض أن يكون لديه موقف ديمقراطي-حضاري، إلا انه ظل صامتًا حيال مقتل خاشقجي، وشجّع بذلك أنظمة الشرق الأوسط على مواصلة جرائمهم ضد الإنسانية التي باتت شيئًا روتينيًّا.

إن خاشقجي هو مرسي ورحيله أمام أعين العالم كله داخل قاعة المحكمة، خاشقجي هو كل واحد من الـ3 آلاف المدنيّين البريئيين وغير المسلحين؛ الذين قُتلوا في يوم واحد بميدان رابعة العدوية في مصر. هل سنتفاجأ إذن من صمت العالم على جريمة قتل خاشقجي، وقد صمت عن كل ذلك مقابل مصالح مؤقتة زائفة؟

إن خاشقجي ليس أول شخص يُقتل في السعودية بسبب مواقفه وأفكاره السياسية، كما أنه يبدو ليس الأخير حسبما نعلمه من بعض المحاولات والحوادث مؤخرًا. لقد أصبح هذا النوع من الجرائم أمرًا روتينيًّا تحول إلى نظام روتيني لا يتلقى أي ردّة فعل نقدية جادة وصادقة من هذا العالم.

المفارقة هي أن مرتكبي جرائم القتل تلك يصوّرون أنفسهم أمام العالم على أنهم من يمثلون الإسلام المعتدل، وأن معارضيهم العزّل المضطهدين البائسين هم من يمثلون الإسلام المتطرف بل و"الإرهاب الإسلامي" كذلك، والأهم أن هذا التصوير يجد من يحتفي به في هذا العالم المتحضر. ولا شك أن من يسوّق لتلك الدعاية المنافقة ويشتريها هو شريك في جريمة قتل خاشقجي، بكل ما فيها من رعب وإثم وخسة.

أما العالم الغربي فهو ليس شريكًا في جريمة خاشقجي وحدها، بل بمئات الآلاف من الجرائم من هذا النوع، لأسباب لا تنتهي من دعمه وتشجيعه على من يواجهون الديمقراطية في العالم العربي، ودعمه للانقلابات، ولإيقاده النيران في مصر واليمن وسوريا وليبيا وغيرها.

لهذه الأسباب تقتضي العدالة لاجل خاشقجي، محاكمة النظام العالمي أولًا.

#خاشقجي
#ياسين أقطاي
#السعودية
#تركيا
٪d سنوات قبل
العالَم الذي قتل خاشقجي
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن