|
من باكو.. رسائل لا لبس فيها لمن يعانون صعوبة في الفهم!

احتضنت العاصمة الأذربيجانية باكو مراسم الاحتفال بالنصر الذي حققته أذربيجان في حرب استمرت 44 يومًا فقط، أقيمت المراسم بحضور الرئيس أردوغان، ولقد كانت مليئة بالرسائل التي يمكن توجيهها للعالم كله.

إنه انتصار لتركيا بالقدر الذي هو فيه انتصار لأذربيجان، كما يعلم الجميع فإن تركيا بقيادة الرئيس أردوغان؛ كانت تحدّد مسار هذا الحدث منذ بدايته، من خلال الدعم العسكري والتقني والتكنولوجي للشقيقة أذربيجان.

إضافة لذلك، فإن كون هذا الانتصار كان نتيجة لحرب بدأت إثر عدوان من قبل أرمينيا لا أذربيجان، يعزّز بشكل مضاعف قيمة هذا النصر ومعانيه وشرعيته، ويضيف إليه أمجادًا متوالية.

لقد ساهم نجاح أذربيجان في إنهاء الاحتلال الأرميني لأراضيها، عقب 30 عامًا من سياسة الأمر الواقع التي جعلت العالم كله يعي ويكاد يعترف بهذا الاحتلال؛ ساهم ذلك النجاح في منح أذربيجان دعمًا نفسيًّا في هذه الحرب على كل صعيد.

وكما أكد الرئيس أردوغان خلال كلمته آنذاك، أنه على الرغم من اعتراف العالم بأن أرمينيا قوة احتلال وعدوان، فإنها لم تصدر أي محاولة لإنهاء هذا الاحتلال من قبل أحد طيلة السنوات السابقة. ربما هناك دول على الرغم من التعبير عن آرائها في النزاعات الدولية، إلا أنها لم تر التدخل في تلك النزاعات سهلًا، او أنها لم ترد أن تكون طرفًا في الصراع. إلا أن هذا قد يكون بحد ذاته سببًا في إطالة أمد العديد من النزاعات الدولية على هذا النحو.

في الواقع، لقد تم تشكيل مجموعة دولية ومن دول قوية جدًّا؛ تُعرف باسم "مينسك"، هدفًا في حل أزمة النزاع في قره باغ عن طريق الحوار. وكان هدف هذه المجموعة حل النزاع دون الاضطرار إلى فتح صراع جديد، إلا أنه مع مرور الوقت اتضح أن هذه المجموعة لم تبذل أي جهد في حل هذا النزع، بل ظهرت وكأنها تعترف رسميًّا بالأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال. لقد بات من الواضح أن هدف هذه المجموعة تحول إلى ترسيخ الاعتراف باحتلال أرمينيا واعتباره أمرًا واقعًا، وفي المقابل ثني أذربيجان عن أي تدخل فعلي ضد ذلك، بل والوقوف في وجهه.

لا سيما الرؤساء المشاركون لهذه المجموعة "الولايات المتحدة-فرنسا-روسيا"، حتى وإن قيل بأن الدافع الذي جعلهم يتبنون ذلك الموقف يرجع إلى وجود جالية أرمينية قوية داخل بلدانهم، إلا أن الدافع الحقيقي كان أعمق من ذلك بكثير. وبعبارة أخرى، كانت تلك الدول الثلاث تدعم بشكل علني الاحتلال الأرميني، ولم تكن صادقة في أي وقت في صرف جهود حقيقية لإنجاح الحوار.

وحينما حاولت أذربيجان تولي الأمر بنفسها دون الاعتماد على تلك المجوعة، رأينا فرنسا على وجه الخصوص كيف تعاملت مع الموقف بطريقة احتلالية أكثر من أرمينيا بحد ذاتها. وإن تبنّي البرلمان الفرنسي لقرار يقضي بالاعتراف باستقلال إقليم قره باغ، يشير بدوره إلى النية الحقيقية التي تختبئ وراءها ليس فرنسا فحسب، بل مجموعة مينسك برمّتها.

إلا أن ما حصل كان خيرًا بكل المقاييس، حيث أن تلك الفخاخ التي زرعوها لم يقع فيها إلا أصحابها، وبينما راحوا يلهثون وراء مطمع ليس من حقهم، خسروا ما كان في أيديهم، كما يقول المثل التركي؛ "راح يسعى لأخذ الرز ففقد البرغل الذي في يده".

لقد نجحت أذربيجان بإمكانياتها الفردية وبالطبع بفضل الدعم التركي لها، في الرد بقوة على الاعتداءات الأرمينية التي أشعلت الصراع الأخير، مما جعل أذربيجان تنجح في تحرير قره باغ بأكملها بعد قرابة 30 عامًا من الاحتلال.

وبهذه المناسبة وجّه أردوغان وعلييف خلال مراسم عيد النصر في باكو، هذه الرسائل إلى العالم بأسره:

في هذا النظام العالمي القائم اليوم، لا يكفي أن تكون محقًّا فحسب، بل تحتاج إلى أن تكون قويًّا أيضًا. وإن انتقادات الرئيس أردوغان التي طالما رددها لسنوات أنّ "العالم أكبر من خمسة"، ها هي اليوم تتجسد على أرض الواقع. لقد أثبت أردوغان بهذه الطريقة أنه لا يمكن انتظار العدالة من ضمير هذا النظام العالمي. وبات واضحًا أن الحقوق لا يمكن المطالبة بها من النظام العالمي بل تُنتزع انتزاعًا.

لقد أثبتت تركيا أنها من أجل صيانة الحقوق سواء في أذربيجان أو سوريا أو ليبيا أو شرق المتوسط، لا يمكن أن تترك تلك الحقوق تحت ضمير غاشم لا يعترف بها، بل إذا اقتضى الأمر فإنها تُظهر قوتها لتحصيل حقوقها.

لقد أظهرت العروض العسكرية المذهلة في العاصمة الأذربيجانية باكو، المسيّرات التركية، والمدرعات والمدافع والعديد من منتجات الصناعات الدفاعية التركية؛ أنها أدوات قوة لتحقيق العدالة واستعادة الحقوق.

وبعد هذا الانتصار العظيم نجد أن المبادة التي اقترحها أردوغان لتأسيسها في المنطقة، بعيدة كل البعد عن الغطرسة والتكبر والانتقام الذي عادة ما يُظهره المنتصر ضد عدوّه الخاسر. حيث أنّ أردوغان دعا بشكل مباشر أرمينيا للانضمام إلى "المنصة السداسية للسلام والتعاون الإقليمي"، التي من شأنها أن تضم إلى جانب تركيا كلًّأ من "أذربيجان وأرمينيا وروسيا وإيران وجورجيا". وإن مبادة تأسيس هذه المنصة السداسية لتكون أساسًا للسلام الإقليمي، من شأنها أن تكون مثالًا يُحتذى به في عموم العالم كما ينبغي تطبيقها وتقديرها بعناية فائقة.

إنه من المهم للغاية أن تملك الشجاعة لتوجيه الحديث لبلد خرج آنفًا من الحرب؛ "نحن ليس لدينا مشكلة مع الأرمن، وليس لدينا أي مشاعر كراهية أو عداء تجاههم". وإنها لرسالة في غاية الأهمية لا يجب أن تسمعها وتعيها أرمينيا فحسب، بل العالم كله أيضًا.

يجب أن تستمع لتلك الرسائل كل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي لا تزال تحمل مشاعر انتقامية وخصومات مستَثارة تستند إلى قضايا عمرها قرون، وتحاول من خلالها خدش التاريخ وإثارة العداوة. وكل ما تفعله تلك الدول لم يساهم إلا في زيادة الحقد والكراهية والبغضاء بين الناس، وتوليد مشاكل وأزمات غير قابلة للحل.

أما تركيا فإنها في أكثر المواقف تفوقًا ونصرًا، ها هي تمدّ يدها وترسل هذه الرسائل وتدعو لهذه القيم. وستظل تعترض على عالم محدود يحكمه خمسة، وسيظل طموحها وأفقها يتوجه نحو مستقبل يحكمه عالم أكثر عدلًا.

وها هي تركيا قد أظهرت في باكو رسائلها بشكل واضح ومفهوم لأولئك الذين يعانون من صعوبة في الفهم.

#باكو
#أذربيجان
#تركيا
#أردوغان
3 yıl önce
من باكو.. رسائل لا لبس فيها لمن يعانون صعوبة في الفهم!
وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في إنقاذ ترامب
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية