|
28 شباط: حكاية حقبة لا تزال حاضرة

24 عامًا مرت على انقلاب "ما بعد الحداثة" الذي وقع في 28 شباط عام 1997. وهذا يعني بطريقة ما أن تركيا على مدار 24 عامًا تستحضر في كل عام ذكرى ذلك اليوم المخزي من تاريخها. ولو استثنينا العام الذي وقع فيه ذلك الانقلاب، فإننا نكون أمام 23 مرة من محاولة فهم ما حدث، وأخذ العبرة منه، وحينما نستذكر ضحايا الانقلاب، فإنّ ذلك بمثابة محاكمة للجناة وإن كانت محاكمة للضمير فحسب.

إن كل سنة من هذه السنوات الثلاثة والعشرين، لم تمض مثل الأخرى. كانت هناك اختلافات كبيرة بين السنوات القليلة الأولى، وما تلاها من خمس أو عشر سنوات، وبالطبع كان الفرق الكبير سواء من حيث إحياء هذه الذكرى، أو من حيث مَن يُحييها. وإن الفروق بين كل سنة من هذه السنوات الـ23 التي خلت، تكفي وحدها بما تقدمه من معطيات لمنح الدرس والعبرة مما حدث.

كانت السنوات الست الأولى بعد انقلاب 28 شباط لصالح مدبّري الانقلاب بشكل كامل، لكن وعلى الرغم من أنها كانت سنيّ سلطتهم؛ إلا أنها كشفت في الوقت ذاته عن جميع نقاط ضعفهم وبؤسهم وعدم كفاءتهم وفسادهم، وأسوأ نواياهم وأخبث مشاعرهم.

أن تكون في السلطة لا يعني بالتأكيد أن تكون قادرًا على إقامة عرش في قلوب الناس من جميع النواحي، كما يظن البعض. وإن انقلاب 28 شباط هو أفضل مثال على أن السلطة التي يتم تحصيلها بالقوة وإضفاء الشرعية عليها بالسلاح؛ ليس لها أدنى تأثير أو قبول في قلوب الناس.

وفي المقابل حينما ننظر إلى وضع الحكومة الائتلافية (حكومة الرفاه والطريق القويم) التي تم الانقلاب عليها، نجد أنها في أول 6 شهور فقط قد حققت انتعاشًا كبيرًا سواء على صعيد الاقتصاد أو المجتمع، فضلًا عن التحسن الكبير في ميزان الإنفاق العام، وقطع جميع منافذ الفساد.

لقد كان ذلك في الحقيقة هو السبب الأهم في تنفيذ انقلاب ما بعد الحداثة وبطريقة مرتبكة وخائفة. لأنهم رأوا أن حزب الرفاه بقيادة الراحل نجم الدين أربكان، لو بقي في السلطة أكثر، فإنه سيحقق نجاحًا لن يتمكن أحد على منافسته فيه، وبالتالي سيضمن الفوز في الانتخابات المقبلة بكل تأكيد، بفضل الرضا الكبير الذي وضعه في قلوب الناس.

كانت "العلمانية" أردأ ما قدموه من حجج واهية لانقلابهم. كانت بمثابة صنم الحلوى الذي يُأكل في أي وقت حين الجوع. وحينما رأوا أن الوقت قد حان قالوا لنأكل هذا الصنم ونفعل انقلابنا.

إن مخاوفهم وفزعهم من نشوء جيل جديد يرتكز على الحجاب ومدارس "الإمام خطيب"، بل وحتى الثانويات المهنية، جعلهم يُباشرون بردة فعل فرعونية بكل ما للكلمة من معنى، تسعى ردة الفعل هذه على وأد وتدمير كل هذه المظاهر.

إن التدابير التي اتخذوها ضد هذا الجيل الحضاري الجديد الذي كان البديل الأفضل للسلطة المنهارة، لا تختلف عن التدابير التي اتخذها فرعون خوفًا من موسى الذي سيولد يومًا ويُسقطه.

لقد مارسوا إبادة جماعية بحق مئات الآلاف من طلاب مدرس "الإمام خطيب" والثانويات المهنية والطالبات المحجبات؛ حينما استبعدوهم من النظام التعليمي. لقد كانت هذه الآلية المتغطرسة التي مارسوها إشارة لألوهية زُيّنت لهم فادّعوها يوم 28 شباط. ولا شك أن الغطرسة والتجبر الذي جعلهم يدّعون هذه الألوهية، زيّن لهم في المقابل أن بإمكانهم البقاء في السلطة ألف عام بكل سهولة.

لقد كانت وعودهم بالاستمرار ألف عام، ليست سوى ملخص مقتضب عن الاستبداد الممارس ضد المجتمع نفسه الذي يعدونه بذلك، والذي كان لا يرجو سوى انتهاء هذه الممارسات اللاعقلانية. أما المرحلة التي نطقوا بها بهذا الوعد "ألف عام"، كانت الفترة التي لم يبق فيها سوى رمق لتحقيق الشريحة المستبعدة أهدافها ونجاحها الذي كان يخيف مدبّري الانقلاب والمصفقين له.

وفي الحقيقة، قد حدث ما كان يخيفهم فعلًا، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002. حينما نفذوا الانقلاب عام 1997 فإنما نفذوه وهم يقولون؛ "لو لم نتخذ أي إجراء ضد هذا الجيل (طلاب الإمام-خطيب والثانويات والمهنية والطالبات المحجبات) فإنهم سيستولون على السلطة في غضون 15 عامًا"، نعم لقد توقعوا حصول ما يخافونه خلال 15 عامًا، إلا أنهم بفضل ما اتخذوه من تدابير مشددة واستبعاد، فقد تضاءلت هذه المدة من 15 عامًا إلى 6 أعوام فقط، ونجح بالفعل رائد هذا الجيل رجب طيب أردوغان بالوصول للسلطة مع حزبه بمفرده.

ومع ذلك، ظل أصحاب "28 شباط" يحاولون ممارسة السلطة بطريقة ما، من خلال ما زرعوه يوم انقلابهم الغابر. ثم جربوا دور المعارضة للحزب الحاكم "العدالة والتنمية".

كانت ذكرى الـ28 من شباط تمرّ كل عام بكل ما تحمل في جعبتها من ذكريات، ومع كل عام يتضاؤل الذائدون عنها، حتى وصلت إلى يوم لم يعد فيه الانقلابيون يعترفون بما فعلوا.

أما في العام 2010، فقد كان العام الذي حوكم فيه مدبّرو انقلاب 28 شباط، وقفوا أمام المحاكمة التي جعلتهم يرتبكون ويلقون اللوم على بعضهم البعض. تنصلوا من الجرائم وبدؤوا يتقاذفونها فيما بينهم.

ومع ذلك، الانقلابات التي نستذكرها أحيانًا فنقول؛ "لا يمكن أن تتكرر على الإطلاق"، تتكرر وتأتي على صور وأشكال مختلفة وتحت ذرائع مختلفة، وبمساعدة مؤسسات وجهات فاعلة متعددة. أحداث 7 شباط 2012، غيزي بارك 2013، انقلاب الإعلام والقضاء 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013، واخيرًا محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز الفاشلة، جميعها كانت أشد وطأة من مصطلح "ما بعد الحداثة" الذي اتسم به انقلاب 28 شباط 1997.

لا شك أن الوقت قد حان للحديث عن فوائد ودروس مرحلة يتم استحضار ذكراها كل عام على مدار 23 عامًا.

إن من قام بتلك الممارسات لا يزال حاضرًا بيننا اليوم، وعلى الرغم من أن تلك الممارسات تبلغ حدًّا لا نهاية له من اللاعقلانية واللاإنسانية، ومعاداة الإسلام وتركيا والشعب، إلا أن أصحابها لا يزالون اليوم في مواقع سياسية نشطة، يحاولون تعليمنا دروس الديمقراطية وحقوق الإنسان.

على صعيد آخر، نتساءل هل ضحايا انقلاب 28 شباط الذي عانوا من ويلاته وظلمه بالأمس، قد أخذوا العبرة لأنفسهم أو لأولادهم اليوم من خطورة ذلك الماضي الأليم؟ ما عاشه الآباء بالأمس يعتبر مجرد تاريخ أو ماضي بالنسبة للأبناء، لكن هل يكفي أن يكون هذا الشعور واحده وعيًا مستقرًا في عقول الأولاد؟

إن أربعة وعشرين عامًا مضت على انقلاب 28 شباط، لا شك أنها مليئة بالمشاهد التي يمكن فيها رؤية تداول الأيام التي وعد الله بها، يمكن رؤية ذلك بأوضح الطرق وأكثرها إعجازًا.

كان الهدف الأساسي لانقلاب 28 شباك هو أربكان، الذي توفي يوم 27 شباط 2011، وخرج الملايين في تشييعه يوم 29 شباط، في مشهد مهيب لم يسبق له مثيل، إن ذلك بحد ذاته عبرة كافية. والعبرة الأخرى هي أن منفذي الانقلاب وداعميهم لا يكاد أحد يتذكر رحيلهم.

رحم الله نجم الدين أربكان الذي قال عن 28 شباط أنه كان لحظة بيوم من أيام الله، قالها ومضى. رحمه الله وجعل مقامه في عليين.

#أربكان
#28 شباط
#تركيا
3 yıl önce
28 شباط: حكاية حقبة لا تزال حاضرة
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان