|
الأمير الإسلامي للدولة العثمانية: سعيد حليم باشا

على الرغم من أنّ الدولة العثمانية كانت في طريقها نحو الهزيمة والانهيار، جرّاء الحرب العالمية التي تم جرّها إليها، إلا أنها في الوقت ذاته كانت في ذلك الوقت دولة عظمى تمثّل جميع المسلمين. وعلى الرغم من الضعف والوهن والتدهور الذي كان يعمّ مؤسساتها وبيروقراطيتها ومجتمعها، إلا أنها كنت في النهاية دولة مسلمة.

كان هناك دولة تمثّل الجسد السياسي لمسلمي العالم، لدرجة أنه حتى الإسلاميين آنذاك كانوا لطالما يوجهون نقدهم الشديد بين حين وآخر إزاء هذه الدولة، لكن ومع ذلك لم تكن الانتقادات تلك إلا في سبيل إصلاح هذه الدولة لا هدمها.

لا شك أن سعيد حليم باشا، هو أبرز الشخصيات الإسلامية التي برزت وتميزت في ظل تلك الظروف التاريخية. لقد كُتب عنه الكثير، وقيل الكثير، إلا أن جميع ذلك يمثّل القليل فحسب مما يجب أن يُقال عنه ويتم التفكير به.

في الذكرى المئوية لوفاته، لا شك أن التفكير به في ظل ظروف اليوم يحمل معاني مختلفة للغاية. وفي هذا الصدد تعقد بلدية "زيتين بورنه" في إسطنبول، ملتقى لطيفًا تحت عنوان "المفكر والوزير العثماني".

إن التفكير به يعني بطريقة ما التفكير بأنفسنا كذلك الأمر.

ربما لا يمكن القول أنّ الأفكار والمواقف التي كان يعبّر عنها سعيد حليم باشا لا تختلف في جوهرها عن نظائرها لدى الإسلاميين الذين عاصروه، لكن بالطبع هذا لا يدفع للقول بأن أفكاره كانت تكرارًا للآخرين، بل ربما كان ذلك نتيجة التأثر المتبادل. كما أن هناك سببًا آخر لهذا التكرار، يكمن في أنّ جميع أطروحات وأصول الإسلامية تستند في النهاية على الكتاب ذاته.

لكن مهما تكررت سواء في ذلك الزمان أو غيره، فلا شك أن ما تطرحه الإسلامية من أداء يمنحها معنى أو تأثيرًا فريدًا.

من الواضح جدًّا أن سعيد حليم باشا كان يتمتع بلغة وقوة فريدتين، على صعيد خطابه الإسلامي. لدرجة أنه يمكن القول بأن حليم باشا كان يعبّر عن جميع المفكرين الإسلاميين في عصره، بأكثر الطرق تماسكًا وواقعية.

ولعل من أهم الخصائص التي كانت وراء تمتعه بهذه القوة الفريدة، هو الإمكانية التي أتيحت له في إسقاط جميع أفكاره على إدارة الدولة لاختبار تلك الأفكار. كان قادرًا في المقابل على رؤية المقابل الذي سينتج عن إسقاط الأفكار الإسلامية على إدارة الدولة.

وبهذه السمة والميزة، يمكننا اعتباره الأمير الإسلامي للإمبراطورية العثمانية، لا سيما وأنه كان "أميرًا" بالفعل من حيث اللقب والوظيفة التي كان يمثلها. وإن وصف "أمير" لحليم باشا، لا يقتصر بالطبع على اللقب الذي كان يحوزه فحسب.

وفي هذا الصدد، نجد أن وصف أنطونيو غرامشي، للأمير الشهير ميكيافيلي، بـ"الأمير الحديث" كان بناء على تصميمه للحركة اليسارية والاشتراكية والتي اعتبرها من خصائص ميكيافيلي.

لقد تصوّر غرامشي ماهية "الأمير الحديث" على أنها استعارة للحركات اليسارية والاشتراكية التي تم تصميمها وفقًا لروح العصر الحديث.

بالنسبة لغرامشي، فإن ميكافيلي الذي كان ملهمًا في عملية تصميم تلك الحركة، تجسد وصفه بالأمير في كونه يمثّل البحث عن نظام اجتماعي وسياسي شامل ومتماسك ومستقر لأوربا التي كانت قد دخلت في حالة فوضى، وطريق غير مستقر، وسط بيئة فقيرة من أي تصوّر لجسد اجتماعي متكامل. ولم تكن أوروبا بوضع مختلف عن ذلك إبّان الحرب العالمية الثانية.

وانطلاقًا من هذا التشبيه كان غرامشي يحاول إيجاد حل للمشاكل طويلة الأمد بالنسبة لأوروبا، ويقدّم توصيفًا للوضع الموجود، لكنه أمام كل ذلك كان يحاول تصميم "قاسم مشترك" يمكنه لعب دور في رؤية جميع هذه المشاكل ومحاولة حلّها.

كان على هذا "القاسم المشترك" في الأصل أن يجيب على أزمة الوحدة ضد الانقسام الاجتماعي والسياسي الذي كانت تعاني منه أوروبا. إلا أن الأهم من ذلك من أجل تحقيق إرادة مشتركة يمكنها ضمان هذه الوحدة، هو القيادة التي ستكون على رأس الهرم وتقود نحو حل هذه الأزمة، وأخيرًا تبرز قضية كيف سيتم تأسيس هذه القيادة.

لقد كان حل هذه المشكلة جاهزًا بالطبع بالنسبة لشخص اشتراكي؛ حيث كان سيفرض مهمة هذا التغيير الاجتماعي، ودور القيادة التي من شأنها ضمان الوحدة المجتمعية، على الحركة اليسارية لتأخذ دور الأمير، وعلى البروليتاريا كطبقة.

وعلى الرغم من كل الإخفاقات التاريخية، وفشل كل الأطروحات الرائدة في هذا الصدد، فإن رغبة اليسار في أن يصبح أميرًا لم تنته بشكل تام. لم يتخلّ اليسار عن رغبته في لعب دور الأمير، على الرغم من أن البروليتاريا كانت الورقة الوحيدة في يده، وعلى الرغم من إدراكه عدم أهليته للعب هذا الدور، بل وفشله في ذلك. مما دفعه للبحث عن وسائل اجتماعية أخرى لتحقيق أحلامه نحو الإمارة.

بالنسبة لسعيد حليم باشا، فكان من الواضح جدًّا أنه كان يرى المسلمين موضوعًا لتحقيق أهداف الإسلام لهذا العالم. إلا أنه قبل ذلك كان يملك نهجًا تحليليًّا وواقعيًّا في فهم مجرى التاريخ. وعلى الرغم من كل نقاط الضعف التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية في أيامها الأخيرة، إلا أن حليم باشا كان يتصرف كأمير بكل ما للكلمة من معنى، وذلك من خلال المناصب والمواقع التي شغلها. كان يعرف مجرى التاريخ ويحاول توجيهه في الوقت ذاته.

بمعنى آخر كان حليم باشا يتحدث ويفكر انطلاقًا من دور المسؤولية إزاء المسلمين، لا من خلال استخدامهم كورقة أو ضحية.

وبالطبع على الرغم من تفكيره بهذا الشكل إلى جانب تصاميمه التي اتخذها من موقع الإدارة، إلا أنه كان في حقبة تعيش فيها الدولة العثمانية حالة انهيار وعلى وشك السقوط. ولذا كان يفكر في المسار الذي يتوجه نحوه هذا الانهيار.

من ناحية أخرى، كان هناك تصور لمجتمع مثالي ونظام متكامل وشريعة، وفي الوقت ذاته كانت هناك حالة تباين بين المجتمع والمسؤولية المفترض أن تكون على عاتقه.

ولذلك لم يكن معنى الأمير هنا أميرًا يؤسس من الصفر، بل أميرًا وسط أزمات وانهيارات، كانت تحتم عليه أن يراها بشكل واضح ومن ثمّ يتفرغ لعلاجها بما يملك من وصفات علاج متوفرة بين يديه. ولا شك أن هذا يختلف بشكل كبير عن ماهية تصميم الاشتراكيين للموضوع.


#سعيد حليم باشا
#الدولة العثمانية
#تركيا
#ياسين أكتاي
3 yıl önce
الأمير الإسلامي للدولة العثمانية: سعيد حليم باشا
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية
ملف إيران يزداد تعقيدا