|
موقف بايدن مجرّد تضامن صليبي

لنسلّم بأنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قد فعل ما لم يفعله قبله الرؤساء الأمريكيون السابقون، حيث ألقى بنفسه نحو الهاوية، واستخدم كلمة "إبادة جماعية" بشأن مزاعم الأرمن. تمامًا كما فعل سلفه ترامب الذي هو الآخر ألقى بنفسه نحو الهاوية من خلاله قراره حول القدس.

ما فعله ترامب في ذلك الوقت، كشف عن الجوهر الصهيوني لدى الولايات المتحدة، وما فعله بايدن اليوم من خلط تاريخي حكم خلاله على أحداث عمرها 106 أعوام، من غير أن يكلف نفسه وينظر أولًا لتاريخ وحاضره بلاده، المليئ بالإبادات الجماعية والمذابح والاحتلالات والممارسات اللاإنسانية وطرق التعذيب الوحشية؛ قد كشف عن الجوهر الصليبي الذي يختبئ في قلب الولايات المتحدة.

وبالطبع نحن لا نتحدث هنا عن سرّ أو شيء نجهله، حيث أنّ الولايات المتحدة يومًا بعد يوم تكشف عن طابعها المتمثل في كونها دولة صهيونية-صليبية. ومن ناحية أخرى يكشف ذلك عن أنّ الولايات المتحدة في حالة انحدار نحو الهاوية.

إن كون الولايات المتحدة دولة عظمى لا يعني أن ذلك يمنحها ممارسة سطوة على الشعوب لفرض حكمها عليهم، أو منحها فضيلة إرساء العدل فيما بينهم. لا سيما وأن الولايات المتحدة منذ تأسيسها وحتى اليوم، لم ولا تتحرك باسم هذا النوع من الفضيلة.

لا شك أن الأيديولوجيا والدين هما وراء قرار أحادي الأجانب يتجرأ على الحكم حول قضية حدثت قبل 106 أعوام لا يستطيع حتى المؤرخون الحكم عليها بسهولة. وبالطبع لا يحمل هذا القرار أي قيمة على الإطلاق في منظور العدالة.

في بيان الرئيس الأمريكي بايدن في هذا الصدد، نلحظ حجم النفاق والازدواجية، لا سيما من خلال استخدامه عبارة "نتخذ هذا القرار ليس من أجل اتهام تركيا، ولكن من أجل أن لا يتكرر هذا النوع من الحوادث".

إن المآسي التي تسببت بها الولايات المتحدة في الماضي والحاضر، تفوق بمرات ومرات بشكل تنعدم فيه المقارنة مع ما حصل عام 1915، بغض النظر عن المزاعم التي يلفقها الأرمن.

ولو كانت الإدارة الأمريكية تمتلك ذرة صدق وإحساس لما حصل ما حصل الآن سواء في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، وكذلك في كشيمر وميانمار.

في العراق وحده، تم قتل مدنيين يفوق عددهم ما يزعمه الأرمن من أعداد القتلى عام 1915، لقد قُتل في العراق أكثر من ذلك بكثير وبأكثر الطرق وحشية وقسوة دون أي وجه حق، فضلًا عن أشكال التعذيب التي تقشعر لها الأبدان.

ما حدث في العراق ليس مسألة تاريخية، بل هو موضوع اليوم وحديثه، هو أحداث ضُبطت فيها الولايات المتحدة وهي متلبسة بجرائمها.

لا يمكن بأي شكل أن توفي الولايات المتحدة حق اعتذارها من البشرية جمعاء، عن كل ذنب وجريمة اقترفها جنودها، الذين ضُبطوا وهم يمارسون أشنع صور إذلال الناس، ويرتكبون أفظع الجرائم ضد الإنسانية.

واليوم تسببت الفوضى التي جلبتها الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، بخلق روتين يومي لدى الشعوب المسلمة، من قتل ومجازر وتعذيب وانتهاكات وشتى أنواع الممارسات اللاإنسانية.

فتش عن الضمير المزيف الذي تزعمه الولايات المتحدة وجميع تجار الإبادة الجماعية من اليوم حتى 1915، لن تجد سوى كم هائل من الحقد والكراهية فحسب.

لقد ذكرت من قبل وها أنا اليوم أكرر ما قلته؛ هناك محاولة لـ"إبادة جماعية بحق مسلمي الأناضول" لم تنجح، بقيت كعقدة في خلفية مزاعم الإبادة الجماعية للأرمن. وبالطبع تلك المحاولة ليست من قبيل اتهامات عشوائية تم تلفيقها اليوم.

ربما يكفي أن نعلم أو أن نتذكر بأن جميع الشخصيات العثمانية التي وضعت خطة التهجير موضع التنفيذ عام 1915، أو حتى التي كانت موجودة في السلطة فحسب، تم العثور عليهم مقتولين إثر اغتيالهم على يد العصابات الأرمنية بطرق ملاحقة محيّرة للعقل. طلعت باشا، أنور باشا، سعيد حليم باشا، والي طرابزون جمال عظيم، بهاء الدين شاكر مدير المنظمة الخاصة في تركيا، إلى جانب رئيس وزراء أذربيجان السابق فاتالي خان خويسكي، ووزير العدل السابق خليل بك حسميدوف، وغير ذلك الكثير الكثير من الأسماء، لدرجة أن من بينهم مدنيون أرمن تم قتلهم على يد تلك العصابات بتهمة الخيانة.

لقد اتخذت العصابات الأرمنية قرار هذه الاغتيالات، خلال مؤتمرها التاسع في يريفان عام 1919، وتم إطلاق عملية الاغتيالات التي حملت اسمًا باليونانية يعني "آلهة الانتقام". كما تم تخصيص ميزانية كبيرة لهذا الغرض، وتم إجراء جميع ذلك وفق تخطيط وتنظيم كبيرين.

هذا مثال كبير على أن قرار التهجير الذي اتخذته الإدارة العثمانية في ذلك الوقت، لم يكن نابعًا عن ظلم أو عملًا غير مبرر. إنه مثال يوضح بشكل لا لبس فيه كيف أن العصابات الأرمنية المتعطشة للدماء كانت تحاول ذبح وقتل أكبر قدر من المسلمين. يُظهر هذا المثال كيف عملوا ضمن شبكة قتل احترافية على الرغم من مضي 4 سنوات على عام 1915. أظهر هذا المثال حجم ما يمكنهم فعله، وأن اغتيالاتهم تلك كانت تنفّذ من خلال ميزانيات عالية وبتنظيم وتخطيط دقيقين، وبدعم دولي واضح.

ما يعني أننا لسنا أمام شعب مقهور بما عاشه من مآسي أو اضطهاد وظلم، أو تعرض للسحق والإبادة كما يزعم. نحن أمام أناس مشبعين بالكراهية والحقد والانتقام، يستخدمون آلامًا ومآسي عاشها الجميع في تلك الحقبة، كدعاية خاصة بهم بأكثر الطرق فعالية وتأثيرًا.

إن كتّاب التاريخ اليوم الذين يتصيدون من ذلك التاريخ ما يروي عطش أكاذيبهم للترويج لها واتهام تركيا بهدف الانتقام منها، ما هم في نهاية المطاف سوى جنود رخيصين أفرزتهم العصابات الأرمنية التي كانت بالأمس.

ولذلك نقول، إن كان هناك دَين ما فقد تم تحصيل هذا الدين وبأضعاف كبيرة، وإذا كان هناك انتقام ما فقد وقع على يد العصابات الأرمنية، لا سيما وأن المذابح التي تمت على يد تلك العصابات عبر الدعاية لمزاعمهم، قد بدأت منذ سبعينيات القرن التاسع عشر. حينما حدث تواطئ على العلن مع قوات الاحتلال للقتال ضد الأتراك، فضلًا عن المحاكم التي أقيمت تحت إشراف إدارة الاحتلال البريطاني، حيث أصدرت أحكامًا عامة بالإعدام، هذا غير الاغتيالات التي مورست بحق الدبلوماسيين.

حينما تتخذ تلك العصابات "آلهة الانتقام" دليلًا وهاديًا، فلا نتعجب من أن يتحول الانتقام إلى سمة اجتماعية وواقع ينامون ويستيقظون عليه. ولا يمكن بطبيعة الحال إشباع آلهة مصنوعة تقذف أعينها نارًا، لا يمكن إشباعها بكل سبل الانتقام مهما حصل.

إن القضية الأرمنية ما هي سوى قضية دموية مريضة، تتغذى على الانتقام ولا تشبع منه على الإطلاق.

الآن يعتبر جو بايدن الفارس الأخير في قضية الانتقام تلك. وبغض النظر عن كونه قد أصبح عنصرًا من عناصر هذا الحقد والانتقام والكراهية، فإنه لم يخجل عن تقديم نفسه كوسيط يمكن أن يعلب دورًا في زيادة الحوار بين تركيا والأرمن.

السؤال هو، ما الذي يمكن أن يقدمه يا ترى أحد طرفي الصراع أو ربما أحد من يساهم في تعميق الصراع أيضًا، إنْ لعب دور الوسيط؟

#جو بايدن
#تركيا
#الأرمن
#مزاعم الإبادة الأرمنية
#ياسين أكتاي
#أحداث 1915
3 yıl önce
موقف بايدن مجرّد تضامن صليبي
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن