|
مشاهد الإسلاموفوبيا من الداخل والخارج

منذ أن اتضحت تفاصيل المجزرة التي وقعت مؤخرًا في كندا بحق عائلة مسلمة، تبين أيّ نوع مجنون من الإسلاموفوبيا تعيشه البلاد. كانت ضحية هذه المجزرة عائلة مسلمة من 5 أشخاص من أصول باكستانية، لكن التهديد الحقيقي لهذا العنف الإرهابي الذي استهدف العائلة المسلمة، إنما يستهدف في الأصل كندا كدولة ومجتمع.

إن تفاصيل وملابسات هذا الهجوم العنيف مخيفة لأبعد الحدود. لقد تسبب سائق الحافلة الصغيرة الذي كان يقود سيارته نحو المارّة على الرصيف بمدينة لندن التابعة لمقاطعة أونتاريو الكندية، بمقتل 4 أشخاص بينهم فتاة تبلغ 15 عامًا، فضلًا عن إصابة طفل لاي تجاوز عمره 9 أعوام بجروح خطيرة.

يقول مصطفى فاروق، رئيس المجلس الوطني للمسلمين في كندا، أن رجلًا بعد أن ركب سيارته شاهد عائلة مسلمة تسير على الطريق، فقرر بلحظة أنها لا تستحق العيش. لا يعرف المهاجم شيئًا عن ضحاياه، بل كان أول تشخيص في ذهنه هو أنهم ببساطة مسلمون فحسب.

في الواقع كان هناك هجوم سابق على مسجد في مدينة "كيبيك" عام 2017، قتل فيه 6 أشخاص وأصيب 5 أيضًا، مما جعل المسلمين في كندا على دراية بالعنف الناجم الإسلاموفوبيا.

حينما يقول مصطفى فاروق أن جميع الهجمات من هذا النوع هي هجمات إرهابية على الأراضي الكندية، ويجب التعامل معها على هذا النحو، فإنه يشير في الحقيقى إلى مبدأ اجتماعي أكثر ما تكون كندا ذات حساسية تجاهه.

تتميز كندا على مستوى العالم بأنها مكان تحكمه سياسات التعددية الثقافية إلى أعلى مستوى، لدرجة أنه يوجد حتى وزارى خاصة للتعددية الثقافية من أجل تقييم مطالب المجموعات العرقية والدينية المختلفة والعمل على توسيع مجالات حريتهم.

هذه مسألة وجود وبقاء بالنسبة لكندا التي يعتمد سكانها بالكامل على الهجرة من الخارج.

لا يوجد أي خيار أو حل بالنسبة لكندا سوى تمثيل التعددية الثقافية على أعلى مستوى ممكن. وإن أي نوع من الكراهية العرقية أو الدينية التي تهدد النسيج المجتمعي متعدد الثقافات، سيفكّك المجتمع ويدمره بالكامل.

ولذلك السبب نحن نتحدث عن حساسية مؤسساتية عالية في كندا من شأنها أن تضمن للسيخ والهندوس والبوذيين والسكان الأصليين واليهود والمسيحيين والمسلمين أن يمارسوا عقائدهم بحرية، مع توفير بيئة من الحرية تضمن عدم انتهاك حرياهم في هذا الصدد، وبنفس الوقت ضمان تنظيم جميع ذلك بطريقة لا تقضي على الاستقرار المجتمعي الموجود.

الاختبار الحقيقي للنموذج الكندي الذي يعتبر مصدرًا للعديد من الفلسفات والأدبيات حول التعددية الثقافية، تجلى في الواقع عبر قضية التسامح إزاء المسلمين. ما يعني بعبارة أخرى أن كندا التي خضع بنجاح لاختبار نموذج التعددية الثقافية وحدود التسامح إزاء جميع الشرائح الأخرى، وقعت في أزمة خطيرة فيما يتعلق بالمسلمين، حيث لا يمكنها منع الخطابات والممارسات المعادية للإسلام المتزايدة.

من أجل النجاح في منع حصول ممارسات جديدة من هذا النوع، يجب التعامل مع الخطابات المعادية على أنها ممارسات فعلية أيضًا. على سبيل المثال،بينما يتم التعامل مع انتقادات الاعتداءات الإسرائيلية على أنها معاداة للسامية، وتتعرض للإدانة فورًا، أما الخطابات ضد المسلمين والإسلام التي ينشرها أعداء الإسلام المتعصبون في كل مناسبة، يتم التعامل معها على أنها ضمن حدود حرية التعبير دون أن تخضع لأي إدانة أو انتقاد. من المؤكد أن هذا الوضع بما فيه من تغذية للعنف وكراهية الإسلام ضد المسلمين، بات يشكل مسألة وجود وبقاء مهمة بالنسبة لكندا، وكذلك لجارتها الولايات المتحدة التي تعاني من ممارسات مماثلة.

على الرغم من أننا نحترق ألمًا لما نشهده من خطابات وممارسات ضد الإسلام والمسلمين في كندا أو غيرها من البلدان غير المسلمة، إلا أن ما هو أشد ألمًا حينما نشهد ذلك في عقر ديارنا المسلمة.

إن الاعتداء الذي قام به مؤخرًا المدعو "إيراي تشاكين"، ضد الأكاديمية المحجبة "نشا نور أكايا"، حيث كانت جالسة في حديقة بمنطقة نيشان تاشي في إسطبنول، فصفعها بيده وقال لها "لا نريد رؤية أشخاص مثلك هنا. اذهبي إلى أماكن أخرى، اذهبي إلى غازي عثمان باشا (منطقة بإسطنبول)”، يعتبر بمثابة تحذير لنا بأن علينا البحث عن الإسلاموفوبيا في بلادنا أولًا ومعالجتها، قبل البحث عنها في كندا أو الولايات المتحدة أو أوروبا.

لقد ظل حظر الحجاب الذي يعتبر شعارًا للإسلام ساريًا في تركيا لسنوات طويلة، فهل كان ذلك سوى كراهية نمطية للإسلام؟ على الرغم من أن هذا الحظر لم يكن مجرد ممارسة فحسب، بل رافقه سلسلة من الخطابات. وجميع هذه الخطابات التي استخدمت لتبرير أو شرح هذا الحظر لم تسفر في نهاية المطاف إلا عن مزيد من تغذية مشاعر الكراهية ضد الإسلام.

هناك بصمات لهذا الحظر والخطابات المعادية للإسلام التي رافقته، تظره بوضوح في جريمة المعتدي على الأكاديمية المحجبة في نيشان تاشي، هذه المنطقة التي ربما برمجها المعتدي في ذهنه على أنها مركز للحياة المعاصرة والمدنية. ولطالما رأينا أن أعداء الإسلام الذين يعتبرون أنفسهم جديرين بوصم "علماني معاصر" لأنهم متألقون حسب تصورهم، قد اظهروا أبشع أنواع سلوكهم وأشدها فظاظة ووحشية ضد المرأة.

إن الذهنية التي ترى لنفسها الحق في إملاء ما يجب على المرأة أن تلبسه وما لا يجب أن تلبسه، وإجبارها على ذلك؛ هي ذهنية جبانة، حتى ولو اختبأت وراء قناع الدولة لسنوات طويلة.

وعلى الرغم من أن تركيا تخلصت من ذلك، وبينما نشعر نحن بالسعادة لأن هذه الممارسات صارت شيئًا من الماضي، نتفاجأ برؤيتها مثل الزومبي تظهر كلما رأت أمامها فرصة، لتعيد تذكيرنا بوجهها الفظ القبيح المعادي للإسلام.

#تركيا
#كندا
#الإسلاموفوبيا
#ياسين أكتاي
3 yıl önce
مشاهد الإسلاموفوبيا من الداخل والخارج
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن