|
الولايات المتحدة تستقبل 11 سبتمبر بعد عشرين عامًا مليئة بالمغامرات

يصادف اليوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الذكرى العشرين لتدمير برجَي مركز التجارة العالمي، رمز الولايات المتحدة والرأسمالية. كان وقع هذا الهجوم محسوسًا منذ اللحظة الأولى، من خلال بُعده وثقله الرمزي وما تسبب به من أضرار ووفيات، حيث لم يضرب الولايات المتحدة فحسب بل ضرب قلب العالم الكبير بأسره. ومنذ ذلك الحين لم نشاهد سوى احتضار ما يسمى العالم أحادي القطب الذي تتربع الولايات المتحدة على عرش مركزه. ولا يزال هذا الاحتضار مستمرًّا حتى اللحظة في الواقع، لكن أثره هذه المرة ليس محدودًا بل ينعكس على العالم كله.

كان رد الولايات المتحدة على ذلك الهجوم أكبر من حجمه بكثير، ربما كان ذلك بسبب الأثر النفسي الذي أحدثه الهجوم، حيث ردت بطريقة انفعالية وغير عقلانية، ونهضت بغضب حاولت خلاله إظهار عظمتها والانتقام من الهجوم بشكل أبعد ما يكون عن الطرق العقلانية الرادعة.

بطبيعة الحال لم تضع الولايات المتحدة نصب أعينها -لتحقيق ذلك الانتقام- المسؤولين عن هذا الهجوم أنفسهم، بل حددت هدفًا أكثر انسجامًا مع طموحاتها، فغزت أفغانستان أولًا ثم العراق بعد وقت قصير.

من جانب آخر، كان من الطبيعي للغاية أن تشكل هذه الاحتلالات الأمريكية التي بدأت بعد 11 سبتمبر، مساحة مناسبة لجميع أنواع أفكار المؤامرة، من قبيل؛ أن هجوم 11 سبتمبر كان من تدبير الولايات المتحدة ذاتها، وكان الغرض منه إعطاء صلاحية للولايات المتحدة من أجل إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

لكن لنفترض أن الولايات المتحدة كانت تخطط لذلك، فإن الوصول لهذا الهدف كان يحتم عليها دفع ثمن باهظ، فضلًا عن ضربة موجعة للغاية في عقر دارها تُلحق بها العار وتدمر صورتها أمام العالم كله، إلى جانب تدمير رمز مقدّس بالنسبة لها. إلا أن الولايات المتحدة لم تكن معتادة في أي وقت على دفع مثل هذا الثمن الباهظ من أجل تحقيق أي هدف. بل كانت على الدوام تحصل على ما تريد وبأزهد الأثمان وأحيانا بدون مقابل. والحقيقة أن الولايات المتحدة عقب ذلك الهجوم شعرت بعار كبير لحق بها، وهدد سمعتها ومكانتها وكبرياءها وصورتها العظمى أمام العالم، ولذلك نهضت بغضب تحاول تدارك الأمر.

في المقابل لم يكن هناك تفكير ولو كان ضئيلًا يرى أن هناك قوى أخرى داخل الولايات المتحدة تمكنت من إقناع الفاعلين بالإقدام على مغامرة لم يكن في الحسبان أنها ستطول عشرين عامًا. أما عن الحجج التي ساقوها فلم يكن أي منها مقنعًا حتى الآن أو مبررًا لأي سيناريو حدث منذ ذلك الحين. ومع ذلك ما يهمنا الآن هو النظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة عقب ذلك الهجوم وأي نوع من الاستدلالات التي اعتمدتها لتوجيه سياستها آنذاك.

لقد تحول الاحتلال الأمريكي لأفغانستان منذ السنوات الأولى إلى مغامرة مليئة بالندم بالنسبة للولايات المتحدة. تحولت إلى مغامرة كلفت الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا، فلم تنجح المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والعلمية الضخمة التي تفخر بها. وأنفقت تريليون دولار. نعم يتحدث البعض عن حصول الولايات المتحدة على الكثير في المقابل من خلال المناجم أو تجارة المخدرات. لا أريد كسر أحلامهم التي تتغذى على نظريات المؤامرة، إلا أن جغرافية أفغانستان ليس من ذلك النوع الذي يمكن إنتاج قيمة مالية ضخمة خلال وقت قصير. وبالطبع هذا لا يعني أننا نستبعد قيام الولايات المتحدة بتجارة المخدرات على الأراضي الأفغانية، إلا أن ذلك لا يرقى لمستوى طموح يستحق المغامرة. ولأجل ذلك وجدنا أنها أعلنت انسحابها من أفغانستان بعد عشرين عامًا من 11 سبتمبر 2001، وكان الانسحاب شبيهًا بالهروب، حيث أدركت أن الهروب بمثابة ربح طالما كان البقاء يجلب مزيد من الخسارات.

وبالمناسبة لا بد أن نستذكر انسحاب الولايات المتحدة من العراق قبل الانسحاب الأخير من أفغانستان، وكما أن حجج الاحتلال والسيناريوهات الأخرى كانت شبيهة ببعضها، لم يكن المصير مختلفًا على الإطلاق. لكن كانت لديها مهمة أخرى في العراق، وهي إحلال الديمقراطية هناك، وبما أن هجمات 11 سبتمبر كانت حسب الولايات المتحدة "هجومًا على القيم الأمريكية والديمقراطية، فقد قررت أن ترد بأنسب طريقة على هذا الهجوم وتنقل القيم الأمريكية للعراق أيضًا، وتجلب الديمقراطية إلى الشعب العراقي حيث يحتاجها". وبهذه الطريقة انتقمت الولايات المتحدة من منفذي الهجوم، وجلبت الديمقراطية للعراق.

بالطبع؛ الحقيقة والواقع كانا مختلفين عن ذلك تمامًا، فالديمقراطية التي كانت تعني الانتقام والعقاب لم تجلب للشعب العراقي سوى العذاب المتواصل. لكن الأهم هو أن الولايات المتحدة ذاتها ذاقت طعم ذلك العذاب في نهاية المطاف، ولا تزال. حيث أن المغامرة الأمريكية في أفغانستان ثم في العراق استطاعت ان تحطم "الأسطورة الأمريكية" على مدار 20 عامًا.

بعد النظر إلى واقع اليوم والنتائج التي تمخضت عن 20 عامًا خلت، واتضاح المشهد بشكل جلي حيث ظهر الرابح من الخاسر؛ نسأل: من يعتقد حتى الآن أن الولايات المتحدة قد دبّرت هجوم 11 سبتمبر بنفسها؟

كانت ردة فعل جورج بوش الابن للوهلة الأولى على هجوم 11 سبتمبر، هي سؤال؛ "لماذا يكرهوننا لهذه الدرجة؟". كان يحاول القول بأن الولايات المتحدة حتى تلك اللحظة لم تكن تريد للعالم شيئًا سوى الخير. ربما بالفعل كانت تلك نيته من هذا السؤال في ذلك الوقت، إلا أنه لم ينجح في إثارة أي تعاطف، لأن جميع التدخلات التي قامت بها بلاده تحمل العقلية ذاتها التي يحملها الكماليون هنا عندنا (في تركيا)، وهي "من أجل الشعب لكن رغمًا عن أنف الشعب".

على سبيل المثال، من إحدى الأسباب البارزة للكراهية التي تحدث عنها بوش، هي الدعم غير المشروط أو المحدود من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل ضد فلسطين، كان ذلك سببًا كافيًا لتأجيج كراهية شعوب العالم الإسلامي بأسره على الدوام. ناهيك عن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للأنظمة الاستبدادية في العالم الإسلامي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا السؤال في ذلك الوقت لم يشكل وعيًا مناسبًا يساهم في تخفيف حجم الكراهية، بل زادها بشكل أكبر فوق ما يُتصوّر، من خلال احتلال أفغانستان والعراق، ومواصلة الدعم اللامحدود لإسرائيل، مما جعل شعوب العالم كله هذه المرة تكره الولايات المتحدة.

في الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر، نجد أننا في نقطة تحتاج فيها الولايات المتحدة لإجراء تقييم أكثر حصافة حول ما اكتسبته وما خسرته سواء فيما يتعلق بها أو بالعالم كله.

#الولايات المتحدة
#العالم الإسلامي
#أفغانستان
#العراق
#11 سبتمبر
#ياسين أكتاي
3 yıl önce
الولايات المتحدة تستقبل 11 سبتمبر بعد عشرين عامًا مليئة بالمغامرات
إيران.. خطر لم ندرك حجمه بعد
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن